التأصيل الكلامي لنظام الحكم في الفكر الاسلامي (ولاية الامام المتغلب انموذجا)

2020/01/22

- التأصيل الكلامي لنظام الحكم في الفكر الاسلامي (ولاية الامام المتغلب انموذجا)

- اسم الباحث: المدرس المساعد: أحمد حسن قاسم.

الاطار العام لإمامة المتغلّب وأدلته الشرعية.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وعلى اله الطاهرين، وبعد.

يسلّط البحث الضوء على أصل إمامة الخليفة المتغلّب بالسيف واستعمال القوة في إثبات شرعيته في الحكم، وهذا الشكل من الحكم هو المفهوم الساد في المجتمع الإسلامي بعد العصر الراشدي للخلفاء الأربعة، فتحوّلت الخلافة إلى مملكات تحكم باسم (خلافة النَّبِيّ) وهذا ما أشار له ابن خلدون قائلاً: (انقلبت الخلافة إلى المُلك.. صار الأمر إلى المُلك...ولم يظهر التغّير إلا في الوازع الذّي كان ديناً ثم انقلب عصبية وسيفاً...ذهبت معاني الخلافة ولم يبقَ إلا اسمها، وصار الأمرُ ملكاً بحتاً، وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها، واستعملت في أغراضها من القهر والتقّلب في الشهوات والملاذ...ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب عصبية العرب وفناء جيلهم وتلاشي أحوالهم، وبقيَ الأمرُ ملكاً بحتاً كما كان الشأن في ملوك العجم بالمشرق يدينون بطاعة الخليفة تبركاً، والمَلِك بجميع ألقابه ومناحيه لهم، وليس للخليفة منه شيء)[1]. ومما لا شك فيه التمسك في السلطة وحصرها في أفراد يتوارثوها جيل بعد جيلاً بسطوة السيف والقهر؛ ينافي روح الإسلام التي جاء بها النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وسار عليها أئمة الهدى من بعده. أحاول ما استطعت بيان هذا الشكل من الحكم الذّي استمر لقرون من الزمن في الفكر الإسلامي واصبح من المسلمات بسبب غياب الطريق الناجع في تداول امر الخلافة وهو (الشّورى). وسوف أقسم المبحث الأول على مطلبين: أحدهما: أبحث فيه أصل هذا النوع من الحُكم وكيف نشأ في الإسلام. والثاني: التنظير الشرعي والفكري لمفهوم الغلبة وأدلته الشرعية التي طروحها في هذا السياق.

المطلب الأول: التأصيل العام لمفهوم الإمام المتغلّب بالسيف.

انتهت الخلافة الراشدة باغتيال الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في مسجد الكوفة أغتاله الخوارج عام (40ه)، وقد بايع الناس ولده الإمام الحسن سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم تدم خلافته إلا ستة أشهر بسبب اضطراب الوضع السياسي بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في الشام، فحدث ما حدث من مجريات، فآل الأمر في نهاية المطاف إلى معاوية على وفق معاهدة عُقِدت بينهما. فعَدّ معاويةُ في عهده ابنه يزيد لتنسمّ منصب الحُكم وقيادة الأمة بعده،[2] ثم أعقبه ابنه معاوية فتحّولت خلافة المسلمين إلى مُلك عضوض، وهذا ما انبأ به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (إنّ الله بدأ هذا الأمر نبّوة ورحمةً وكائنا خلافة ورحمة وكائنا مُلكاً عضوضاً، وكائناً عتوة وجبرية وفسادا في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله عزّ وجلّ)[3].

انحصرت الخلافة في بني أمية وحدهم بعد العصر الراشدي – بعدما أجهزوا على كل ثائر بوجهم- حتى صارت الخلافة ملكا بالواقع، عن طريق وقع السيف، والتهديد أفعل في النفوس من الإيمان، والخوف أطفأ لأي غضبة الحق، وصارت الخلافة، من هذا الوقت، ملكا يورث، ولو لفاسق، وارثا يملك ولو لظالم، وضيعة تُوهب ولو لمُفسد، ولم يعد لجماعة المسلمين في أمر الخلافة كلمة نظرياً، أو رأى إلا ادعاء، أو اعتراض إلا رياء[4].

ويشهد تاريخ الخلافة الاموية –بحسب ما يرى جميع المؤرخين- أنّها خلافة دنيوية وملكاً قحاً وسلطاناً صرفاً، ولم يكن لها من الدين إلا المظهر ولا من الشريعة إلا القشور. اما الخلفاء الامويون كانوا رجال دنيا وساسة مُلك، وكانوا الغالب منهم فسقة، وفي الأغلب ظلمة[5].

ومما يؤيد هذا، امثلة من افعال اولئك الخلفاء الذّين كان حكمهم دنيوياً بحتاً، وهم أبعد عن أمر خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهج الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم) الذّي اتسم حكمهم بالتقوى والورع والزهد ومشاورة أهل الشّورى في حكمهم، إذ أُقيم حكم بني أمية على القوة وغلبة السيف، فحكموا الناس بالنار والحديد والقهر على الطاعة، متبوأين خلافة ومنصب الإمام الشرعي الذّي تجب طاعته.

اولا: يزيد بن معاوية بن ابي سفيان. (60-64ه).

أذكر بعض ما قاله الأعلام في ترجمة يزيد بن معاوية ورأيهم في شخصه .

قال أبو بكر البلاذري: (ت 279ه): (كان يزيد بن معاوية أوَّل من أظهر شرب الشراب، والاستهتار بالغناء والصيد ، واتّخاذ القيان والغلمان، والتفكُّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة...)[6].

واضاف ابو الفرج الاصفهاني (ت 356ه) رأيه فيه قائلاً:  (كان يزيد بن معاوية أوَّل من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء، وآوى المغنين، وأظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه والأخطل، وكان يأتيه من المغنين سائب خاثر فيقيم عنده، فيخلع عليه ويصله...)[7].

فالعجب كلّ العجب اذا كان ممن يتبوأ خلافة المسلمين وإمامتهم بهذا الحال!!، فما يكون حال المأتمين به، والقائلون بشرعيته، ولعل هذا السبب الرئيس الذّي دعا بسبط رسول الله الإمام الحسين (عليه السلام) بأنّ يثور ضده، وهذا ما صرّح به عندما طلب منه الوليد مبايعة يزيد فقال (عليه السلام): (...ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور. مثلي لا يبايع مثله). والسبب ذاته الذّي جعل عبد الله بن الزبير يرفض مبايعة يزيد، يقول الدكتور الصلابي: (كان مقصد ابن الزبير... هو تغيير الواقع بالسيف لما رأوا تحّول الخلافة إلى وراثة ومُلك، ولما أشيع حول يزيد من شائعات أعطت صورة سيئة للخليفة الأموي في دمشق والذّي ينبغي أن يفهم أن ابن الزبير قام لله ... لقد كان رضي الله عنه يهدف من وراء المعارضة أن تعود الأمة إلى حياة الشّورى ويتولى الأمة حينئذ أفضله)[8]، افضى كلا من هذين الموقفين إلى أمرين عظيمين ارتكابهما يزيد بن معاوية ابن حكمه هما:

الأمر الأول: قُتل الإمامُ الحسينُ بن علي سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) سنة (61ه) بقيادة عمر بن سعد بن أبي الوقاص، وقد حُمل راسه الشريف على حربة من كربلاء؛ أرض مقتله إلى الكوفة حيث مقرّ عبيد الله بن زياد بن أبيه واليها آنذاك، ثم دمشق مقرّ يزيد حاضرة الدّولة الأموية، كما حملوا عيال الإمام الحسين (عليه السلام) سبايا مقيدين وبُعثوا بهم كهدايا إلى يزيد.

والأمر الثاني: ضَرْب مكة المكرمة بالمنجنيق، وحرقها بقيادة الحصين بن النمير سنة (63ه) بغية إرغام عبد الله بن الزبير على مبايعة زيد وإدخاله في طاعته، يقول ابن حجر (ت 852ه)، بهذا الشأن: (سارت الجيوش الى مكة لقتال ابن الزبير، فحاصروه بمكة وأحرقت الكعبة بعد أنْ رُميت بالمنجنيق)[9].

وقد تخلل هذين الأمرين أمرا آخرا، لا يقل بشاعة عنهما هو: استباحة مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقيادة مسلم بن عقبة لثلاثة أيام، وهي ما تُعرف بواقعة (الحَرّة)[10]، عام (62ه). وقد روى الإمام البخاري عن سعد بن المسيب قائلا: (...ثم وقعت الفتنة الثانية - يعنى الحرة - فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا...)[11]. وأضاف العصامي بشيء (ت 1111ه) بشيء من التفصيل قائلا: (مأساة ما حدث في تلك الواقعة: (وقتل في ذلك اليوم من وجوه المهاجرين والأنصار ألف وسبعمائة رجل. وقَيل: من أخلاط الناس عشرة آلاف، سوى النساء والصبيان، ونهبوا وأفسدوا، واستحلوا الحرم، وعُطلت الصلوات في مسجده – أي مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يبقَ في المسجد إلا سعيد بن المسيب جعل نفسه ولهاناً خبلا، فتركوه...)[12].

ثانيا: عبد الملك بن مروان بن الحكم (65-86ه).

عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص (ت 86ه)، (الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية) كان أشهر فقهاء المدينة في عصره، يذكر في ذلك مع ثلاثة آخرين هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقُبيصة بن ذؤيب، ولما تسّنم مقاليد الخلافة وأفضى إليه أمرها، كان المصحف في حجره فأطبقه، وقال: (هذا آخر العهد بك)[13]، فهذا الفقيه الشهير والإمام المستنير تحّول تحولاً كبيراً، فقد ظهرت له شخصية تختلف تماماً عن الشخصية قبل التصدي لأمر خلافة الأمة، وبدت له نفسية مغايرة تطلب الدنيا بكلّ قوة، وهذا مما لا نجده في شخصية الخلفاء الراشدين أبداً بل كانوا يشفقون من حمل هذه المسؤولية العظيمة، فعن الإمام علي (عليه السلام) عندما وصل إليه أمر الخلافة قال: (أما والذّي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود ناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز)[14].

قال السيوطي (ت 911ه): (بُويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير، فلم تصح خلافته وبقي متغلباً على مصر والشام، ثم غلب على العراق وما والاها إلى أنْ قُتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين فصحّت خلافته من يومئذ واستوثق له الأمر)[15].

وبعد الإجهاز على ند الدّولة الاموية عبد الله بن الزبير (73ه) حج عبد الملك بن مروان إلى مكة، فخطب في الناس قائلاً: (أما بعد فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من المال ويؤكلون وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف ولست بالخليفة المستضعف -يعني عثمان- ولا الخليفة المداهن -يعني معاوية- ولا الخليفة المأبون -يعني يزيد بن معاوية- أيّها الناس إنّما يُحتمل لكم كل اللغوبة ما لم يكن عقد راية أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقه وحقه وقرابته قرابته، قال: برأسه هكذا فقلنا بسيفنا هكذا وإن الجامعة[16] التي خلعها من عنقه عندي، وقد اعطيت الله عهدا إلا أضعها في عنق أحدٍ إلا أخرجها الصعداء فليبلغ الشاهد الغائب)[17].

ومن جملة ما تحدث به عبد الملك أيضاً ما رواه الصفدي (ت 764ه): قال: (والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه!)[18]. وعندما داهمته المنية أوصى ابنه وخليفته الوليد بن عبد الملك قال: (إذا أنا متُّ فشمّر وائتزر والبس جلد النمر وضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه ومن سكت مات بدائه)[19]. أين هذا الخلق عن خلق الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما دنت منه المنية وطُلب منه استخلاف ابنه عبد الله فقيل له: (فلو أنك عهدتَ إلى عبد اللّه فإنه له أهلٌ في دينه وفَضله وقديم إسلامه. قال: بِحَسْب آل الخطَّاب أن يُحاسَب منهم رجلٌ واحد عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولوددتُ أني نجوتُ من هذا الأمر كَفافاً لا لي ولا علي)[20]. فكان الخلفاء الراشدون يجسدون قولاً وفعلاً هذا المنصب الخطير مشفقين انفسهم عن الوقوع فيما لا يحلّ لهم، ولم يجعلوه مُلكاً أو ورثاً أو يسلطون من هو لا يخاف الله في الناس ولا يراعي لهم حرمة.

يقول السيوطي: (لو لم يكن من مساوئ عبد الملك إلا الحجاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة رضي الله عنهم يهينهم ويذلهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يحصى فضلاً عن غيرهم وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة ختماً يريد بذلك ذلّهم فلا رحمه الله ولا عفا عنه)[21].

