وقفة مع الأرقام في الإنجيل . تاريخ ميلاد يسوع المسيح نموذجا

2021/01/20

 
قال متى في إنجيله الاصحاح 1 : 17 ((فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً)). 
هذا الولع بالارقام وتسلسلها العجيب لا أدري كيف تم ضبطه . ولنأخذ الفترة الواقعة بين سبي اليهود إلى بابل حتى ولادة يسوع المسيح والتي يزعم متى أنها (14) جيلا فكما هو معروف أن بداية سبي اليهود إلى بابل كان في سنة (607 ق.م) وهو عام دمار أورشليم. يعني أن ما بين السبي وولادة يسوع (607) سنين على قول التوراة. فهل يستقيم ذلك مع ما ذكره متى في إنجيله بأن بين يسوع والسبي اربعة عشر جيلا ؟؟ 
المؤاخذات على شجرة نسب يسوع التي ذكرها متى كثيرة جدا على ضوءها يصبح النص مضطربا وكأن أميّا جاهلا كتبه ناهيك عن الاختلاف المريع بين ما ذكره متى وما ذكره لوقا حيث الطفرات في الآباء وحذف بعض الاباء واضافة أبناء إلى اشخاص عقيمين.هذا اضافة إلى تجاهل إنجيلين وعدم ذكرهما لنسب نبيهما. 
بحثت عن السر في اختيار البشير متى للرقم (14) متجاهلا ان عدد آباء المسيح حسب التوراة يبلغ اكثر من عشرين جيلا ، فلماذا حذف متى اكثر من ستة آباء من شجرة يسوع ولماذا وقف عند الرقم (14) ؟ هذا مالم يعرفه احد في عالم المسيحية برمتها وإلى يوم القيامة. 
بعد أن يأست من العثور على حل لهذه المشكلة في جميع المصادر التي بحثت فيها، اتجهت إلى أحد الآباء المقدسين وطلبت منه تفسير لهذا الاشكال وبعد يومين نصحني ان اقرأ رأي القديس (أوريجينوس) (1) وارشدني إلى المصدر ، وفرحت لأني وجدت بين الآباء من يمتلك علما وذهبت وبحثت ولكن رجعت اكثر جهلا حيث أني لم افهم شيئا على الاطلاق من تفسير ((العلامة)) الذي يقول : ((قال العلامة أوريجينوس أن عدد المحطات التي توقّف عندها الشعب قديمًا من رعمسيس إلى الجانب الشرقي لنهر الأردن 42 محطة، تمثّل الأجيال التي ذكرها متّى البشير (3 حقبات ×14 جيلًا = 42)، وكأن الرحلة تمثّل عبور البشريّة كلها في برّيّة هذا العالم، لتنطلق من أرض العبوديّة وأسر فرعون الحقيقي، أي إبليس، والدخول إلى أرض الموعد حيث ننعم بمجد أولاد الله. مجيء السيّد من امرأة يقدّم لكل مؤمن إمكانيّة هذا العبور ليدخل به بالروح القدس إلى حضن الآب السماوي)) !!.(2)
حملت هذا النص إلى نفس الأب وعرضته عليه وقلت له ماذا تفهم من هذا النص ، فاخذ النص وتأمل فيه ثم قال : يا ابنتي نحن لسنا في مستوى عقل العلامة آوريجينوس المسدد من الروح القدس ؟! فقلت له : يعني العلامة آوريجينوس ينزل عليه الوحي؟ . قال : الروح القدس موجود والرب يعطيه لمن يشاء من خلقه. 
خرجت من عنده وانا اتعثر في مشيي ولا أعلم لماذا هل هو الخجل من ثقافة هؤلاء الآباء أم هي الخيبة والخذلان الذي يُصيبني في كل مرة اطلب فيها مساعدة الآباء المقدسين.
لا اقول شيئا من عندي بل سوف استعرض سلسلة نسب يسوع والاختلافات الواردة فيه حسبما موجود في الكتاب المقدس بشقيه القديم والجديد لترى كنيستنا المقدسة كم من الاجحاف اصاب الناس وكم من الظلم احاق بشخصية يسوع الوادع، وما ذنب هذه الناس التي تؤمن بالآباء المقدسين وتؤمن بشكل عجيب بقدسية الكتاب المقدس وعصمته من الاخطاء. 
كيف يكون نسب يسوع اربعة عشر جيلا وكاتب النص غفل عن ستة اجيال لم يذكرها في سلسلة نسب يسوع حيث قفز متى من يورام إلى اغزيا ونسى أن بين يورام واغزيا ثلاث أجيال وهم ( أخزيا ويوآش وأمصيا) وحذف ثلاث هم (ابيهود زربابل ريسيّا) والذي ورد ذكرهم في أخبار الأيام الأول 11:3، 12 فقال ((يورام ولد غُزيا)) والصحيح ان يقول يورام ولد اخزيا واخزيا ولد يواش ويواش ولد امصيا )) فهؤلاء سلسلة آباء مذكورين في نسب ملوك إسرائيل في سفر أخبار الايام حذفهم متى من شجرة يسوع لأنه لو ذكرهم لأصبح عدد الأجيال بين السبي ويسوع أكثر عشرين جيلا بينما يُفضّل متى أن يكون العدد (14) جيلا لسبب لا نعرفه.
ومن المصائب الكبرى التي لم يجد العالم المسيحي تفسيرا لها إلى هذا اليوم هي أن سلسلة نسب يسوع تذكر أن من بين آبائه (يكنيا الذي ولد شالئيل ) ولكن متى نسى أن يكنيا هذا كان ((عقيما)) لم يُنجب اولادا كما مذكور في سفر إرمياء 22 : 30 ((هكذا قال الرب اكتبوا هذا الرجل عقيما )) ولكن الأعجب من ذلك أن يأتي المفسر فيقول : ((وقد يكون ابنا يكنيا بالتبني فشألتئيل ابن منسوب لناثان بدل سليمان ولنيرى بدل يكنيا. وبذلك يستمر عقيمًا روحيًا وجسديًا حسب الآية)).(3) 
فمع أن المفسر يقول أن يكنيا استمر عقيما إلا أن له اولاد بالتبني خرج يسوع من نسلهم وهذا من أعجب الأعاجيب التي يتضح على ضوئها أن يسوع مجهول النسب لأنه ينتمي إلى أب ليس من صلب إبراهيم بل بالتبني . ولكن إذا نُسب يسوع إلى رجل عقيم عن طريق التبني، فبماذا نُبرر عملية حذف أب آخر من سلسلة آباء يسوع حيث ورد في سلسلة النسب أن شالئيل ولد زربابل . ولكن في سفر أخبار الأيام الأول الاصحاح 3 : 19 يقول : (( أن زربابل هو ابن فداي بن شالئيل)).
اهكذا تكون الامانة يا (متى) أم أن الوحي نسى ان لفداي ابن اسمه زربابل؟ فيقوم بقلب الأسماء وحذفها. 
ثم بماذا نُفسر اختلاف الإنجيل في نسب نبيه ؟ حيث جاء في إنجيل مَتَّى أن ((شألتئيل)) هو ابن ((يكينا)) . بينما يقول لوقا في إنجيله أن شالئيل ابن نيري. (4) 
وكذلك ورد في إنجيل متى أن يوسف هو ابن يعقوب ! . بينما ورد في إنجيل لوقا أن يوسف هو ابن هالي . (5)
وكذلك ورد في انجيل متى أن ((زبابل ولد أبيهود)) ولكن في لوقا يقول : ((أن زربابل ولد ريسيا وريسيا ولد يوحنا من دون ذكر أبيهود !. ولكن بالرجوع إلى سفر أخبار الأيام الأول نجد النص مغايرا حيث يقول : (( أن زبابل كان له ابنان ، مشلام وحنانيا)) . (6) فتاه يسوع بين هذه السلسلة من الآباء الغريبة العجيبة. 
طبعا يسوع ليس له آباء ، وهذا النسب هو من جهة الأم ؟؟!! 
هذه امثلة قليلة جدا من الاختلافات المريعة في نسب نبي أمة يبلغ عددها بالميارات وتملك من الوسائل العلمية ما تتفوق به على جميع الأمم ولكنها عاجزة عن وضع حلول لهذه الاختلافات وتركت الناس في حيص بيص. 
نأت إلى القسم الثاني وهو معرفة تفسير كلمة (جيل) فكم يبلغ الجيل الواحد في عرف الكتاب المقدس ومفسريه ؟ فعلى ضوء ذلك نعرف الفترة ما بين السبي ويسوع والتي وضعها متى في إنجيله مقياسا لبيان أن بين يسوع من السبي إلى يوم ولادته اربعة عشر جيلا . فكم سنة يبلغ الجيل وبشهادة الكتاب المقدس وجميع المفسرين. 
يقول متى في إنجيله : (( ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلا)) . 
ملاحظة قبل الدخول في البحث . أتمنى مراجعة بحث ((كذبة ينهار بسببها تاريخ أمة .سبي اليهود بين التوراة والمدونات التاريخية)) بجزئيه الأول والثاني فهناك دراسة حول تاريخ خراب اورشليم وسبي اليهود إلى بابل فكلا البحثين لهما علاقة بهذا الموضوع .وهما منشوران على صفحتي وعلى موقع كتابات في الميزان . 
إذن (متى) يزعم في إنجيله أن بين السبي وبين ميلاد يسوع أربعة عشر جيلا ! فكم سنة يبلغ الجيل ؟ 
يقول في سفر التكوين 15 : 13 (( فقال ــ الرب ــ لأبرام : اعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبا في أرض ليست لهم ، ويُستعبدون لهم . فيُذلونهم (أربع مئة سنة). وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا)) . 
يقول القس أنطونيوس فكري في شرح الكتاب المقدس تفسير مفردة (جيل) الواردة في النص المقدس أعلاه : (( في الجيل الرابع: ربما المقصود بالاجيال الأربعة هو 4×100: 400 سنة فيكون الجيل 100 سنة)).
ويقول الأب ( بنيامين بنكرتن) (7) في تفسيره لسفر متى سلسلة نسب المسيح : (( ان مفردة جيل جملة الناس العائشين معًا في وقت واحد أو مدة من الزمن تساوى مائة سنة كما في سفر التكوين 13:15 ـــ 16)).
اضافة إلى نصوص أخرى اعرضنا عنها خشية التطويل. 
إذن من كل ما تقدم ماذا تكون المحصلة ؟ 
متى يزعم أن بين السبي وولادة يسوع (14) جيلا . فإذا كان كل جيل مائة سنة بشهادة الكتاب المقدس نفسه وتفسير الآباء فيجب أن يكون بين السبي وولادة يسوع (1400) ألف واربعمائة سنة . 
ولكن الكتاب المقدس نفسه يقول بأن السبي حدث سنة (609) قبل ميلاد يسوع المسيح !! فكيف يستقيم ذلك مع الأربعة عشر جيلا والتي تُساوي (1400) سنة ؟؟ اي بفارق (791) سنة ؟!
سوف استعين بالحاسبة لعلي اكون مشتبهةٌ في ذلك . 
أربعة عشر جيلا تساوي (1400) سنة . 
السبي بدأ سنة (609). 
1400 – 609 = 791
فبماذا يعلل لنا لآباء المقدسين هذا الفرق الهائل في تاريخ ولادة يسوع المسيح تقريبا ثمانمائة سنة اضافة إلى الاختلافات الأخرى التي ذكرناها ؟؟؟ 
انتظر جوابهم . 
 
 
المصادر والتوضيحات ـــــــــــــــــــــ
1- العلاّمة أوريجينوس (أوريجانوس أدامانتيوس) شخصيته غامضة شعرت الكنيسة بخطورة تعاليمه فحرمته في حياته بينما الكنائس الخلقيدونية حرمته في أشخاص تابعيه سنة 553 م. وذلك لأنه زعم أن جميع المخلوقات العاقلة حتى الشياطين ستخلص من العقاب .لقب العلامة أوريجينوس بـالرجل الفولاذي إشارة إلى قوة حجته التي لا تقاوم وإلى مثابرته.
2- ارسل لي الأب هذا التفسير قائلا : بأنه لم يعثر على افضل من هذا التفسير وهو تفسير واضح ومقبول. وبعد البحث وجدت أن الأب استعان بالانترنت حيث استقى هذا الدليل من موقع تفسير الكتاب المقدس حيث اخذ من شرح القمص تادرس يعقوب ملطي تفسير إنجيل متى ، نسب الملك وميلاده.
3- أنظر تفسير القس انطونيوس فكري شرح وتفسير سفر أرمياء 22 . 
4- راجع إنجيل لوقا 27:3.
5- أنجيل لوقا الاصحاح 3 : 23 . 19. 
6- انظر إنجيل لوقا الاصحاح 3 : 27 . وكذلك سفر أخبار الأيام الأولى الاصحاح 3 : 19.حيث يقول النص : (وابنا زبابل مشلام وحنانيا وشلومية أختهم) . 
7- بنيامين بنكرتن قس أمريكي جاء إلى الشرق الأوسط واختار لبنان توفي في شهر مايو سنة 1890 في مدينة بيروت وهو في الثانية والخمسين من عمره.

201906170411131113

أخترنا لك
الجزء الثاني : خدع كونية حسب الطلب لإثارة الفوضى العارمة بين الناس

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف