سؤال يؤسس لموضوع . هل نزلت التوراة دفعة واحدة ؟

2021/02/05

سؤال من القس مولود سطيح موصلي يقول فيه : في أحد بحوثك قلتي بأن التوراة لم تنزل دفعة واحدة بل نزلت على أكثر من عشرين نبيا محلّيا. فما هو دليلك على ذلك ؟

باختصار أقول : أن الكتاب المقدس بشقيه التوراة والأنجيل تمت كتابتهما على مدى أكثر من (1600) وهذا ما تقوله كل المراجع التاريخية اي أن كتابة كامل الكتاب المقدس بدأت سنة (1513) قبل الميلاد وأُكملت سنة (98) بعد الميلاد. وقد تعاون (40) رجلا لكتابته. وهذا يعني أن الإنجيل وحده فقط اكتملت كتابته بعد رحيل يسوع بأكثر من مائة عام وكلها تم كتابتها من الذاكرة وليس من الوحي مباشرة أو باملاء نبي.

الجواب : قداسة الأب (مولود) التوراة نزلت في بدايتها صفحتين على لوحي حجر نقشه موسى على جبل حوريب (جبل الدخان).(1) كتبها الرب باصبعه وهي التي كسرها موسى عندما وجد اليهود يعبدون العجل بعد غيابه لخمسين يوما.

وفي رواية أن الذي كتب الكلمات العشر على اللوحين هو الله خطهما باصبعه (2) وقد عمل موسى وهارون ووصيه يوشع بهذه الوصايا العشرة واضافوا عليهما بعض التشريعات وهي بضع وريقات ثم اطلق اليهود عليها فيما بعد (التوراة). (3) ، ولكن الله امر موسى في آخر أيامه أن يضع الوصايا (اللوحين) في صندوق ويقفل عليهما ويدفنهما في الجبل حتى إذا قام بنو إسرائيل بتحريف الوصايا سيأتي من يُخرج اللوحين ويعمل بهما في تطبيق العدالة الإلهية الصحيحة.(4) فقد كان موسى يخشى على التوراة من التحريف ، لأنه يعرفهم جيدا فقد غاب عنهم بضع أيام قاموا بصناعة وعبادة العجل فماذا سوف يصنعون بعد موته؟.

ثم مات موسى وبقي اليهود سنوات طويلة من دون شريعة ولا كتاب وهذا ما نعرفه من نص سفر أخبار الأيام الثاني 15: 3 (ولإسرائيل أيام كثيرة بلا إله حق وبلا كاهن معلم وبلا شريعة ). فقد كانت امة تائهة مشتتة على رؤوس الجبال واطراف الصحارى ضاع عزّها بعد أن اضاعت كتابها كما شهد النبي ميخا فيما بعد بقوله: (رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها). (5)

ثم انزل الرب انبياء وكتب على بني إسرائيل بين فترة وأخرى وكلما جائهم نبي بأشياء لاتعجبهم قتلوه حتى قتلوا آلاف الأنبياء لم تصلنا من كتبهم سوى (22) وهي التي لازالت موجودة في التوراة الحالية وهي الكتب التي نزلت بعد موسى وتم وضعها في التوراة الحالية مع أنها نزلت طيلة ألف سنة أو أكثر ، وهذه الكتب هي :
: (عزرا ، نحميا ، ايوب ، داود وجاء في المزامير ، سليمان ، أشعياء ، ارمياء ، حزقيال، دانيال، هوشع ، يوئيل، عاموس ، عوبديا ، يونان ــ يونس ــ ميخا ، حبقوق ، صفنيا ، حجي، زكريا ، ملاخي ، يشوع). وآخر سفر نزل هو ملاخي فاكتملت التوراة الحالية بعد الف سنة من رحيل موسى ، ولكن قبل مجيئ يسوع بمائة عام تم وضع (سفر يشوع بن سيراخ) ضمن التوراة فكل هؤلاء الانبياء وكتبهم جاؤوا بعد موسى طيلة هذه الألاف من السنين. ولا أحد يعرف السر في سبب بقاء هؤلاء الانبياء الـ (22) احياء وبقيت كتبهم فيما قتل اليهود البقية وهم بالآلاف واختفت كتبهم ايضا معهم.

فهل رأيت يا قداسة الأب كيف كان ذلك؟ وإلا اخبرني أنت يا قداسة الأب ، كيف حل كتاب يشوع بن سيراخ في التوراة واصبح فصلا منها وبينه وبين موسى اكثر من الف سنة؟

ونقرأ في التوراة الحالية يا جناب الأب اسماء الكثير من الأنبياء مع كتبهم الضائعة حيث لم نجد لها ولهم اي أثر إلى هذا اليوم مع أنه اسمائهم موجودة في التوراة ومنها على سبيل المثال : (كتاب اخبار سليمان النبي المدون في كتاب ناثان ، لا وجود له . وكتاب نبوة إخيّا الشيلوني ضاع ولا وجود له ، وكتاب يعدو الرائي الذي تنبأ فيه عن يربعام بن ناباط ايضا ضاع ولا وجود له، وكتاب حروب الرب بكامله ضاع وكذلك سفر ياشر ضاع والذي يذكر فيه حرب يوشع مع صافوراء حيث ذكر فيه بأن الشمس وقفت له إلى أن اكمل صلاته هو والجيش).

كل هذه الكتب ضاعت وهي جزء اساس من التوراة لا بل ان بعضها يُمثل حلقة في سلسلة مهمة ادى فقدانها إلى حصول خلل مروّع في حقبة تاريخية مهمة خصوصا فيما يتعلق بأخبار سليمان المدون في كتاب ناثان حيث ان سليمان نبي عالمي له شهرة واسعة وضياع كتابه يُعتبر كارثة حلت على حقبة تاريخية مهمة من التوراة.

والتوراة الحالية تتكون من أربع فصول هي كما يلي:
1- فصل الشريعة: وهي تبدأ من سفر التكوين وتنتهي بسفر التثنية وفيها احكام الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز.

2- فصل التاريخ: وهذا القسم يبدأ بسفر يشوع وينتهي بسفر أستير. وهو ما كتبته طبقة علماء السنهدريم العليا من تواريخهم ثم وضعوه في التوراة وبمرور الايام ذاب في التوراة واصبح مقدسا.

3- فصل الشعر: وهذا القسم يحتوى على الكتب الشعرية الخمسة وهي أيوب والمزامير ــ الزابورــ والأمثال والجامعة و نشيد الأنشاد وحكمة سليمان. وكلها قصائد شعرية كان يتهجد بها الانبياء وهي ليست من كلام الوحي تم ادراجها ضمن التوراة. المهم أنهم يُريدون أن يصنعوا توراة لهم بدلا من تلك التي اخفاها موسى.شلون يعني يبقون بلا توراة.

وأقول في هذا المجال:
كحاطب ليلِ البيد والظلام يلفهُ ـــ فلا يدري حطبٌ يجمع أم الافاعيا.

4- القصص : وهي تحكي قصص حصلت لأبناء طبقة الكهنة مثل سفر استير وهي (اللقيطة) هدسة أو هداسا المخادعة الغادرة عاهرة بني إسرائيل وربيبة مردخاي وهو السفر الأول والثاني (الملحق).(6)
والآن أريد جوابك يا قداسة الأب مولود .

المصادر والتوضيحات :
1- سفر الملوك الأول 8: 9 (قال لي الرب: انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين، واصعد إلي إلى الجبل فأكتب على اللوحين الكلمات العشر لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى هناك في حوريب). سفر التثنية 10: 1
2- سفر الخروج 31: 18(لوحي حجر مكتوبين بإصبع الله).

3- كان يُطلق عليها في البداية الشريعة ، ثم اطلق اليهود عليها اسفار موسى الخمسة ثم الوصية ثم الناموس.
4- سفر التثنية 31: 24 (فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها، أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلا: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم، ليكون هناك شاهدا عليكم. لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة. هوذا وأنا بعد حي معكم اليوم، قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحري بعد موتي!).
5- سفر الملوك الأول 22: 17.
6- اجمع المفسرون على قول واحد وهو : ( فقد إتسمت أستير بروح الطاعة والخضوع لمربيها مردخاي حتى بعد أن جلست كملكة على أعظم عرش في ذلك الحين). وهذا ما نراه واضحا في قول التوراة في سفر أستير 2: 20 (وكانت أستير تعمل حسب قول مردخاي كما كانت في تربيتها عنده). فكل ما قامت به أستير كتبه مردخاي في التوراة وافرد له فصلا فاصبح فيما بعد من كلام الوحي .
أخترنا لك
رؤيا دانيال حول المملكة التي لن تنقرض ابدا.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف