رسالة يسوع حول لحم الخنزير

2021/01/31

لربما حرم يسوع لحم الخنزير إما عتمادا على ما جاء في التوراة التي اقرّها ولم ينسخها كما نرى ذلك واضحا في إنجيل متى 5: 17 ((لا تظنوا أني جئتُ لأنقضَ الناموس. . ما جئت لأنقض بل لأكمل)). 

 

والناموس او التوراة صريحة وواضحة جدا في تحريم لحم الخنزير ولكل مشتقاته. فاكتفى يسوع بذلك حيث يقول الناموس كما في سفر التثنية 14: 8 (( والخنزير فهو نجسُ لكم. فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا)).

 

أو انه حرّمهُ في الانجيل ، ولكن النص ضاع بضياع الانجيل كله.

 

ولما دوّن التلاميذ سيرة يسوع ، لم يذكروا حلالا ولا حراما ابدا فلا (معاملات ولا عبادات ) ولذلك نرى الانجيل يخلو من اي ذكر للامور الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية ، بل حفل الانجيل فقط ببعض ما قام به يسوع وشاهده التلاميذ من اعمال. 

 

(هكذا قال يسوع ، هكذا فعل، أخرج شياطين . اولى معجزاته صناعة الخمر. اخذ حمارا وجلس عليه شفى بعض الامراض دعى على شجرة التين فيبست يسحبه الشيطان ليختبره . حتى أنه لم يعلمهم الصلاة ولا الصوم) باعتراف هذه الكتب نفسها كما نقرأ ذلك واضحا في إنجيل لوقا 11: 1 (( وإذ كان يُصلي في موضع، لمّا فرغ، قال واحدُ من تلاميذه: يارب علمنا أن نُصلي كما علُم يوحنا أيضا تلاميذه)). 

 

فإذا كان يسوع لم يُعلّم تلاميذه حتى الصلاة ، فهل يُعقل ان ينهاهم عن المحرمات الأخرى . ولذلك ترى انه لا شيء حرام في المسيحية. 

 

ولكن مع كل هذه الفوضى كنت اقلب الرأي دائما حول نص ورد في كل من إنجيل متى، لوقا ، مرقص . هذا النص عبارة عن رسالة وجهها يسوع إلى الناس حول خطورة لحم الخنزير وانه غير صالح للاكل لانه مأوى كل المفاسد التي لا تصلح أن يتناولها الانسان لانها تقوم بتخريب داخلي في شخصيته وتعطيل مروّع لغرائز الغير والشرف والشهامة ، ولكن هذه الرسالة مع الاسف لم يستطع التلاميذ نقلها كما هي بل ان صياغتها بالطريقة التي نقلها التلاميذ شوشت هذه الرسالة. 

 

ولذلك نرى نفس الرسالة نقلها مرقس لا كما نقلها متى ، وأما لوقا فقد خربط احوال الرسالة وجعلها غير صالحة للبحث ، ولكن بتجميع الانقاض المتبقية يظهر لنا من خلالها تفسيرا مفاده ان يسوع ترك رسالة مهمة حول حرمة ونجاسة لحم الخنزير وخطورته . 

 

سألت بعض الاباء المقدسين ، فلم اجد عندهم شيئا لا بل لم اجد لهم علما حتى أن بعضهم اكد لي بانه لم يخطر في باله ان يكون هذا النص له علاقة بتحريم لحم الخنزير، وان بحثي فيه فاجأ الكنيسة. 

 

ولكن الأب غسان أيوب روبير راعي كنيسة القوش ايد رأيي عندما قلت له : لماذا اختارت الارواح النجسة والشياطين ان تدخل في الخنازير ، ولم تختر الدخول في الاغنام والابقار او الحمير حيث كانت موجودة في المكان . هل هي رسالة من يسوع لنا علينا ان نفك رموزها ؟ 

 

فقال : تفسير منطقي جيد استمري فيه واعرضي النتائج علي لأراها. 

 

فماذا ورد في هذه الرسالة ؟ 

 

أولا تعال معي اخي القارئ لترى الاضطراب في النقل بين الاناجيل . 

متى في إنجيله يقول بأن الذي استقبل يسوع اثنين من المجانين كانا يسكنان في المقابر . 

في حين ان مرقس يقول أنه مجنون واحد خرج ليسوع من المقابر.

 

واما لوقا فقال انه مجنون واحد ولكنه خرج من المدينة وهو يعيش في القبور.

 

النص يقول كما في إنجيل متى 8 : 30 ((ولما جاء ـــ يسوع ـــ إلى كورة الجرجيسيين، استقبلهُ مجنونان خارجان من القبور هائجان جدا، حتى لم يكن أحدٌ يقدرُ أن يجتاز من تلك الطريق. صرخا قائلين : ما لنا ولك يا يسوع ابن الله ؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟ وكان بعيدا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا، فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير . فقال لهم امضوا. فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير ، وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر ومات في المياه)). 

طبعا المسيحية برمتها لا تستطيع ان تعطينا تفسيرا لتصرف الخنازير هذا ، لماذا انتحرت الخنازير والقت بنفسها في البحر بمجرد دخول الأرواح النجسة فيها ؟؟؟؟؟!!!!

 

اما في إنجيل مرقس فيقول بأن في هذا المجنون روح نجس كما في 5 : 2 ((استقبله من القبور انسان به روح نجس)).

 

مما تقدم نفهم ان يسوع ارسل رسالة إلى اتباعه مفادها أن اجساد الخنازير فيها قابلية استقبال (الشياطين ، والارواح النجسة الشريرة) ولربما هو رمز للبكتريا والفايروسات الخطيرة (1) لأن كلمة شياطين والجن تعني كل مستتر لا يُرى بالعين إما لكونه متناهي الصغر او لخاصية في ذاته. 

 

وأن الاشارة إلى أن الخنازير بعد أن دخلتها هذه الخبائث رمت نفسها بالبحر وانتحرت وماتت . هذا رمزُ إلى انه يجب رمي هذه اللحوم وعدم اكلها لما فيها من ضرر بالغ على جسم الانسان. 

ولذلك ترى ان الخنزير يقترن ذكره دائما بالاماكن النجسة الغير طاهرة والموحشة كما نرى ذلك في سفر إشعياء 65: 4 (( يجلس في القبور، ويبيتُ في المدافن. يأكلُ لحم الخنزير)). فجمع النص بين القبور والمدافن ولحم الخنزير. 

 

لقد كان المؤمنون الاولين ملتزمين جدا بالشريعة حتى لو عُذبوا العذاب الشديد فإنهم لا يقربون لحم الخنزير لانه محرم عليهم فكانوا يُفضلون الموت على اكل لحم الخنزير ، فكان الملوك يُعذبوهم بالمقارع والسياط ويلقونهم في الطواجن والقدور الحامية ويتم قطع لسان من لا يأكل لحم الخنزير ويُسلخ جلد رأسه وتُجدع أطرافه ويُقلى بالزيت وهو حي . (2)

 

فعلا بعد ان اتممت البحث ارسلته للاب غسان، الذي اجابني بعد حين بقوله: (( انا لا افتي بحرمته ولكني لا آكله بعد الآن)). 

 

المصادر والتوضيحات ــــــــــــــــ

 

1- في موقع الخدمة العربية للكرازة بالانجيل يقول القس قاسم إبراهيم في معرض رده على سؤال : هل ان لحم الخنزير يُسبب بعض الامراض فيقول : إن لحم الخنـزير يتأثر بالبكتريا، أي الجراثيم أسرع من غيره، فإنه يعطب قبل غيره من اللحوم. وعندها فإن تناوله يضرّ الصحة، وقد يسبب أحياناً بعض الأمراض الخطيرة. ، والمعروف أن أحد الأمراض الشائقة التي يسببها لحم الخنـزير المريض "هو التريشينويز" الذي يؤثر على الجهاز العصبي عند الإنسان، وقد تكون الإصابة به خطيرة إن لم يعالج جيداً.

 

2- انظر سفر المكابيين الثاني 7: 1 (( فأخذ الملك يُكرههم على تناول لحوم الخنزير المحرمة، ويُعذبهم بالمقارع والسياط. فانتدب أحدهم للكلام وقال: إنا لنختار أن نموت ولا نُخالف شريعة ــ الله ــ فحنق الملك وأمر بإحماء الطواجن والقدور، وان يُقطع لسان الذي تكلم ، ويُسلخ جلد راسه وتُجدع أطرافهُ امر بأن يؤخذ إلى النار وفيه رمق من الحياة ويُقلى)).

أخترنا لك
الحلقة الرابعة . مؤامرة عصر الدلو

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف