الولادة والنشأة ، لحين التحاقه بالحوزة
العلمية في النجف الاشرف:
فتح سماحته عينيه على الدنيا في عائلة علمية في الخامس من شهر محرم
الحرام من عام ١٣٤٥ هجري قمري ، الموافق للخامس عشر من شهر تموز عام
١٩٢٦ ميلادية في مدينة قم المقدسة ، وقد اكتنفت بركات والديه المولود
الجديد حتى استطاعت أنوارهما الداخلية ان تهيئ له الأرضية المناسبة
وتجعله مثلهما يدخل مسرح الحياة من باب تحصيل وكسب الرضا الإلهي.
ومنذ فترة الطفولة كان تحصيل العلم بالنسبة له حقيقة لذيذة ، فقد دخل
المدرسة في سن الرابعة من عمره ، ولأنه كان ذا استعداد ويتمتع
بخصوصيات مميزة ، فقد استطاع ان ينجز في سنة واحدة ما هو مقرر في عدة
سنوات.
وفي قرابة العاشرة من عمره استطاع ان ينتهي من عدة مباحث حوزوية مثل
المقدمات ، الصرف والنحو البيان والبديع.وقد استطاع في هذا السن ان
يدرس بدون أستاذ كتاب شرح اللمعة الدمشقية ويباحثه مع علماء كبار في
السن مع كون هذا الكتاب يختص بموقع مهم في المباحث الفقهية ، والذي
كان أحد الفقهاء الكبار يقول " إذا استطاع أحد ان يقدم لي امتحان في
شرح اللمعة أعطيه إجازة اجتهاد ".
وكانت قضية صغر سنه وقوة إدراكه قد أصبحت جارية على الألسن بين طلاب و
فقهاء النجف الكبار لما له من قدرة على الفهم التي عجنت مع نوارنية
القلب والروح ، مما زاد من سرعته في كسب العلوم حتى أنه لم يكن يحس في
أحد الجهوزية للرقابة عليه.
وفي الحادية عشرة من عمره كان يشارك في بحث المكاسب للشيخ الانصاري.[
المكاسب من تأليف الشيخ الانصاري ويدرس في الحوزات والمشاركة في هذا
البحث تتطلب أستاذا متبحرا من جهة وطلابا ذوي استعداد من جهة
أخرى]
وقد طرحت هذه القضية في المجالس العلمية لعلماء النجف ،وكان تعجب
العلماء من أنه كيف يستطيع مراهق في هذا السن ان يمتلك القدرة على فهم
مطالب الشيخ الانصاري ( ره).
حتى أنه ينقل عن السيد الخوئي قدس سره أنه قال لأحد المراجع " أفتخر
بحوزة علمية يدرس فيها مراهق في الحادية عشرة من عمره المكاسب الى
جانب طلاب كبار في السن وعلماء ، ويفهم مطالب الدرس أفضل من
البقية.
وقد أنهى بقية الدروس الحوزوية المعروفة بالسطح في مدة سنة واحدة
وأوجد في نفسه المقومات اللازمة لدخول بحث الخارج في الفقه والأصول ،
حيث بدأ بمتابعة هذه الدروس بعد انتقاءه لنخبة الأساتذة في حوزة
النجف.
وكان سماحة آية الله العظمى السيد الروحاني (دام ظلّه) يشارك في هذه
الدروس وهو في الحادية عشرة من عمره، الأمر الذي كان باعثاً لتعجّب
كلّ المشاركين، وقد كان يُتحدّث عنه وعن نبوغه الفكري وقدرته على
الاستدلال رغم صغر سنه وعن مشاركته في دروس الخارج في أغلب مجالس
المراجع والعلماء، ولأن الأشخاص المطلعين على البحوث الحوزوية يعلمون
جيدا أن مشاركة مراهق في دروس الخارج تستلزم عناية وتوجهاً خاصاً من
الناحية المقدسة، لأن المشاركين في هذا البحث، هم وجهاً لوجه مع فقيه
ومجتهد جامع للشرائط، وقد قضى عمراً في التحقيق في المباحث الفقهية
والأصولية، إذ أنّ إظهار النظر في مقابل استنباطه واستدلالاته أو حتى
فهم مطالبه الدراسية يتطلب معلومات عالية جدا لا تتحقق عند أي شخص،
وإذا حدث أن اقترح أستاذ على أحد طلابه أن يطرح اشكالاته في المباحث
الدراسية كان بمثابة تأييد لمقامه العلمي وصلاحياته وقدرته على
الاجتهاد في الأحكام الإلهية، وهذا ما كان يحصل مع سماحته حيث كانت
مثل هذه العروض تُطرح كثيراً من قبل آية الله العظمى السيد الخوئي
(رحمه الله)..
أساتذته في دروس الخارج:
إن إحدى امتيازات الحوزات العلمية هي أن دور الأساتذة لا يتحدد فقط في
التدريس بل ان لهم توجهاً واهتماماً كاملاً بكافة طلابهم، وبالخصوص
الطلاب الّذين يتمتعون بلياقة وأهلية خاصة، إذ أنهم يفكرون بهم في
جميع الحالات ولا يبخلوا بأي عمل أو تعب مرتبط بتطورهم ونموهم العلمي
وكمالاتهم الأخلاقية لدرجة أنهم يعطون الإجازة لطلابهم في كل ساعات
النهار والليل لطرح الأسئلة والأجوبة حول المسائل العلمية أو أي مشكلة
تواجههم وأحياناً ومن أجل ترغيبهم وتشويقهم يذهبون إلى منازلهم
ويتباحثون لمدة ما، وفي بعض الموارد يقدمون على أسفار طويلة ومليئة
بالمشقة ويقضون مع طلابهم مدة في التحقيق في حل مسألة ما، على كل حال،
هم دائماً في الخلوة وغيرها يفكرون في نمو وتكامل طلابهم..
فأمّا أساتذته في درس الخارج بفرعيه الفقه والأصول فهم من الفقهاء
والمراجع الكبار والنادرين وذوي الشهرة الّذين لا تخفى مراتبهم
العلمية والفقهية وكمالاتهم الأخلاقية على أحد، ونحن هنا إذ نرى
أنفسنا عاجزين عن التعريف بمقام هؤلاء الأساتذة العظام الذين يقل وجود
أمثالهم (رضوان الله تعالى عليهم)فإننا نكتفي بذكر أسمائهم.
وأما أسماء أساتذته فهم كما يلي:
١. سماحة آية الله العظمى الشيخ كاظم الشيرازي (قدس سره)
٢. سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني المعروف ب
(كمباني) (قدس سره).
٣. سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الكاظمي (قدس سره).
٤. سماحة آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره).
٥. سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره).
هؤلاء العظماء الذين يفتخر العالم الإسلامي وعالم التشيع بوجودهم في
الحوزة العلمية ، هم جميعاً من بركات النجف الأشرف بفضل وعناية الإمام
علي عليه السلام.
رفقته وعلاقته الحميمة مع أستاذه آية الله العظمى السيد الخوئي ( رحمه
الله ) خلال ١٥ سنة من التدريس
وقد استفاد سماحته من وجود جميع الأساتذة، وهو يعتبر نفسه مديوناً
لمحبتهم المخلصة ولكن من بين أساتذته كان السيد الخوئي (قدس سره)
أكثرهم له توجيهاً وأكثرهم عملاً على تفتح براعم استعداده ورشده
العلمي والأخلاقي.
وقد كان "قدس سره" في عصره بإجماع كبار علماء الفقه والإجتهاد
واستنباط الأحكام فقيهاً بلا نظير، وكان متخصصاً وصاحب نظر في أغلب
العلوم الحوزوية مثل الكلام والتفسير والرجال والمباحث الفلسفية
المعروفة ب "العلم المعقول" وآثاره المنتشرة خير دليل على هذا
الواقع.
وقد كان سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي (ره) كذلك بلا نظير في
تشخيص ومعرفة اللياقة والأهلية فكان عندما يجد طالباً ذكياً وذا
استعداد فإنه يعمل على مراقبته ومتابعته كما يعمل على إيجاد ارتباط
أكثر معه حتى بعد الدرس والبحث كي يستطيع أن يربيه جيدا، وقد كان له
مثل هذا التصرف مع سماحة السيد الروحاني منذ التعرف عليه ومشاهدة
لياقته وأهليته واستعداده الخارق حتى استمر الارتباط العملي والثقافي
والمعنوي بينهما تحت عنوان أستاذ وتلميذ ما يقارب الخمسة عشر سنة في
محيط النجف الأشرف، وهذه المدة من الرابطة والعلاقة بين أستاذ قوي جدا
يستطيع أن يغوص في محيط المعارف والأحكام الإلهية، وتلميذ يملك منذ
فترة مراهقته ذكاء وشعوراً خارقاً، هذه المدة توضح حقيقة مهمة -
(تتعلق بوجود معنى آية الله في السيد الروحاني) - وهي أن بوادر
إمكانية كون السيد الروحاني عالماً كانت ظاهرة.
ونقلاً عن سماحته فإن عنوان الأستاذ الكامل من بين أساتذته ينحصر في
سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي (قدس سره) لأن مدة خمسة عشر عاماً
من المعرفة مدة ليست قليلة وبالخصوص إذا استمرت هذه المعرفة أو
الرابطة مع التعليم والتعلم والارتباط القريب..
من أكبر وأهم مميزات أساتذة الحوزة العلمية هو أنسهم ورفقتهم مع
طلابهم التي تصل في بعض الموارد إلى أعلى درجة من الأنس والإلفة، حتى
تصبح ليلاً نهاراً، وحتى تبعث على اتصال قلوبهم ببعضها، وفي جميع
الحالات يشكل التعليم والتعلم هدفهم الأصلي..
وكان السيد الخوئي دائماً يأنس ويألف بالسيد الروحاني إلى درجة أنه
كان يأتي في أغلب الليالي إلى غرفته ويتباحثان، وفي بعض الأحيان تطول
هذه الجلسات الليلية حوالي خمس ساعات، وبعد إنهاء الجلسة يرافق أستاذه
حتى باب منزله.
وعادة ما يستطيع الأساتذة في وقت التدريس معرفة الرشد العلمي لطلابهم
من كيفية الإشكال والنقد الذي يصدر عنهم، ومع تكرر عدة أسئلة يستطيعون
أن يزنوا أو يعرفوا مدى كمال طلابهم بالنسبة لفهم المطالب الدراسية،
ويشخصون مراتبهم العملية واستعداداتهم المتفتحة.
وفي بعض الجلسات الخصوصية وبين مجموعة من الطلاب، قال السيد الخوئي
لسماحته: لماذا لا تشكل في المباحثات؟ أنا أريدك أن تطرح الإشكالات
والإيرادات التي تراها.
مثل هكذا طلبٍ من ناحية أستاذ، بالإضافة إلى أنه يدل على عظمته
العلمية وقاعدته القوية، فهو أفضل دليل على نبوغ التلميذ الفكري
وأهليته المميّزة، لأن أغلب الأساتذة ينزعجون من إشكال طلابهم، وكذلك
فإن أكثر المستشكلين وللنقص الموجود عندهم في المعلومات لا يستطيعون
طرح الموضوع أو المطلب بشكل جيد، ولكن عندما يعرض أستاذ على أحد طلابه
" أن كل ما يخطر بباله من الإشكال أو الإيراد والإنتقاد على المطالب
الدراسية فعليه أن يطرحه، وأنه مهتم جدا باشكالاته ".
هذا القول بدون تردد يدل على حقيقة مهمة جدا وهي أنّه حاصل على درجة
مهمة جدا في مورد الرشد و الإدراك الصحيح للمطالب..
أسلوب التحصيل في الحوزات:
بعد أن أشرنا إلى معلومات مهمة جدا، من اللازم أن نشير هنا إلى موضوع
مهم آخر، حتى يكون مثلاً أعلى لطلاب العلم في كل المجالات..
منذ الفترات الماضية، تختلف طريقة تدريس وتحصيل طلاب العلوم الدينية
عن بقية المراكز العلمية.
ففي الحوزات العلمية، ومع أن دور الأستاذ محفوظ في مكانه ولكن التعب
وتنظيم البرامج الدراسية تثقل كاهل مراهق دخل حديثاً إلى هذا المحيط
لأنّه وبالإضافة إلى التوجه إلى التغذية والنظافة وتحمل ضغوط عصره
الإقتصادية المؤلمة، يجب عليه أن يقوم بتنظيم برنامج دقيق، وهو عبارة
عن تحضير المسائل التالية:
١. مطالعة الدروس التي قُرأت اليوم..
٢. التحضير للمباحثة مع الذين كانوا معه في الدرس..
٣. مطالعة مسبقة للدروس التي ستعطى في الغد..
٤. لا يسمح لنفسه أن ينسى مطالب الدرس والبحث إذا كانت غير قابلة
للفهم بالنسبة له أو لم يفهمها بشكل جيد، ويبذل الجهد حتى يستطيع أن
يحل مشكلاته الدراسية..
نظرة لوضع سماحته التحصيلي
والعلمي:
كان سماحته يصرف في اليوم ستة عشر ساعة من وقته للمطالعة وتنظيم
الأمور الدراسية، ومثل هذا الإدّخار للتحصيل وهذا العشق والعلاقة
بالعلم من أكبر التوفيقات والعنايات الإلهية، لأنّ مثل هذا التنظيم
التحصيلي يعطل كل الفعاليات غير الدراسية، ويؤدي إلى آلام ومتاعب خاصة
لدرجة أن أغلب الأصدقاء وحتى السيد الخوئي قدس سره كانوا قلقين من صرف
كل هذا الوقت في المطالعة ويوصونه بأن يعدل قليلاً من برامجه لأنّ
الذي لديه ستة عشر ساعة مطالعة في اليوم لا يبقى لديه وقت كثيرٌ للنوم
والاستراحة وتجديد قوى البدن، والحضور في جلسات الدرس و..
بالإضافة إلى أوضاعه الإقتصادية الصعبة جدا، إذ كان أغلب الأيام يقترض
من البقية ولكن مع هذا لم يكن ينقص من وقت المطالعة..
إعطاء القروض في النجف كان
مرسوماً:
من مميّزات المجتمع الإسلامي المهمة والقيّمة، والتي تظهر في أخلاق
وأعمال وتصرفات المسلمين، هو أنّهم وعلى أثر الإيمان بالله تعالى
يتمتّعون بنوع من المحبة والأنس والألفة لبعضهم البعض، ومن آثار هذه
الظاهرة التوجه لمشكلات المسلمين، لأن رفع احتياجات الأشخاص والاهتمام
بحل مشاكلهم هو عمل محبوب ومطلوب جدا عند الله عزّ وجل..
كان إعطاء القروض في تلك الأيام في النجف الأشرف أمراً مرسوماً عند
الجميع، وبالخصوص لطلاب العلوم الدينية، وكان أغلب العلماء وطلابهم
يؤمنون احتياجاتهم اليومية من هذا الطريق، وبعد حصول الفرج والحصول
على مقدار من الأموال يسارعون لدفع قروضهم..
وقد أدار سماحته حياته مع صعوبات كثيرة، وقد وُوجِهَ بقروض كثيرة
لتأمين احتياجاته الأولية، وفي الموارد التي كانت قيمة القروض ترتفع
جدا كان يصبح عاجزاً عن طلب قرض جديد، ولكن ليس هناك طريق آخر يخطر في
الذهن غير الإقتراض مجدداً، ولكن في بعض الأحيان كان الأشخاص الطيبون
والمؤمنون يشاهدون هذا الواقع في وجهه، ولإعطائه الجرأة والتقليل من
الضغوط الداخلية التي قد تسببها القروض، كانوا يقولون له لا تزعج نفسك
بما يتعلّق بهذه القروض، إذ أن الكثير من العلماء والأصدقاء فتحوا
حساباً لهم في هذا المكتب وعليهم قروض كثيرة، وأنت كذلك يمكنك أن تأخذ
كل ما تحتاجه لتأمين احتياجاتك وان شاء الله تُحلّ المشكلة..
شاب في محفل أساتذة النجف
الأشرف:
بعد ورود سماحته إلى جلسات بحث خارج الفقه والأصول لآية الله العظمى
السيد الخوئي قدس سره، كان يتلقى المطالب بشكل جيد بسبب القابلية
والمؤهلات التي كان يملكها، ولأن عادة العلماء والطلاب في دروس بحث
الخارج هي ان يدونوا المطالب الأصلية والمهمة للبحث أثناء إعطاء الدرس
ثم يعملون على توضيحها وتنظيمها فإن الذين تلقوا الدرس بشكل جيد
يكملونه بواسطة التدوين، وبعد مدّة يحولونه إلى الأستاذ للنظارة
والتقييم، وإذا حصل لدى كاتب من الطلاب مشكلة أو إشكال يطرحه في
الحاشية، وأحياناً كان بعض الطلاب الأذكياء والمنتخبين في نفس الوقت
الذي يتلقوا فيه المطالب يدرسونها لآخرين تحت عنوان تقرير..
وقد بدأ سماحة آية الله العظمة الروحاني دام ظله بعد مدة قصيرة من
مشاركته في دروس خارج سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره بدأ
بتقرير تلك الدروس، ومثل أستاذ جلس في مقعد التدريس وكان يدرس البحث
ذاته بدقة كبيرة لمجموعة من الراغبين، ومن هذه الجهة أيضاً تولدت لديه
رابطة خاصة بينه وبين آية الله السيد الخوئي قدس سره، وهكذا فقد أدت
قدرة سماحته إلى جذب أستاذه أكثر من أي وقت آخر لأن الطالب الذي يقوم
بتقرير دروس خارج أستاذه بهذه الطريقة بدون شك فإنه يتمتع بمقام علمي
عالٍ، بالإضافة إلى هذا العمل الصعب فقد التحق منذ فترة الشباب بهيئة
أساتذة النجف الأشرف، وبقي مشغولاً بالتدريس والتحركات العلمية حتى
أخرجوه من تلك الديار..
ورود سماحته إلى قم:
من أهم الأمور التي يجب الالتفات إليها بالنسبة لعلماء الدين، هي
أنّهم منذ ورودهم إلى ساحة العلم والمعرفة، وبشكل دائم يبذلون الجهد
لتحصيل المعلومات اللازمة، ويستغلون الفرص بشكل تام كي يستطيعوا إظهار
وإعطاء ما حصلوه بصورتين:
١. في الأعمال والأخلاق..
٢. في البيان والتكلّم..
لأنّ التحصيلات إذا أعطيت عن طريق التكلم فقط ولم يكن لها أي تأثير
روحي في النفس والشخصية، فإنها تفقد قيمتها وامتيازاتها، أمّا إذا سرت
إلى الأخلاق والأعمال، فوجود مثل هؤلاء الأشخاص الذين يتمتّعون بهذه
الصفة يكون مصداقاً للعالم..
إن علماء الدين، وبعد طي مراحل تحصيل العلوم والوصول إلى مراتب عالية
تظهر عندهم وظيفة جديدة وهي التوجه نحو ما حصلوه..
ان سماحة آية الله العظمى الروحاني دام ظله الوارف، وبعد الانتهاء من
تحصيل وكسب العلوم من أساتذة الحوزة العلمية الكبار في النجف الأشرف
أصبح في صف كبار العلماء ومراجع الدين، وكان يفكر في إعطاء ما تلقاه
حتى يستطيع أن يأخذ سهماً مهمّاً في تربية وتعليم الراغبين بالعلوم
والمعارف الدينية، ولذلك ترك النجف الأشرف باتجاه الحوزة العلمية في
قم، ومنذ وروده إلى مدينة العلم والإجتهاد بدأ بالتدريس..
في سنة ١٣٦٩ هـ ق دخل إلى قم وبدأ في مستوى مراجع ذلك العصر الكبار
بدروس خارج الفقه والأصول مع مجموعة هم في العصر الحالي من كبار علماء
ومدرسي الحوزة العلمية في قم..
درّس خمس دورات كاملة في بحث خارج الأصول التي كانت تتألف كلّ واحدة
منها من عدّة سنوات من التحقيق العميق والتدريس اليومي، أمّا بالنسبة
لخارج الفقه فإنه لم يُحدد له زماناً لأنّه ومنذ ورود سماحته إلى هذه
المدينة وحتى الآن لا يزال مستمراً بتدريسه..
إن طريقة تدريس العلماء في الحوزات العلمية ليس لها حالة معينة يتبعها
الجميع ويدرسون على أساسها، بل إن كل شخص يختار وينتخب طريقاً في
كيفية التدريس وإفهام المطالب اعتماداً على ذوقه وتجاربه..
وإن سماحته في تدريسه يستخدم أسلوبا جيداً جدا، إذ يستطيع أن يوضح
للطلاب في كل جلسة مطلباً معيناً ويساعدهم في طريق استنباط الأحكام من
الآيات والروايات، أو الإستفادة من القواعد الأصولية..
إن التدريس في كل السطوح والمراحل وخاصة في مراحل بحث خارج الفقه
والأصول يجلب معه بركات مفيدة جدا وقيّمة، وأهم هذه البركات أن
الأساتذة الكبار وأصحاب العلم والفضل يسعون بكل قدرتهم وفي جميع
المجالات لتطوير أهداف الحوزات العلمية، وضمن المحافظة على الدين
والأحكام الإلهية يخطون خطوات مهمة في مجال تربية وتعليم وتنمية
الإستعدادات، ويقدمون للمجتمع أفراداً مؤهلين لتأمين احتياجات الناس
المعنوية والثقافية..
وقد بذل سماحته في هذا المجال الكثير من الجهد منذ وروده إلى مدينة قم
المقدسة، وربّى أفراداً مؤهلين في صف المجتهدين والعلماء الكبار،
وقدّمهم إلى المجتمع الإسلامي، والذين يعتبر قسمٌ كبيرٌ منهم في الوقت
الحاضر مدرسين في الحوزات العلمية..
بالإضافة إلى أن سماحته كان يهتم بالتدريس ونقل معلوماته القيّمة إلى
الراغبين بالعلم ، وتعليم طلاب العلم كيفية استنباط الأحكام الإلهية
فقد قام أيضاً بتحقيقات مهمّة جداً في مجال تأليف الكتب الأصولية
والفقهيّة.
وبانتشار هذه الكتب يكون سماحته قد وضع بين يدي العلماء والمحققين
الحوزويين إمكانات مفيدة ومؤثرة، وهنا سنشير إلى الكتب التي
ألّفها..
مؤلفاته:
١- زبدة الأصول: الذي يتألف من ٤ مجلدات باللغة العربية ويحتوي على
جميع المباحث الأصولية..
٢- فقه الصادق: يتألف من ٢٦ مجلّد باللغة العربية، وقد أعيد طباعته
ثلاث مرات، وله مكانة خاصة بين كتب الاستدلال الفقهي.
وقد طُرح هذا الكتاب تحت عنوان مرجع للعلماء في قسم خارج الفقه ككتاب
جواهر الكلام لمؤلفه الشيخ محمد حسن النجفي قدس سره.
وفي مقام المقايسة أعطى بعض الكبار وأصحاب العلم والفضل الأولوية لهذا
الكتاب التحقيقي، واعتبروه متقدماً على "جواهر الكلام".
٣- مناسك الحج باللغة العربية..
٤- الاجتهاد والتقليد..
٥- القواعد الثلاثة.
٦- رسالة في فروع العلم الإجمالي..
٧- المسائل المستحدثة.
٨- تعليق على وسيلة النجاة للمرجع الكبير المرحوم السيد أبو الحسن
الأصفهاني..
٩- تعليق على العروة الوثقى..
١٠- توضيح المسائل باللغة الفارسية..
١١- تعليق على منهاج الصالحين لآية الله العظمة السيد الخوئي قدس
سره.
١٢- مناسك الحج باللغة الفارسية.
١٣- ملخص المسائل المستحدثة باللغتين الفارسية والأوردو.
١٤- منتخب توضيح المسائل الذي يرتبط بالمسائل المهمة.
١٥- منتخب الأحكام باللغة العربية.
١٦- مختصر الأحكام، رسالة عملية بالفارسية.
١٧- منهاج الفقاهة، وهو شرح وتعليق على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري
(ره) ويتألف من ٦ مجلدات، وأعيد طبعه مرّتين.
١٨- رسالة في اللباس المشكوك.
١٩- رسالة في القرعة.
٢٠- رسالة في قاعدة لا ضرر.
٢١- الجبر والاختيار، طُبِعَ ثلاث مرّات..
٢٢- تحقيق في مسألة الجبر والاختيار ( تحقيق در مسأله جبر واختيار)
باللغة الفارسية.
٢٣- الحكومة الإسلامية.
إن سماحة آية الله الروحاني (دام ظله) عندما يدوّن ويؤلّف ويحقق في
المباحث الفقهية فإنه يلحظ ما يحفظ فيه المجتمع الإسلامي وخاصة
المجتمع الشيعي كي يعلم الجميع وخاصة أعداء الأئمة عليهم السلام أن
جميع الأسرار الإلهية والحقائق القرآنية هي عند الأئمة الأطهار عليهم
السلام ، وأن كل ما يحتاج إليه العالم اليوم أو في المستقبل الذي
يتطور فيه العلم قد جاء في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، وأن
أعداء الإنسانية لم يعطوا الفرصة للأئمة المعصومين عليهم السلام ، أو
حتى للذين أخذوا عنهم الكثير من الحقائق كي يستطيع الناس أن يعلموا
الكثير من الأسرار الإلهية.
على أي حال، فإن سماحته ومنذ عدة سنوات دوّن أثره الكبير والخالد "فقه
الصادق" ونشره في ستة وعشرين مجلداً، صحيحٌ أن هذا العمل استغرق سنوات
طويلة من عمره, لكنه في الحقيقة قدّم خدمةً كبيرة ونادرة للعالم
الإسلامي والحوزات العلمية، كما يدلّ هذا الأثر على رشده وإحاطته
العلمية الواسعة بالبحوث الفقهية والأصولية، لأنّ هذا الكتاب وضمن
مكانته وتماثله مع جواهر الكلام وحصوله على امتيازات أكثر من قبل أهل
الفن، فقد عرض المباحث الأصلية التي تعتبر من أمهات المسائل الفقهية
في المجال الفردي والأجتماعي بصورة موضوعات مستقلة ، ومارس التحقيق
بشكل علمي.
وكذلك فإن كتاب "منهاج الفقاهة" في مجلداته الست هو عبارة عن حاشية
على مكاسب الشيخ الأنصاري، إذ أن الّذين يريدون فهم المكاسب بشكل جيد
أو التعرّف على طريقة تحقيق المرحوم الشيخ الانصاري ، فإنهم يحتاجون
إلى هذا الكتاب بدون شك، لأنّه يتطرق إلى أصل هدف الشيخ الذي ذكر بشكل
خفي في المكاسب وليس قابلاً للفهم بسرعة.
إن مثل هذه الآثار، إذا وُضعت بجانب بعضها البعض، وكانت مورد توجه أو
تحقيق أصحاب الفن والعلماء الكبار، فهي بدون شك تدفع الى اليقين بتسلط
وتبحر سماحته في هذه العلوم، إذ أنّه استطاع كغواص محترف ومجرب أن
يغوص في المحيط العظيم والواسع للمعارف والمباحث الدينية وأن يضع في
اختيار الجميع جواهراً قيّمة.
وكان من ضمن الذين اهتموا بكتاباته وخصوصاً كتابه " فقه الصادق " من
المراجع الكبار أمثال سماحة آية الله العظمى البروجردي الذي أخذ معه
كتاب فقه الصادق مرتين إلى المنبر ونقل منه بعض المطالب.
ومثل سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي الذي تفضل في الرسالة التي
كتبها للمؤلف بما نصه: "أنا شخصياً أخذت كتاب فقه الصادق إلى آية الله
كاشف الغطاء وقلت له أنظر أي خدمةٍ قدّمت للعالم الإسلامي والفقهي، إذ
ربّيت مثل هذا العالم المحقق".
بالإضافة إلى عدد من العلماء الكبار..