قدّمَ سماحةُ سيّدنا الأُستاذ الفاضل مُحَمّد باقر السيستاني ( دامت
إفاضاته) تعزيةً بمصابنا بشهادة مولانا الإمام علي بن الحُسَين ، زين
العابدين وسيّد الساجدين (صلواتُ الله وسلامه عليه ) المصادف في يوم
غدٍ الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام ، وكذلك بذكرى هدم مرقد
العسكريين ( صلوات الله عليهما ) في يوم أمس ، الثالث والعشرين من
محرّم الحرام .
: عظّم الله أجورنا وأجوركم - و نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يزيدَنا
في هذه المناسبات ولاءً لهم واقتداءً بهم واهتداءً بهديهم ، وأن
يُذَكِّرنا بما اتّصفوا به مِن القيم السامية الإلهيّة والإنسانيّة من
معاني الرشد والحكمة والفضيلة ، كالتقرّب للهِ تعالى ومَحبّته
واستحضاره والنظر الصائب إلى هذه الحياة وما بعدها.
: وعرضَ سماحته مَضامين قرآنيّةً قيّمةً جدّاً من آيات سورة الزمر( 41
-75 ) :
:1: حيث يُذكَر فيها (( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ
فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ
(41)))، والتي هي نداء اللهِ تبارك وتعالى ، لنا وواعية الحقيقة في
هذه الحياة لِمَن كان له قلبٌ ورغبةٌ في معرفة الحقيقة ، وكانت تهزّه
هذه المعرفة واحتمالها وآفاقها .
:2: إنَّ هذه الآيات الكريمة في سورة الزمر في قوله
تعالى:((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي
لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا
الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ
شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(44))).
تحثّ الإنسانَ على مَزيدٍ من الهداية وتحذّره من الضلالة ،
وتُذَكِّره بالموت ، وتُحذّره من التمسّك بالأسباب الزائفة والواهمة
الناشئة من التلقينات والأوهام والخرافات، وتنتقد توجّه الإنسان
إلى هذه الأسباب الزائفة ، وتُنبّهه على طول ندمه في يوم الجزاء على
الأعمال الخاطئة التي مارسها في هذه الحياة .
:3: تعيب هذه الآيات الشريفة على الإنسان تقلّب حالاته وعدم استقامته
،(( فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا
خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ
بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ
قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ (50))).
فإذا أصابه ضرُّ شكا من مقادير الحياة ، بينما ينبغي له أن يعتبر هذا
الضرّ اختباراً ويسعى إلى أن ينجح في هذا الامتحان ، وإن أنعمَ اللهُ
عليه بشيءٍ احتسب ذلك من قدراته وقابلياته ولم يلتفت إلى دور
مقادير الحياة وسننها الرائعة في ما استطاع من الوصول إليه ، فهو
دائماً يشكو من مقادير الحياة كلّما أصابه نقص ، ولا يلتفت إلى تلك
المقادير إذا أصابته نعمةٌ ، بل ينسب هذه النعمة إلى نفسه .
:4: وبعد هذا العتاب في الآيات الكريمة والانتقاد للإنسان تعرض عليه
الرجوع إلى الله ،سبحانه وتعالى ، وتوصيه بالإسراع إلى التوبة والثبات
عليها حتى لا يندم حين
لا مَندم ، وقبل أن يأتي يوم الفصل الذي يمتاز فيه الناسُ بحسب
مراتبهم .
قال تعالى :(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54))).
: وذَكَّرَ سماحته أيضاً بدعاءٍ لمولانا علي بن الحَسَين( صلوات الله
عليهما) في الاعتذار مِن تبعاتِ العبادِ ومِن التقصير في حقوقِهم وفي
فكاكِ رقبته من النار .
- هذا الدعاء الشريف يُعلّم الإنسانَِ ويُنبّهه على وظيفة الانتصار
للمظلوم وأداء الشكر لصاحب المعروف وقبول اعتذار المُسيء، وإيثار ذي
الفاقة والسائل وأداء الحقوق وستر العيوب وغير ذلك ممّا تضمّنه – من
مرتكزات تربويّة وأخلاقيّة واجتماعيّة .
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ
بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْه ، ومِنْ مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ
فَلَمْ أَشْكُرْه ، ومِنْ مُسِيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْه
، ومِنْ ذِي فَاقَةٍ سَأَلَنِي فَلَمْ أُوثِرْه ، ومِنْ حَقِّ ذِي
حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْه ، ومِنْ عَيْبِ
مُؤْمِنٍ ظَهَرَ لِي فَلَمْ أَسْتُرْه ، ومِنْ كُلِّ إِثْمٍ عَرَضَ
لِي فَلَمْ أَهْجُرْه - أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ - يَا إِلَهِي -
مِنْهُنَّ ومِنْ نَظَائِرِهِنَّ اعْتِذَارَ نَدَامَةٍ يَكُونُ
وَاعِظاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ أَشْبَاهِهِنَّ ،
فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه ، واجْعَلْ نَدَامَتِي عَلَى مَا
وَقَعْتُ فِيه مِنَ الزَّلَّاتِ ، وعَزْمِي عَلَى تَرْكِ مَا يَعْرِضُ
لِي مِنَ السَّيِّئَاتِ ، تَوْبَةً تُوجِبُ لِي مَحَبَّتَكَ ، يَا
مُحِبَّ التَّوَّابِينَ ) الصحيفة السجاديّة ،ص 166 .
: تقرير – مرتضى علي الحلّي – النجف الأشرف .
: الثلاثاء – الرابع والعشرون مِن مُحرّم الحرام – 1441 هجري .