سؤال حول جان دارك

2021/02/05

سؤال على الخاص من الاخ ( ) يقول فيه : (اﻻخت Izapilla Penijamin من هي جان دارك وهل هي قديسة)؟

أولا أقول أن القديسين في الكتاب المقدس أربعة مراتب . (الملائكة ، الأنبياء ، أوصيائهم وبعض النساء ممن يختارهن الرب الله أمثال مريم العذراء) وفي الاسلام يطلق عليها (صدّيقة).(1) وهذا ما نقرأه بكل وضوح في الكتاب المقدس وهذه بعض النصوص الدالة على ذلك .

إنجيل متى 25: 31 (ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه).

إنجيل لوقا 1: 70 (كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر).

سفر يشوع بن سيراخ 45: 7 (أعلى هارون القديس).

سفر يهوديت 8: 29 (فالآن صلي عنا لأنك امرأة قديسة متقية لله).

هذه هي المراتب الأربعة في الكتاب المقدس وما عداها تم صناعته من خيال الناس. 

الجواب : 

جان دارك احد جنود الملك الفرنسي شارل السابع قامت باستغلال الطبقة الفقيرة من الفلاحين وبسطاء الناس وزعمت أنها رأت الله الذي كلفها بأن تنصر الملك (شارل السابع) وتخلص بلدها من الاحتلال الانجليزي ، واستطاعت أن تُقنع الملك بأن الله ارسلها لكي تحمي عرشه ضد منافسه هنري السادس ملك انكلترا. (2)

فقادت الجيوش الفرنسية وهي ترتدي زي رجل، وحققت به عدة انتصارات أدت في النهاية إلى تتويج الملك شارل السابع على فرنسا ملكا ، تم اعتقال جان دارك على يد دوق مدينة بورجوني وبأمر الكنيسة لإدعائها رؤية الله وتم بيعها إلى انكلترا (لد اعدائها ) ليتم محاكمتها واعدامها بتهمة (الهرطقة) اي الوقوف بوجه الكنيسة وتعاليم المسيح ، ولكن تبين فيما بعد أن محاكمتها كانت سياسية بأمر من دوق بيدفورد الذي زعم أحقيته بالعرش الفرنسي بالنيابة عن ابن أخيه هنري السادس، في حين كانت جان دارك الشخص المسؤول عن تتويج غريمه شارل السابع، وبالتالي فإن إدانة جان دارك ما هي إلا محاولة للنيل من شرعية الملك الفرنسي. وقد حاكمها الأسقف بيير كوشون وحكم عليها بالموت حرقا.

وبعد التحقيق في ملفات المحاكمة بعد اعدام دارك بعشرين عاما لم يجدوا ادلة على ادانتها وكان في وقتها كاتب العدل نيكولاس بايلي الذي كُلّف بجمع الأدلة لإدلاء شهادة ضد جان دارك، إلّا أنه لم يجد أي دليل. فقام باصدار حكم الاعدام. 

وفي القرن العشرين، أُعجب جورج برنارد شو بالحوار الذي دار في محاكمة جان دارك فقام بتأليف مسرحية (القديسة جان) كانت ترجمة حرفية لسجل المحاكمة، الذي فضح ومن دون قصد المحاكمة الجائرة التي تعرضت لها جان دارك من قبل رجال دين قساة فاشلين تم تعيينهم بأوامر سياسية.

وقَّعت جان دارك على وثيقة لا تعرف ماذا فيها لأن جان كانت أميّة لا تقرأ ولا تكتب و لم تفهم مغزاها تحت ضغط وتهديد الإعدام الفوري. وكانت الوثيقة سببا في اعدامها على انها اعترافات جان دارك الموقعة من قبلها. ولما لم يجدوا اي ادانة سياسية ضدها أدينت على يد رجال الدين بتهمة الهرطقة وحُكم عليها بالإعدام حرقا بالنار فتم احراقها يوم (30 مايو 1431م) فتم ربطها بعمود وسط سوق المدينة القديمة بمدينة روان وتم احراقها مرتين كما يذكر الجلاد الذي احرقها (جيفري ثريدج) ثم قام برمي رمادها في نهر السين من على جسر ماتيلدا ، خوفا من أن يحتفظ الناس ببعض رمادها على انها قديسة رأت الله. وهكذا تخلت الكنيسة وكذلك تخلى الملك شارل السابع عنها بعد ان جلس على كرسي الحكم . 

ولكن بعد مرور اكثر من عشرين سنة قامت (إيزابيل روميه) أم جان دارك برفع شكوى إلى البابا الجديد كاليستوس الثالث الذي لم يكن على وفاق مع شارل السابع فقرر البابا اعادة محاكمة جان دارك وامر المحقق العام جان بريال ان يتولى التحقيق حيث بدأ بريال بالتحقيق عام 1452، وقام بتحليل شهادة 115 شاهد قاموا بالشهادة ضد جان دارك. ثم أعلن بريال ملخص ما توصل إليه في يونيو 1456، وهو اعتبار محاكمة جان دارك باطلة وأن ضلوع الأسقف الراحل بيير كوشون بهذه الجريمة ساهم في اعدام جان جارك وذلك بسبب سعيه لتحقيق ثأره .

قام البابا بعد تبرأة جان دارك باعتبارها (قديسة) وبناءا على ذلك أصبحت جان دارك رمزاً للرابطة الكاثوليكية في فرنسا، كما قام بجهودٍ توّجت بتطويب جان دارك عام 1909. ثمّ أعلن البابا بندكت الخامس عشر جان دارك قديسةً في 16 مايو 1920، لتصبح واحدة من أكثر القديسين شهرةً في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. 

وهكذا قامت الكنيسة باعتبار جان دارك اولا هرطوقية ، ثم عدلت بعد ذلك فجعلتها قديسة حيث باتت جان دارك شخصيةً شبه أسطورية لأربعة قرون بعد وفاتها.

وهكذا يتم التلاعب في منح الالقاب وصناعة الشخصيات الاسطورية واضفاء القداسة على المجرمين السياسيين وكل ذلك تبعا لأهواء الكنيسة ومصالحها. وقد حُملت راية كبيرة تحمل صورة جان دارك تيمنا بانتصاراتها وذلك عند الاحتلال الفرنسي للجزائر حيث قُتل اكثر من مليون جزائري تحت هذه الراية . وكذلك استخدمت كل من حكومة فيشي والمقاومة الفرنسية صور جان دارك في شعاراتها خلال الحرب العالمية الثانية لجلب الدعم ضد النازيين. الذين احتلوا فرنسا بعملية اطلقوا عليها (لعنة جان دارك). فحمل الفرنسيون راية جان دارك لطرد النازيين .

وبدلا من أن يقوم الملك شارل السابع بتكريم جان دارك لكونها اجلسته على كرسي الحكم الفرنسي قام بلاطه وبإيعاز منه باتهامها بالجنون والوهم خصوصا في مزاعمها رؤية الله . واصدر البلاط الملكي بيانا قال فيه : (لا ينبغي تغيير أي سياسة ولو كانت طفيفة بسبب محادثة مع فتاةٍ فلاحةٍ تعيش في وهم، كما أنه لا ينبغي لنا أن نجعل من أنفسنا محط سخرية في أعين الأمم الأخرى).

المصادر والتوضيحات: 

1- كما يقول في القرآن المقدس في سورة المائدة آية 75 : (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة).

2- وهذا ما قالته للملك شارل : (أنت الملك وإذا فعلت ما سأقوله لك، فإن الإنجليز سوف يطردون من فرنسا ويعترف بك الجميع ملكا وهذه هي ارادة الله)

أخترنا لك
من هو ذبيح الفرات في الكتاب المقدس . الحلقة الأولى

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف