إنجيل برنابا . هذا الكتاب المثير للجدل والذي يقرأه المسيحيون بالسر ويبكي بعضهم على ما جاء به من سرد حزين يقول فيه برنابا بأنه (شاهد وسمع) ذلك من فم المسيح الذي أمره ان يُدون ذلك وهو الذي قصده كتبة الاناجيل بقولهم : ((كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ)) إنجيل لوقا الاصحاح 1 : 2 . فكان ما دونه برنابا خطرا على القيصر واليهودية فطلبوه اشد الطلب فأخفى انجيله عن الناس . برنابا هذا لأنه حامل كلمة يسوع والأمين عليها عمد اليهود إلى محاصرته حصارا شديدا وجعلوا عليه رقيبا ماردا مرعبا ذلك هو شاول الطرسوسي الذي يقول عنه الكتاب المقدس سفر أعمال الرسل 9 : 1 ((أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلا على تلاميذ الرب . حتى إذا وجد أناسا من الطريق رجالا ونساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم )) وشاول هذا هو الذي قتل الشهيد اصطفانوس رضخا بالحجارة.وكان يسطوا على الكنيسة، ويدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن. سفر أعمال الرسل 8 : 3 . وكان الناس يرتعدون هلعا من مجرد ذكر اسمه حيث كان يقتلهم سلقا بالماء الحار. ولكن هذا المارد زعم فيما بعد أن يسوع المسيح ظهر له في الصحراء وطلب منه أن يكون رسوله للناس . ولذلك نرى أن الهدف الأول لشاول بولس كان برنابا حيث استحوذ عليه وحاصرة ولم يفارقه حتى اصبح برنابا قويا فاخذ يعترض على ما يقوله بولص من ربوبية المسيح ثم تشاجر معه وتركه كما في سفر أعمال الرسل 15 : 39 (فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر) حيث صرخ بوجه شاول : ماهكذا قال الرب يسوع . ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحدٌ يسمع بإسم (برنابا) هل اختفى طوعا مع إنجيله الحبيب ، هل قتله اليهود . لا أحد يدري. ومضت السنين حزينة كئيبة باكية تندب برنابا وإنجيله ، وظهرت اناجيل بالعشرات ولكن لما آيست الكنيسة العظمى من العثور على خبر برنابا وانجيله عمدت إلى وضع اكداس الأناجيل تحت الطاولة المقدسة ثم صلى الحبر الأعظم وطلب من الرب أن يرشده إلى إنجيل الرب الصحيح فقفزت الأناجيل الأربعة إلى فوق الطاولة . انظر كتاب معجزة الاناجيل للأب بيار ماريوس يوحنا تقديم القس لبيب أدهم بيضون طبع دار الكتاب المقدس بيروت طبعة سنة 1963.
وهكذا تم اعتماد هذه الاناجيل الأربعة واضافة رسائل بولس وكتب الرؤيا فيما بعد إليها.
لقد بقيت الكنيسة تقول ولسنين طويلة بأن إنجيل برنابا هو للراهب المرتد مارينو كتبه بعد أن اعتنق الإسلام وتسمى بإسم مصطفى العرندي وأنه ألفه في القرن (15) الميلادي ولكن ظهور نسخة باللغة السريانية في حكاري في تركيا في كهف بالقرب من أولودراي سنة 1984 اثار الرعب لدى كنيسة روما العظمى وبابا الفاتيكان حيث أثبتت الدراسات والاختبارات بأن هذه النسخة يعود تاريخها إلى زمن المسيح اي قبل ألفين عام أو أقل بقليل .
ومن المثير للتأمل جدا أن برنابا كان من تركيا حيث ولد في جزيرة قبرص وكان آخر ظهور له في قبرص مع مرقس من تركيا الحالية فلا عجب أن يتم العثور على إنجيله في هذه البقعة الحبيبة على قلبه حيث مسقط رأسه فلجأ إليها فارا من شاول بولس المرعب واليهود ، لكي يحتمي بأهله وعشيرته من بطش بولس . والإنجيل يؤيد هذا القول كما في سفر أعمال الرسل 4 :36 حيث يقول : (( برنابا الذي يُترجم ابن الواعظ، وهو لاوي قبرسي الجنس )) .
من بين كل الكلام الذي قيل عن إنجيل برنابا قمت أنا إيزابيل بمقارنة بين نسخة إنجيل برنابا التي عندي وكتب الاناجيل لكي احدد عمر نسخة انجيل برنابا . فاتخذت من المشاجرة التي حصلت بين بولس وبرنابا وسيلة للوصول إلى ذلك وذلك أن اسباب المشاجرة التي حصلت بينهما هي بسبب تعاليم بولس التي كان يُلقيها على الناس مثل : أن يسوع هو الرب او هو ابن الرب ، وكذلك موت وقيامة يسوع ، والغاء الختان . فراجعت نص برنابا فوجدت أن ذلك كله صحيح حيث ان برنابا كان يرفض بشدة بنوة المسيح وربوبيته وكذلك يرفض موت المسيح وقيامته ويؤكد على الختان ولذلك كان برنابا يأخذ المؤمنين الجدد ليختنهم ويقول بأن الكلب اطهر من غير المختون (برنابا2:22) ، بينما كان بولس يرفض ذلك لكي يضع علامة تميز بين اليهود واتباع المسيح الجدد لأمر ما في نفسه .
اضافة إلى ذلك فقد كانت أوقات الصلاة في الاناجيل وإنجيل برنابا واحدة في الاناجيل الاربعة وفي انجيل برنابا . فقد قام المسيح للصلاة في الفجر ، وصلى عند الظهيرة ، وصلى عند العشاء . ثم كان يُصلي تطوعا في جوف الليل وهذه الصلاة ليس لها علاقة بالصلوات الثلاث المذكورة لأن الكتاب المقدس يقول ان يسوع كان يُصلي وتلاميذه نيام. اما في إنجيل برنابا فقد كانت هذه الأوقات نفسها وهي كالتالي . صلاة الفجر (برنابا20:89، 1:106)، صلاة الظهيرة (برنابا1:105، 1:156)، صلاة العشاء (برنابا1:61- 3) .
وهذه الصلوات الثلاث أيضا تُبطل دعوى من يقول بأن كاتب إنجيل برنابا مسلم اسباني حيث أن أسبانيا في عهد المسلمين كانت سنية المذاهب وهي تصلي خمس اوقات في اليوم وليس ثلاث، الشيعة فقط هم الذين يصلون في ثلاث أوقات ولم يكن في اسبانيا شيعة حتى سقوطها.
بعد هذه المقدمة الموجزة عن إنجيل برنابا أود أن أشير إلى نقطة جدا مهمة وهي تدل دلالة واضحة على النفس البشري في تأليف الأناجيل المقدسة الحالية .وهي أن كل الأناجيل الحالية التي نُسبت إلى السيد المسيح تخلو من اشارة ولو يسيرة إلى قضية خلق الإنسان وكأن السيد المسيح غير معني بهذا الحدث العظيم الذي خُلقت من أجله السماوات والأرض والجنة والنار. والسبب في هذه التجاهل هو أن كتبة الأناجيل ابعدوا وحذفوا قضية خلق آدم من الكتاب المقدس لكي لا تُشوش على نظرية نزول الرب من عليائه إلى رحم امرأة يهودية ثم يولد منها ابنا بشريا لكي يغفر خطايا الناس التي ورثوها من أبيهم آدم . فقط ذكروا بأن الخطية الأولى التي ارتكبها آدم هي التي دفعت الإله أن ينزل ويتجسد ، أو أن يبعث ابنه الوحيد لكي يقتله كضحية عن الخطايا التي ورثوها عن أبيهم آدم . أما خلق آدم واسباب خلقه وكيفية خلق زوجته . فلا تورد لها الاناجيل اي ذكر. فقط بولس ذكر كلمة مقتضبة عن آدم متأثرا بعقيدته اليهودية فقال كما في رسالته إلى تيموثاوس 2 : 13 : (( لأن آدم جُبل أولا ثم حواء)) ثم يذكر بكلمات مشوشة مسألة خطية آدم ومن دون معنى اطلاق كما في قوله مثلا في رسالته إلى أهل رومية 5 : 12 (( من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية للعالم، والخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس ، إذ اخطأ الجميع )) ويقصد بإنسان واحد ،حواء زوجة آدم.
عند حيرتي من عدم ذكر قصة خلق الانسان في الكتاب المقدس وعدم معرفة سبب ذلك لجأت إلى الآباء المقدسين ولكن كالعادة منهم من نصحني بترك هذه المسائل ومنهم من زجرني ومنهم من رمى الكتاب بوجهي وأحدهم مزق إنجيل برنابا فثارت ثائرتي وصفعته على وجهه فتبسم الذئب وأدار لي الخد الثاني في اشارة منه إلى أخلاق المسيح بعدم الرد على المرأة لأنها سفيهة. وبعد جهد عثرت على القس السويدي شوبرج وهو من المتأثرين بأفكار الداعية أحمد ديدات واجرى مناظرة كبرى معه انهزم فيها شر هزيمة لا يزال يتذكرها بمرارة . عرضت عليه النص المترجم من إنجيل برنابا حول خلق آدم وقلت له : لماذا يا قداسة القس شوبرج لم يذكر الانجيل قصة خلق آدم على أهميتها . فقال : نحن لا نعرف السبب فهناك ثغرات كثيرة في الاناجيل ولكن لعل الرب يسوع اكتفى بما أورده العهد القديم من قصة خلق آدم فلم يرغب بالتكرار ! فقلت له : ولكن يسوع تكلم أيضا عن خلق الجنة والنار وغيرها والعهد القديم ايضا تكلم عن الجنة والنار . فلماذا كرر يسوع هنا ذلك . فقال لا أدري ! فقلت له وما هو رأيك بقصة خلق آدم وحواء في إنجيل برنابا ؟ قال شيء عجيب اقرأه لأول مرة وهو سرد جميل جدا يدل على أن مصدره مقدس .
فما هي قصة خلق آدم وحواء في إنجيل برنابا ؟
تعال معي إلى الحلقة الثانية لتعرف كيف خلق ابونا وامنا الأولين.