قلت له : يسوع لم يكن رجل حرب ابدا ولعل السبب قصر مدته التي قام
بالتبليغ فيها برسالته والتي لم يُفسح له المجال ان يُتممها فتركها
شوهاء عرجاء فصعد إلى ربه حاملا معه إنجيله تاركا الامة العاصية إلى
مصيرها بعد أن القى عليهم حجة مجيء (القديم الايام) النبي القادم من
تيماء ومعهُ إيليا.
قال نعم ما نقوليه صحيح ولكن الاباء حفظوا وصاياه واوصلوها
إلينا.
قلت له : لست بصدد مناقشة الوصايا التي اوصلها الاباء، لان الآباء
اوصلوا لنا خرافات لا يقبلها العقل . ولكني بصدد مناقشة نص ورد في
سفر الحكمة عن شخص سوف يقوم بوجه أعدائه حاملا سيفا ماضيا سوف
يُحارب به العالم كله ثم ينتصر يطلق عليه السفر لقب (الصدّيق) ويقول
عنه بأنه سوف يقلب عروش المقتدرين وأن علامة بغضه نفاق وببغضهم له
يكونوا من المرتدين . فمن هو يا ترى ؟ (1)
سكت وتأمل ثم قال : انه يسوع في مجيئه الثاني سوف يكون محاربا حاملا
سيفه لكي يفرض السلام على العالم.
قلت له : ولكن الكتاب المقدس لا يطلق على يسوع كلمة الصديق ابدا فمن
أين جئت بها انت ؟ علما ان الكتاب المقدس يطلق على أوصياء الانبياء
ومختاريهم بانهم صديقون. وقد قال سفر المزامير بان : ((الصديق يرث
الأرض ويسكنها إلى الأبد)). كما في المزامير 37:29
قال هكذا نفهم نحن النصوص.
قلت له وهل عندك مصدرا لذلك ؟
سكت .
تأملت في النص الذي ورد في سفر الحكمة وكأنه يحكي قصة شخصية مقدسة
ظلمها قومها فجلست طويلا ثم نهضت بالامر بقوة وجرأة عظيمة حتى أن
أعدائه يضطربون هذا الصديق جعل الرب حكومة العدل على يديه فكرمه بأن
جعلها في ابنه ولذلك نرى الوصف مشوشا بعض الشيء نظرا لتعاقب
الترجمات وتبدل الكلمات من ترجمة إلى أخرى ولكن بمقارنة النصوص
القديمة وارجاع الكلمات إلى اصلها يتضح النص.
يقول في سفر الحكمة 5 : 1 : (( حينئذ يقومُ الصديق بجرأة عظيمة في
وجوه الذي ضايقوه ، وجعلوا اتعابه باطله. فإذا رأوه يضطربون من شدة
الجزع، وينذهلون من خلاص لم يكونوا يظنونهُ، ويقولون في أنفسهم
نادمين، وهم ينوحون من ضيق صدورهم: هذا الذي كنا نتخذه سخرة .. لقد
ضللنا عن طريق الحق، ولم يضيء لنا نور الولاية ولم تشرق علينا
الشمس. فماذا نفعنا الكبرياء وماذا افادنا افتخار الاموال.وقد مضى
ذلك كله كالظل .. يتسلح بغيرته ويُسلح الخلق للانتقام من الأعداء.
يلبس البر درعا وحكم الحق خوذة، ويتخذ القداسة ترسا لا يقهر، ويُحدد
غضبه سيفا ماضيا، والعالم يُحارب معهُ الجهّال. فتنطلق صواعق البروق
وسخطه يرجمهم ببرد ضخم، ومياه البحار تستشيط عليهم، والانهار تلتقي
بطغيان شديد. وتثور عليهم ريحٌ شديدة زوبعة تذريهم، والإثم يدمر
جميع الأرض، والفجور يقلب عروش المقتدرين)).
ولكن الانانية التي يتمتع بها مترجموا الكتاب المقدس والآباء
المقدسين عندما لم يجدوا تفسيرا لهذه النبوءة ولم يعرفوا على من
نزلت ولماذا تفوه بها سليمان الحكيم ومن هذا الشخص الذي بغضه نفاق
وان ولده سيدمر عروش المقتدرين عمدوا إلى التشكيك في السفر كله
وزعموا ان كاتبه يهودي كما يقول قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف
الكتابية المسيحية حول تفسير كلمة ــ سفر الحكمة ــ
(( لفترة طويلة عُرف سفر الحكمة بإسم (سفر حكمة سليمان) وحتى القرن
الرابع الميلادي، حين استنتج جيروم (Jerome) بدراسته للفكر اليوناني
ولأسلوب هذا السفر، أن نبي الرب سليمان ليس هو الذي كتبه، ومن ثم
غير عنوان السفر إلى (سفر الحكمة) دون أن ينسبه إلى شخص معين.وبهذا
اثبت جيروم بأن هذا السفر على طوله هو سفر مجهول لا علاقة له
بالكتاب المقدس، ولكن الدكتور سمعان كهلون في كتابه (مرشد الطالبين
إلى الكتاب المقدس الثمين - طبعة بيروت 1937 ص303 و305) يقول: سفر
الحكمة على جانب عظيم من البلاغة وعمق المعانى الروحية وقد كُتِبَ
بأسلوب يدل على تضلع تام من اللغة اليونانية. ويرجح أن كاتبه يهودى
مصرى عاش بين عامى 15 و50 قبل الميلاد وكان متضلعاً من الفلسفة
اليونانية.
فمن اجل حرف النص عن معناه الأصلي يعمد علماء الكتاب المقدس إلى
الطعن في مصداقية هذا الكتاب فلا يهمهم ان يوصم كتابهم المقدس
بالتحريف مادام الغرض هو اخفاء الحقيقة عن الناس.
وصدق الكتاب المقدس حينما يقول في سفر المزامير 56: 5 (( اليوم كلهُ
يُحرفون كلامي. عليّ كل أفكارهم بالشر)). فلماذا تلوموا الاخرين إذا
اتهموا كتابكم بأنه محرف؟
المصادر والتوضيحات ــــــــــــــــــــ
1- هذا ما ورد في سفر الحكمة 3 : 10 حيث قال : (( أما المنافقون
فسينالهم العقاب ، إذ استهانوا بالصدّيق، وارتدوا عن الرب، رجاؤهم
باطل واتعابهم بلا ثمرة، وأعمالهم لا فائدة فيها. نساؤهم
سفيهات،وأولادهم أشرار ونسلهم ملعون)). بحثت عن هذا الصدّيق فلم اجد
من تنطبق عليه هذه المواصفاة سوى شخصية واحدة في الاسلام