نعتقد اعتقادا راسخا لا يعتريه زيغ او هوى بأنّ الله تعالى لا
يخلف وعداً اوعده لخلقه او عهدا قطعه على نفسه، وقد اثبت علم الكلام
بان الله تعالى مستجمع لكل كمال فهو منزه عن النقص، فخلف الوعد صفة
مذمومة ولا تمت للكمال بصلة، والوفاء بها صدق، قال تعالى: {وَلَقَدْ
صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [آل عمران : 152].
ويمكن ان نقسّم تلك الوعود التي قطعها
الله في القران الكريم من حيث انجازها والايفاء بها الى قسمين، هما
وعد ينجزّه في الاخرة، ووعد ينجزّه في الحياة الدنيا.
الاول: الوعود التي تتعلق بالآخرة هو وعده للمؤمنين بالجنة وغيرها،
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة : 9]،
وعلى اساسه يعمل العاملون ويثاب المحسنين، وبعكسه يلزم منه العبث في
الخلق والعبث بدوره خلاف الحكمة لذلك من الممتنع عقلا مخالفة هذا
الوعد الله تعالى، وهذا ما يطلبه المؤمنين من الرب، وقد اشار له
القران الكريم في موطن كثيرة، قال تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا
وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران : 194].
والثاني: الوعود التي تتعلق بالدنيا هو
وعده للمؤمنين بخلافة الارض في نهاية المطاف، قال تعالى: {وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ
بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : 55]، يعلق
الماوردي (ت 450ه) في تفسيره النكت والعيون (يعني دين الإِسلام
وتمكينه أن يظهره على كل دين)، كما ان السنة المطهرة تزخر بالتاكيد
على هذا الوعد، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سليم
عن المقدام بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(لاَ يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ بَيْتُ حَجَرٍ وَلاَ مَدَرٍ وَلاَ
وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسْلاَمِ بِعزٍّ
عَزِيزٍ أَوْ ذُلٍّ ذَلِيلٍ، إما يعزهم فيجعلهم من أهلها، وإما
يذلهم فيدينون لها) وبطبيعة الحال ان الدين الاسلامي لم يسود
الاديان الاخر، ولم يصل الى القريب فضلا عن البعيد اذن لا مناص ولا
محال من تحقيقه لانه وعد الله، وهذا الوعد لا يتحقق الا بقيادة ارجح
الناس عقلا واحسنهم ايمانا واحوطهم دينا واخوفهم لله من سائر خلقه،
وهذا غير متحقق الا بمهدي ال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لانه
المصداق الحقيقي لنور الله تعالى الذي يستضاء به العالم باسره، فقد
ورد في زيارته الشريفة (نورُكَ المُتَأَلِّقُ وَضِياؤُكَ المُشْرِقُ
وَالعَلَمُ النُّورُ فِي طَخْياء الدَيْجُورِ، الغائِبُ
المَسْتُورُ)، وهذا النور الذي ذكره الله تعالى في القران الكريم
قال عز من قائل: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْكَافِرُونَ} [الصف : 8].
وختاما على الرغم من توالي الاعوام
وتسابق الايام يبقى الامل المنشود تسلى به جراح المستضعفين في هذا
العالم الذي ضاعت فيه الحقوق وهتكت فيه الحرمات وازهقت فيه النفوس،
وقد عجّ بكل الوان الظلم والعلو والاستكبار، يبقى الامل المرتقب
للوعد الالهي الذي قطعه الله على نفسه بان يستخلف من هو احق
بالخلافة مهما طالت الدهور وتعاقبت الازمان ليعم السلام والانسانية
، وقد صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (لو لم يبق
من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهلي
يواطىء اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجور)، وما
ذلك الا تصديقا لوعد الله الذي لا يخلفه.
د . احمد حسن السعيدي