ثالثا: الوليد بن يزيد عبد الملك (125-126ه).

الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن العاص (ت 126ه)، كانت خلافته سنة وثلاثة أشهر، كان فاسقاً متهتكاً مولعاً بالشرب والغناء جباراً عنيداً، لقب بالبيطار وخليع بني مروان والفاتك والزنديق.

قال الدميري (ت 808ه): (انهمك وليد في شربه الخمر ولذّاته، ورفض الآخرة وراء ظهره، وأقبل على القصف واللّهو والتلنذ مع الندماء والمغنين، وكان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشي بالدّف، وكان قد انتهك محارم الله تَعالى، حتى قيل له الفاسق... لم يكن في بني أمية أكثر إدماناً للشراب والسماع، ولا أشد مجوناً وتهتكاً واستخفافاً بأمر الأمة من الوليد بن يزيد)[22].

يقول الكتبي (ت 764ه): (كان الوليد قد انتهك محارم الله تَعالى، فرماه الناس بالحجارة، فدخل القصر وأغلقه، فأحاطوا به وقالوا لم ننقم عليك في أنفسنا شيئاً، لكن ننقم عليك انتهاك ما حرَّم الله تَعالى، وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله تَعالى، فقال: حسبكم قد أكثرتم، ودخل الدار وأخذ المصحف، وقال: يوم كيوم عثمان، وفتح المصحف يقرأ، فتسّوروا عليه، وضربه عبد السلام اللخمي على رأسه، وضربه آخر على وجهه فتلف، وجروه وحزوا رأسه وأتي يزيد الناقص بالرأس فسجد، ...ولم يصح عنه كفر، لكنه اشتغل بالخمر واللياطة!، فخرجوا عليه لذلك)[23].

لست في معرض ترجمة خليفة المسلمين الوليد بن يزيد بقدر بيان مدى تجرؤه على الله سبحانه وتَعالى ورسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والاستخفاف بالمسلمين بأنّه يرتكب الموبقات والكبائر ويجلس على عرش الخلافة ويوئم الناس للصلاة ويعظهم ويسمى بعد ذلك أميراً للمؤمنين، أي استخفافٍ وأي جراءةٍ ارتكبها هؤلاء بحق الأمة التي اخرجها الله من الجاهلية وغياهب الظلمات واشرق عليها النور بالإسلام وقال تَعالى عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[24]، أي خير في أمة يحكمها سكير خمار زانٍ لوّاط!.

ولم يكتف الوليد بهذه التصرفات القبيحة بل زادها حين تفاءل بالقرآن الكريم، فخرجت له هذه الآية قال تَعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}[25]، فدعا بالمصحف فنصبه غَرَضاً للنشّاب، وأقبل يرميه وهو يقول[26]:

أ توعد كل جبار عنيد     فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر     فقل يا ربّ مزقني الوليد[27]

يقول الماوردي: (450ه): (فلم يلبث إلا أياما حتى قُتل شرّ قتلة، وصلب رأسه على قصره، ثم على سور بلده. فنعوذ بالله من البغي ومصارعه ، والشيطان ومكائده ، وهو حسبنا وعليه توكلنا)[28].

فالسؤال الذّي يُطرح إذا كان إمام المسلمين لا يرعى حرمة لدستوره (القرآن الكريم)، فبماذا يحكم هذا الخليفة المزعوم؟ وعند إمامته للمسلمين في الصلاة ماذا يقرأ لهم؟ وهل توجد حُرمة لمسلم عنده بعد هذا الفعل؟ وما يثير العجب بأنّ جملة من العلماء والباحثين يسمون هذه الأمثلة المذكورة خلفاء رسول الله، وهم أبعد ما يكون عن منهج الخلافة.

إنّ أول من أسس هذه المملكة في الإسلام هو معاوية بن أبي سفيان فقد أخذ البيعة لابنه يزيد في حياته، ولم يتبع منهج الخلفاء الراشدين في تداولهم لأمر الخلافة، وهي الشّورى واستشارة أهل الحلّ والعقد من الأمة، وهذا ما ذكره الإمام حسن البصري(ت110ه) في قوله: (أربع خصال كُنّ في معاوية، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة. انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه بعده ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير...)[29].

ذكرتُ مسبقاً بأنّ الشّورى هي الرادع الوحيد للاستبداد السياسي، فالوراثة في الحكم والملوكية ليس من الإسلام بشيء ولا تمتّ لما جاء به النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيّ صلة، ومن هنا أصبحت لغة السيف وقهر الناس على الطاعة باسم الخلافة والدين أمراً سائداً في المجتمع الإسلامي، لاستمرار الدّولة الاموية لما يقارب قرناً كاملاً، ثم دولة بني العباس خمسة قرون ونيف، فكرسوا في أذهان الناس بأنّ الحَكم الإسلامي حكمٌ وراثي وحاكم هو ظل الله في الارض وكلّ من يعارضه أو يثور ضده، فهو (خارجي) أي خارج عن الدين الإسلامي؛ لأنّ الحاكم هو إمام هدى، وإنْ كان حاله كحال يزيد بن معاوية أو الوليد الذّي مزق القرآن الكريم نهاراً جهاراً.

المطلب الثاني: التنظير الشرعي والفكري لإمامة المتغلّب وأدلته.

حفلت كتب المسلمين بالتنظير لشرعية امامة المتغلّب بالسيف، وأنّه إمام شرعي، بل تعدّ الغلبة بالقهر إحدى الطرق الشرعية التي تنعقد فيها الإمامة، وذهبوا إلى اكثر من ذلك، إذ قالوا بحرمة كلّ من خرج على ذلك الإمام القاهر على طاعة الناس بالنار والحديد، وأصبح هذا الأمر أمراً مشاعاً مستساغاً بين المسلمين لأسباب يأتي بيانها. وتتالت المملكات واحدة تلوى الأخرى بقوة السيف وعدوهم أئمة شرعيين، يقول الدكتور حاكم المطيري: (نظرية الاستيلاء بالقوة، وهي الطريقة التي أجازها ما أجازها اضطراراً ومراعاة للمصلحة، فإذا هي تصبح أصلا للوصول إلى السلطة مدة الف وثلاثمئة وخمسين سنة)[30]، سأسلط الضوء في هذا المبحث على أهم ما جاء من التنظير الشرعي والفكري لمسألة شرعية الإمام المتغلّب في الفكر الإسلامي ذاكراً أهم الأدلة التي استندوا إليها في هذا التنظير.

واذكر بعض ما جاء في التراث الإسلامي عن أئمة المذاهب  والعلماء الأعلام لما افادوه في شرعية المتغلّب بالسيف، والتنظير السياسي له.

-      الإمام مالك بن أنس (ت 179ه).

قال يحيى بن يحيى –من أصحاب الإمام مالك- حين سُئِل: البيعة مكروهة؟ قال: لا.

فقيل له: وإنْ كانوا أئمة جور؟.

فقال: (قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ الملك. أخبرني بذلك مالك عنه: أنّه كتب إليه، وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه)[31]. وما يؤيد قول الإمام مالك ما ذكره ابن سعد (ت 230ه)، في طبقاته نقلا عمّا قاله عبد الله بن عمر: (نحن مع من غلب)[32]. وقال أيضاً: ( لا أقاتل في فتنة وأصلي وراء من غلب)[33].

-      الإمام الشافعي (ت 204ه)

ما رواه البيهقي (ت458ه)، بسنده عن حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: (كلّ من غلب على الخلافة بالسيف حتى سُمّي خليفة، ويجمع الناس عليه فهو خليفة)[34]. ومما لا شك فيه القصد من قوله (فهو خليفة) الخليفة الشرعي الذّي تجب طاعته على المسلمين.

-      الإمام أحمد بن حنبل (ت 242ه)

ما نقله القاضي أبو يعلى الحنبلي: (ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمّي أمير المؤمنين لا يحلّ لأحد يؤمن بالله أنْ يبيت ولا يراه عليه إماماً عادلاً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين)[35].

-      الإمام أبو زكريا النووي (ت 631ه)

(وأما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء فإذا مات الإمام فتصدّى للإمامة مَنْ جَمَعَ شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإنْ لم يكن جامعاً للشرائط بأنْ كانَ فاسقاً أو جاهلاً فوجهان أصحهما انعقادها لما ذكرناه وإنْ كانَ عاصياً بفعله)[36].

والطاعة في منطوق كلامهم تستلزم عدم الخروج على الخليفة المتغلّب بقوة سيف، والوقوف بوجهه بأيّ حال، وهذا ما حدى بفقهاء المسلمين بإفتاء حرمة الخروج على الخليفة المتغلّب بالقوة، وقد صرحوا به تصريحاً.

قال الإمام أحمد بن حنبل (ت 241ه): (ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كانوا اجتمعوا عليه واقروا بالخلافة بأيّ وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين... ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع غير السنة)[37].

قال أبو عثمان الصابوني(ت 499ه): ( ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برّاً كان أو فاجراً، ويرون الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم وإنْ رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف)[38].

وقال ابن قدامة (ت 620ه): (ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين - برهم وفاجرهم - ما لم يأمروا بمعصية الله، فإنّه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة، وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين)[39].

أمّا الأدلة التي استندوا إليها في شرعية السلطان المتسلط بالقوة، وحظر الخروج عليه هي:

اولاً: إطلاق الكتاب.

-      قوله تَعالى: {يَا أَيُّهَا الذّين آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[40].

والاستدلال بإطلاق القرآن الكريم تكون سارية في الفعل تشمل متعلّق الحُكم بكلّ أحواله، بمثاله: (إنّ الله عزّ وجلّ فرض الجمعة، وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً، مع علمه تَعالى بأنّ القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستنّ وقتاً دون وقت، ولا أمراً دون أمر)[41]. ويستنتج من الاستدلال بالكتاب بأنّ: الأمر بالطاعة لأولياء الأمور مطلق، كالأمر بالسعي إلى الجمعة مطلقاً، فتجب الطاعة إلاّ في الأمر بمعصية الله، ويحرم الخروج على الإمام إلاّ عندما يعلن الإمام الكفر بواحاً.

مناقشة دليل إطلاق الكتاب.

إنّ الله لم يجعل للفاسق ولاية على المؤمن، كذلك لم يجعلها للكافر، فالإيمان هو مكانة وشرف للإنسان المسلم وكل من اتصف بالإيمان هو يكون أعلى قدراً من غيره من البشر؛ علاوة على ذلك قد صرح الله (سبحانه وتَعالى) بأنّ الإمامة الشرعية تتنافى مع الظلم، قال تَعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[42]، وهذا بيان الصريح على أنّ إمامة المسلمين لا تكون في ظالم، بل نهى الله (سبحانه وتَعالى) الركون لهم، قال تَعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إلى الذّين ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ }[43]، فإذا كانَ الركون إلى الظلم حراماً وموعده النار، فكيف يكون للظالم ولاية وإمامة على المسلمين؟!.

 فالآية الكريمة المستدل بها تأمر بطاعة المؤمنين بطاعة أولي الأمر منهم (أي من المؤمنين) والظالم الفاسق لا ولاية ولا إمامة له على المؤمنين، لأنّه تسلط على رقاب الناس بالبطش وإعمال السيف فيهم والقهر، فأي شرعية يكتسبها؟، وأي طاعة له؟، والقرآن الكريم يصرح  في -آية البقرة وآية هود- بأنّ الظالم مبعد مستبعد عن الولاية.

ثانياً: السنة النبوية.

استدلوا بمجوعة من الأحاديث عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على صحة ما ذكروه، منها:

-       روى الإمام البخاري في صحيحه بسند متصل عن ابن عباس عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (من كَرِه من أميره شيئا فليصبر، فإنّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)[44].

-       روى مسلم في صحيحه بسند متصل عن عبادة بن الصامت عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أنْ تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان)[45].

-       استدلوا كذلك بما رواه القاضي أبو يوسف بسنده عن الحسن البصري عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ( لا تسبّوا الولاة، فإنّهم إن احسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر. وإنّما هم نقمة ينتقم الله بهم ممّن يشاء، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة والغضب، واستقبلوها بالاستكانة والتضرع)[46].

ويستخلص من هذه الأحاديث الواردة في الاستدلال بأنّ النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بطاعة ولي الأمر وحرّم الخروج عليه إلا في حالة الكفر البواح الذّي لا يشك فيه، والذّي يتغلب على الحكم لا يصل إلى درجة الكفر البواح، ما دام مسلماً فإمامته إمامة شرعية ويمكن الاقتداء به حكماً وعبادة.

مناقشة الاستدلال بالسنة النبوية.

تُلحظ على أدلة السنة النبوية أنّها أدلة عامة لا يوجد فيها دليل صريح قطعي على وجوب طاعة المتغلّب على الحكم، وإنّما هي اجتهادات داخل هذه الأدلة لا تنهض بها الحجة، بل نجد هذه الأدلة معارضة بأدلة أشدّ صراحة، وأقوى دلالة في كلّ ما ذُكر من الأحاديث التي استدلوا بها، ويمكن أنْ أصنّف الأحاديث الواردة عن النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المعارضة لاستدلالهم بطائفتين:

أولاً: الأحاديث الآمرة بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهي طائفة واسعة من الأحاديث وردت عن النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) صريحة في المرتبة الأولى من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي التغيير باليد، والمرتبة الثانية باللسان، والمرتبة الثالثة الإنكار القلبي، وهو أضعف مراتب الإيمان، ويفهم من الأحاديث الواردة في هذا الصدد بأنّ المرتبة الأولى هي أعلى مراتب الايمان وهي التغيير باليد، فأناط النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إيمان الفرد المسلم بتغيير المنكر لا الاصطفاف معه والتصفيق له، فتغيير المنكرات فريضة على كلّ مسلم مستطيع لذلك.

روى مسلم في صحيحه بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال (من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[47] ونقله بغير طريق الترمذي في السنن بسنده عن طارق بن شهاب قال: (أول من قدم الخطبة قبل الصلاة مروان فقام رجل فقال لمروان خالفت السنة. فقال يا فلان ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول: من رأى منكرا فلينكره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [48].

وروى الترمذي في السنن أيضاً بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)[49].

هذه الأحاديث الصريحة كلّها تدعو إلى عدم النكوص والخضوع للسلطان الجائر، بل تحفز على التغيير ومواجهة غطرسة الاستكبار وكل  يظاهر الباطل، فإيمانه في أعالي المراتب، وجهاده من أعظم الجهاد.

ثانياً: الأحاديث المحرّمة للتعاون مع أئمة الجور.

الطائفة الثانية من الاحاديث هي تحرّم معونة الحاكم الظالم، وتغليظ الانكار على ذلك التحذير منه، وفي هذا الصدد احاديث كثيرة اذكر نزرا يسيرا.

روى البيهقي في السنن بسند صحيح عن كعب بن عجزة عن النَّبِيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إنه سيكون بعدى أُمراء فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ولن يرد عليّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فهو منيّ وأنا منه وسيرد على الحوض)[50].

وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وبسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لكعب بن عجرة: (أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: ما إمارة السفهاء؟. قال: أُمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني، وأنا منهم وسيردوا على حوضي)[51].

وما هذه الأحاديث المصرّحة بحرمة الانصياع والانقياد للحاكم الظالم إلا تأكيداً للقرآن الكريم الذّي صرح أيضاً بالنهي عن الركون للحاكم الظالم، وعند تعارض الأحاديث الكريمة في الدلالة بين السكوت عن الظالمين، وقبول ولايتهم وتحريم الخروج عليهم وبين انكارهم ومعارضتهم ونهيهم عن غيهم، حكمنا في ذلك القرآن الكريم الذّي حذر أشد تحذير من الركون لهم، وبين مخاطر هذا الركون وهو مساس النار.

ثالثاً: الإجماع.

استدلوا أيضاً بالإجماع على شرعية المتغلّب، سأذكر بعض ما ذكره العلماء على أنّ الإمام المتغلّب بالسيف هو امام شرعي.

قال الإمام أبو الحسن الاشعري (ت 324ه).

(وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أنْ كلّ من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل وعلى أن يغزوا معهم العدو ويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلي خلفهم الجمع والأعياد)[52].

قال ابن بطال (ت 449ه):

(والفقهاء مجمعون على أنّ طاعة المتغلّب واجبة ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب، فإنّ طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من تسكين الدهماء وحقن الدماء)[53].

قال الريمي (ت 792ه):

(عند الشافعي وكافة العلماء الطريق إلى معرفة الإمام النص او الدعوة او القهرية)[54].

مناقشة لدليل الاجماع:

دعوة الاجماع في أقوال العلماء الأعلام صريحة، إلا أنّ هذا الإجماع المدعى هو مخروق بخروج الإمام الحسين سيد شباب اهل الجنة[55] على يزيد بن معاوية، وكذا بخروج عبد الله بن الزبير بن العوام، فلا يمكن الاعتماد عليه، ومن ثمّ لا يصحّ أنْ يكونَ دليلاً.

قال الطبري: (إنّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيّر)[56].

تؤيد خروج الإمام الحسين (عليه السلام) كثرة كاثرة من العلماء، بل يحصرون الشرعية به ومعه، لا مع يزيد، ويجعلون منه إمام ظلالة، ولا يجوز الاقتداء به، وكل اقوالهم بمثابة الرد على دعوة الإجماع، وأذكر بعضاً منها:

قال ابو عثمان الجاحظ (ت 255ه):

ثم الذّي كان من يزيد ابنه ومن عُمَّاله وأهل نُصرته، ثم غزو مكّة، ورمي الكعبة، واستباحة المدينة، وقتل الحسين عليه السلام في أكثر أهل بيته مصابيح الظلام، وأوتاد الإسلام...فأحسبوا قتله ليس بكفر، وإباحة المدينة وهتك الحُرمة ليس بحجَّة، كيف تقولون في رمْي الكعبة، وهدم البيت الحرام، وقبْلة المسلمين؟. واحسُبْ ما رووا عليه من الأشعار التي قولُها شِرك، والتمثُّل بها كفر، شيئاً مصنوعاً، كيف يُصنع بنَقْر القضيب بين ثَنيَّتي الحسين عليه السلام، وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حواسر على الأقتاب العارية والإبل الصِّعاب...فإن كان على ما وصفنا لا يعدو الفسق والضَّلال - وذلك أدنى منازله - فالفاسق معلونٌ، ومن نهى عن لَعْن الملعون فملعون)[57].

 

قال الإمام الذهبي (ت 748ه):

(وكان – يزيد- ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين، كأهل المدينة قاموا لله... عن نوفل بن أبي الفرات، قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل: قال أمير المؤمنين يزيد، فأمر به فضرب عشرين سوطاً)[58].

وقال ابن خلدون (ت808ه):

 (وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذّي سماه بالعواصم والقواصم ما معناه أن الحسين قتل بشرع جده، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء؟!)[59].

النتيجة.

ويمكن أنْ أوجز بعض النتائج ممّا ما تقدم وهي:

أولاً: إنّ حكم المتغلّب هو استبداد سياسي للسلطة، وهذا الأمر مرفوض في الشريعة الإسلامية، مهما تنوعت اشكاله وتعددت اسمائه، فالمستبد في السلطة وإنْ سُمّي بـ(الخليفة) أو (أمير المؤمنين) فهاتان الصفتان لا تضفيان الشرعية على الاستبداده، ولا تغيّر عنوانه الذّي أتى به وهو القوة والقهر.

ثانياً: إنّ الاعتراف بإمامه المتغلّب يمثل هدراً وهدماً لأهم مبادئ الشريعة الإسلامية وهي (الشّورى)، وكما قال الشيخ محمد ابو زهره (رحمه الله): (ولو فتح الباب لكل متغلب من غير مسوّغ لهدمت الشّورى)[60].

ثالثاً: إنّ الأدلة التي قدّمها العلماء الأعلام لا تصّح للاستدلال على شرعية المتغلّب بالسيف والقهر، فهي تتنافى مع روح الإسلام الحنيف الذّي  أتى وهمه الوحيد هو إخراج الإنسان من عبودية الإنسان، ولأجل هذا حارب القيصرية والكسروية، كما حارب كل مظاهر الترف والبذخ باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما لفت انتباه الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما شاهد معاوية بن أبي سفيان وهو في أعلى مظاهر الترف، كأنه رمى بسهام الغيب، فقال له عمر: (أ كسروية يا معاوية!؟)[61].

رابعاً: ربما يلتمس العذر لهؤلاء الأعلام بأنهم أقروا بشرعية المتغلّب طبقاً لـ(تعامل مع الأمر الواقع)، بمعنى أنّ الدّولة الاموية كانت مترامية الأطراف وهي في عنفوانها وقوتها فلا تجدي المعارضة شيئاً، ولا سيما أنّهم رأوا بأعينهم أنّ كل من عارض كان مصيره القتل والصلب ما جعل اولئك الأعلام ان يفقوا موفقاً سلبياً من المعارضة ليس إيمانا منهم بتقوى وايمان بني أمية أو بني العباس، بل اعتقاداً منهم بحقن دماء المسلمين وتفادي الفتن، وبعبارة أخرى القبول بشرعية المتغلّب بنظرهم هو (أخف الضريين)، وهذا ما يظهر من بعض أقوالهم في تعليل قبولهم بفسق الأئمة، بيد ما يؤخذ على آراء هؤلاء الأعلام بأنّهم اسسوا ووظفوا الأدلة الشرعية في مصلحة هؤلاء الأئمة أهل الفسق والجور.

خامساً: إنّ ابتعاد المسلمين عن المبادئ التي جاء من أجلها الإسلام هو الذّي سلط هؤلاء على رقاب المسلمين وجعلهم فرقا وشيعا. فالنظام الإسلامي قد حرص على وحدة المسلمين وتداول السلطة بينهم عن طرق الشريعة لها، لا عن طرق القوة والسيف، فـ(مصلحة المسلمين في الوحدة، وفي التغلب على الحكم سببّ حصول الفرقة والاختلاف والقتال والتاريخ يدل على ذلك)[62].

 

 

 

 

 

 

Summary

yusalit albahth aldaw' ealaa 'asl 'imamt alkhlyft almtghlb balsyf wastemal alquat fi 'iithbat shreyth fi alhkm, whdha alshakl min alhukm hu almafhum fi almujtamae al'iislamii baed aleasr alrashdy llkhlfa' alarbet, fthwlt alkhilafat 'iilaa mmlkat tahkum biaism (khlaft alnby) whdha ma qal lah abn khldwn qayla : (anqlbt alkhilafat 'iilaa almalik .. sar alamr 'iilaa almalik ... walam yuzhir altaghayur 'illa fi alwaze aldhy kan dinana thuma anqalab easabiatan wsyfa ... dhahabat maeani alkhilafat walam yabq 'iilaa asmha, wasar al'amr malakana bhta, wajarat tabieat altaghalub 'iilaa ghaytha, wastemlt fi aghradha min alqhr waltqlb fi alshahawat walmla ... dhahab rusim alkhilafat wa'athariha bdhhab easabiatan alearab wfna' jylhm wtlashy ahwalhm, wabaqi al'amr malakana bhta kama kan alshaan fi mlwk alejm balmshrq yadinun btaet alkhlyft tbrka, walmalik bjmye alqabh wmnahyh lhm, walays llkhlyft minh shy'). kalimat bmena: la shaka fih fi altamasuk fi alsultat whsrha fi 'afrad ytwarthwha jil baed jyla bstwt alsyf walqhr; ynafy ruh al'islam alty ja'at biha alnabii al'akram (sla allah ealayh wslm) wasar ealayha 'ayimatan alhudaa min baedah. ahawl ma aistafad mn hdha alshakl min alhukm aldhy aistamara lqrwn min alzaman fi alfikr al'iislamii wabh min almslmat bsbb ghiab altariq alnaje fi tadawul 'amr alkhilafat wahu (alshwra). wyl, I am I am I am. 'injlysh artykl almtn ryfyrnss

 

قائمة المصادر والمراجع:

القران الكريم.

1- ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني، (ت620ه)، الكامل في التاريخ: تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري: (دار الكتاب العربي- بيروت)، ط1، 2010.

2- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت 808ه): المقدمة: تحقيق: عبد السلام الشدادي: ( بيت الفنون والعلوم والاداب- الرباط)، ط1، 2005.

3- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (ت 571ه)، تاريخ دمشق: دراسة وتحقيق: علي شيري: (دار الفكر- بيروت)، ط1، 1998.

4- أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي، شرح صحيح البخاري: تعليق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم: (مكتبة الرشد- الرياض)، د. ط، د. س.

5- أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، أدب الدين والدنيا: (دار الكتب العلمية- بيروت)، ط1، 1987.

6- أبو الفضل أحمد بن علي، تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة: تحقيق: الدكتور إكرام الله إمداد الحق: (دار الكتاب العربي- بيروت)، ط1، د.س.

7- أبو بكر أحمد إبراهيم الشافعي، الاسماعيلي (ت 371ه)، اعتقاد أئمة اهل الحديث: تحقيق: الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس: (دار الفتح- الشارقة)، ط1، 1995.

8- ابو بكر أحمد بن الحسين، مناقب الشافعي، تحقيق: السيد أحمد صقر: (مكتبة دار التراث- القاهرة)، ط1، 1970.

9- أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن، عقيدة السلف اصحاب الحديث: تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع: (دار العاصمة للنشر والتوزيع- المملكة العربية السعودية)، ط2، 1998.

10-       أحمد بن يحيى بن جابر، جُمل من أنساب الأشراف: تحقيق وتقديم: الدكتور سهيل زكار والدكتور رياض زركلي: (دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت)، ط1، 1996.

11-                     أصول السنة: (دار المنار- المملكة العربية السعودية)، ط1، 1411ه.

12-        جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء: (دار الاوقاف والشؤون الإسلامية- دولة قطر)، ط2، 2013.

13-                     الحرية أو الطوفان: (المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت)، ط2، 2008.

14-       حمد بن عبد الله بن ابي بكر الصردفي، المعاني البديعة في معرفة اختلاف اهل الشريعة: تحقيق: سيد محمد مهني: (دار الكتب العلمية- بيروت)، ط1، 1999.

15-       ديوان الوليد بن يزيد: جمع وترتيب: المستشرق الايطالي جبر بالي: (المجمع العلمي العربي- دمشق)، ط1، 1937.

16-       الذهبي، شمس الدين محمد بن احمد، سير أعلام النبلاء: تحقيق: محمود شاكر: (دار احياء التراث العربي- بيروت)، ط1، 2006.

17-       رباع، كامل علي ابراهيم، نظرية الخروج في الفقه الإسلامي: (دار الكتب العلمية- بيروت)،ط1، 2004.

18-       الشاطبي، أبو اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمي (ت 790ه)، الاعتصام: تحقيق: محمد رشيد رضا: (دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع- المملكة العربية السعودية)، ط1، 1429ه.

19-       عبد الملك بن حسين الشافعي، سمط النجوم العوالي في انباء الاوائل والتوالي: تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيح علي محمد معوض: (دار الكتب العلمية- بيروت)، ط1، 1998.

20-                     العشماوي، محمد سعيد، الخلافة الإسلامية: (سينا للنشر- القاهرة)، ط2، 1992.

21-       علي بن إسماعيل، رسالة إلى اهل الثغر: تحقيق: عبد الله شاكر محمد الجنيدي: (مكتبة العلوم والحكم- المدينة المنورة)، ط2، 2002.

22-       علي بن الحسين، الاغاني: اعداد: مكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي: (دار إحياء التراث العربي- بيروت)، ط1، 1994.

23-       علي محمد، خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير: (مؤسسة أقرأ للنشر والتوزيع والترجمة- القاهرة)، ط1، 2006.

24-       عمرو بن بحر البصري، رسائل الجاحظ: تحقيق: عبد السلام محمد هارون: (مكتبة الخانجي- القاهرة)، ط1، 1964.

25-       كمال الدين محمد بن موسى، حياة الحيوان الكبرى: تحقيق: إبراهيم صالح: (دار البشائر- دمشق)، ط1، 2005.

26-       محمد بن سعد بن منبع الزهري، تحقيق: علي محمد عمر: (مكتبة الخانجي- القاهرة)، ط1، 2001.

27-       محمد بن شاكر، فوات الوفيات والدليل عليها: تحقيق: الدكتور إحسان عباس: (دار الصادر- بيروت)، ط1، 1973.

28-       المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين (ت346ه)، مروج الذهب ومعادن الجوهر: (دار الكتاب العربي- بيروت)، ط1، 2004.

29-       موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي، لمعة الاعتقاد: (وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية)، ط2، 1420ه.

30-                     يحيى بن شرف الدمشقي، روضة الطالبيين وعمدة المفتين: (دار ابن حزم- بيروت)، ط1، 2002.

31-       يعقوب بن ابراهيم (ت 182ه)، كتاب الخراج: (دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت)، ط1، 1979.

 


[1] المقدمة: ص107-108.

[2] روى ابن عبد ربه الاندلسي في العقد الفريد: (جلس معاويةُ في أصحابه وأذن للوفود، فدخلوا عليه، وقد تقدَّم إلى أصحابه أن يقولوا في يَزيد، فكان أوَّلَ من تكلَّم الضحاكُ بن قيس فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنه لا بُد للناس مِن والٍ بعدك، والأنفس يُغْدَى عليها ويًراح. وإن اللّه قال: كُلّ يومٍ هو في شَان. ولا ندري ما يختلف به العصرْان، ويزيدُ ابن أمير المؤمنين في حُسن مَعْدِنه، وقَصْد سيرته، من أفضلنا حِلما، وأحكمنا عِلماً، فولّه عهدك، واجعله لنا عَلماً بعدك. وإنّا قد بَلَونا الجماعةَ والُألفة فوجدناه أحقن للدماء، وآمَن للسُّبل، وخيراً في العاجلة والآجلة. ثم تكلَّم عمرو بن سَعيد فقال: أيها الناس، إن يزيدَ أملٌ تأمُلونه، وأجل تأمنونه؛ طويل الباع، رَحْب الذراع، إذا صِرْتم إلى عَدله وَسِعكم، وإِن طلبتم رِفْده أغناكم؛ جَذَع قارح، سُوبق فسَبق، ومُوجِد فمَجَد، وقُورعِ فقَرع، خلف من أمير المؤمنين ولا خَلف منه. فقال: اجلس أبا أمية، فلقد أوسعت وأحسنت. ثم قام يزيد بن المُقفّع فقال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، فمن أي فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: اجلس، فإنك سيّد الخطباء. ثم تكلم الأحنف بن قيس فقال: يا أميرَ المؤمنين، أنت أعلم بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعَلانيته، ومَدخله ومَخرجه، فإن كنت تَعلمه لله رضا ولهذه الأمة، فلا تُشاور الناسَ فيه، وإن كنت تعلم منه غيرَ ذلك، فلا تُزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة. قال: فتفرّق الناس ولم يذكروا إلا كلامَ الأحنف. قال: ثم بايع الناسُ ليزيد بن معاوية، فقال رجل، وقد دُعي إلى البيعة: اللهم إني أعوذ بك من شر معاوية). ج2، ص129.

[3] السنن الكبرى للبيقي، رقم الحديث: (17073).

[4] ينظر: العشماوي، محمد سعيد، الخلافة الإسلامية: ص132.

[5] المرجع نفسه: ص134.

[6] أحمد بن يحيى بن جابر، جُمل من أنساب الأشراف: ج5، ص299.

[7] علي بن الحسين، الاغاني: ج4، ص470.

[8] علي محمد، خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير: ص41.

[9] أبو الفضل أحمد بن علي، تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة: ص452.

[10] حرةُ واقِم: إحدى حرَتي المدينة، وهي الشرقية. سميت برجلً من العماليق اسمه واقم وكان قد نزلها في الحمر الأول. وقيل واقم اسمه أطُم من آطام المدينة إليه تضاف الحرة وهو من قولهم وَفمتُ الرجل عن حاجته إذا رددته فأنا واقم...وفي هذه الحرة كانت وقعة الحرة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية في سنة 63 وأمير الجيش من قبل يزيد مسلم بن عقبة المري وسموه لقبيح صنيعه مسرفاً قدم المدينة، فنزل حرة واقم وخرج إليه أهل المدينة يحاربونه فكسرهم ،وقتل من الموالي ثلاثة اَلاف وخمسمائة رجل ومن الأنصار ألفاً وأربعمائة وقيل ألفاً وسبعمائة ومن قريش ألفاً وثلاثمائة ودخل جنده المدينة فنهبها الأموال وسبها الذرية واستباحها الفروج وحملت منهم ثمانمائة حرة وولدن، وكان يقال لأولئك الأولاد أولاد الحرة ثم أحضَرَ الأعيان لمبايعة يزيد بن معاوية، فلم يرض إلا أن يبايعوه على أنهم عبيد يزيد بن معاوية فمن تَلكأ أمر بضرب عنقه وجاؤها بعلي بن عبد الله بن العباس فقال الحصين بن نمير يا معاشر اليمن عليكم ابن أختكم فقام معه أربعة ألاف رجل فقال لهم مسرف أخلعتم أيديكم من الطاعة فقالها أما فيه فنعم فبايعه علي على أنه ابن عم يزيد بن معاوية. ثم انصرف نحو مكة وهو مريض مدنف فمات بعد أيام وأوصى إلى الحصين بن نمير وفي قصة الحرة طول وكانت بعد قتل الحسين رضي الله عنه ورمي الكعبة بالمنجنيق من أشنع شيءٍ جرى في أيام يزيد. م. الحموي، معجم البلدان:  ج3، ص141.

[11] صحيح البخاري، كتاب: المغازي، باب:  رقم الحديث: (4024).

[12] عبد الملك بن حسين الشافعي، سمط النجوم العوالي في انباء الاوائل والتوالي: ج2، ص92.

[13] ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (ت 571ه)، تاريخ دمشق: ج37، ص127.

[14] نهج البلاغة: رقم الخطبة (1).

[15] جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء: ص354.

[16] القيد الذّي يقيد اليدين.

[17] ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج37، ص135.

[18] الوافي بالوفيات: ج6، ص261.

[19] السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص362.

[20] ابن عبد ربه، العقد الفريد: ج2، ص82.

[21] تاريخ الخلفاء: ص362.

[22] كمال الدين محمد بن موسى، حياة الحيوان الكبرى: ج1، ص252-253.

[23] محمد بن شاكر، فوات الوفيات والدليل عليها: ج4، ص256-257.

[24] سورة آل عمران: آية، 110.

[25] سورة إبراهيم: آية، 15-16.

[26] المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين (ت346ه)، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج3، ص34.

[27] ديوان الوليد بن يزيد: ص39.

[28] أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، أدب الدين والدنيا: ص277.

[29] ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني، (ت620ه)، الكامل في التاريخ: ج3، ص82.

[30] الحرية أو الطوفان: ص127-128.

[31] الشاطبي، أبو اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمي (ت 790ه)، الاعتصام: ج3، ص33.

[32] محمد بن سعد بن منبع الزهري: ج4، ص110.

[33] المصدر نفسه، ج4، ص149.

[34] ابو بكر أحمد بن الحسين، مناقب الشافعي: ص

[35] الاحكام السلطانية:  ص20.

[36] يحيى بن شرف الدمشقي، روضة الطالبيين وعمدة المفتين: ص1717.

[37] أصول السنة: ص45-46.

[38] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن، عقيدة السلف اصحاب الحديث: ص294.

[39] موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي، لمعة الاعتقاد: ص32.

[40] سورة النساء: آية، 59.

[41] أبو بكر أحمد إبراهيم الشافعي، الاسماعيلي (ت 371ه)، اعتقاد أئمة اهل الحديث: ص50.

[42] سورة البقرة: آية، 124.

[43] سورة هود: آية، 113.

[44] صحيح البخاري، كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "سترون بعدي امورا تنكرونها" رقم الحديث: (7053).

[45] صحيح مسلم، كتاب: الامارة، باب: وجوب طاعة الامراء في غير معصية، رقم الحديث: (1709).

[46] يعقوب بن ابراهيم (ت 182ه)، كتاب الخراج: ص10.

[47] رقم الحديث: 49.

[48] رقم الحديث: (2327) قال أبو عيسى عنه هذا حديث حسن صحيح.

[49] رقم الحديث: (2329).

[50] رقم الحديث: (17111).

[51] رقم الحديث: (13919).

[52] علي بن إسماعيل، رسالة إلى اهل الثغر: ص296-297.

[53] أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي، شرح صحيح البخاري: ج3، ص405.

[54] محمد بن عبد الله بن ابي بكر الصردفي، المعاني البديعة في معرفة اختلاف اهل الشريعة: ج2، ص386.

[55] روى الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا يزيد بن مردانبة قال حدثنا ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). رقم الحديث: (10576).

[56] تاريخ الطبري: ج3، ص307.

[57] عمرو بن بحر البصري، رسائل الجاحظ: ج2، ص12 وبعدها.

[58] شمس الدين محمد بن احمد، سير أعلام النبلاء: ج3، ص401.

[59] المقدمة: ص113.

[60] تاريخ المذاهب الإسلامية:  ص100.

[61] ينظر: ابن خلدون، المقدمة: ص57.

[62] رباع، كامل علي ابراهيم، نظرية الخروج في الفقه الإسلامي: ص1

أخترنا لك
مرجعية القرآن الكريم في استنباط الأحكام الشرعية.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف