فقه الحب والبغض (4) : المقدمة . النقطة الثالثة في عموم الأحكام لكل الامور الاختيارية . في كون الحب والبغض من الامور الاختيارية .

2020/06/01

 بسم الله الرحمن الرحيم
الفقه . الدرس ٤  الاربعاء  . ٥ شهر رمضان.  ١٤٤١
فقه الحب والبغض . المقدمة . النقطة الثالثة  في عموم الأحكام لكل الامور الاختيارية .  في كون الحب والبغض من الامور الاختيارية .

وعلى ذلك يحمل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا التي ورد أنها نزلت في أمير المؤمنين سواء كانت مختصة به أو كان أظهر مصاديقها .

ومنه ما روي عنه صلوات الله عليه  في نهج البلاغة أننه قال : َلوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا - عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي - ولَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ - عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي - وذَلِكَ أَنَّه قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ( ص ) - أَنَّه قَالَ يَا عَلِيُّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ ولَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ.

 (الجمات : جمع جمّة وهو مجتمع الماء من الأرض . البحراني ).

فهو يدل على أن مقتضى الايمان حبه , والا كيف صارت المودة في القربى أجرا للرسالة في قوله تعالى : ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ . الشورى 23) وسماها الله تعالى ( حسنة ) وجعلها سببا للأجر .

وجعلها سبيلا اليه كما قال تعالى: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا . الفرقان 57) ومن ثم يتضح كيف أن الجزاء الحسن لذلك وحسن عاقبته يعود بالخير على الانسان نفسه في قوله تعالى: ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. سبأ 7 ) .

وأما ما يستفيده الفقهاء من قوله تعالى : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:129].
من كون المراد (به العدل في المحبة) كما قد يستفاد من بعض الروايات ، وذكره المفيد قده  وكثير من الفقهاء والمفسرين.

فلا يصلح لإثبات أن طبيعة المحبة غير اختيارية ، بل إن العدل فيها بين المختلفين غير مستطاع عادة خصوصا مع تأثر القلب  بشكل متواصل بالسلوك ومن هنا فإن محبة الزوجة الواحدة والزوج والوالدين والاولاد والاخوان لا تكون على درجة واحدة بل هي بطبيعتها تزيد وتنقص بحسب ما يتحقق من موجبات أو محبطات لها أو بحسب ما يدرك القلب من مناشئ فيكون ضبط المشاعر لتتساوى وثبت بالدقة في الشخص الواحد شبه متعذر فكيف يكون حال التساوي بين اثنتين أو ثلاثة أو أربعة .

وإن أبيت ذلك فلا ريب في كونه قادرا على التحكم بالأمر بالتحكم في ايجاد مقدماته بأن لا يحقق موضوع الزواج المتعدد .

وينبغي أن لا يفوتنا أن الإنسان بطبعه الأولي مفطور على حب ما يلائمه والانجذاب اليه وهو مفطور على الانجذاب الى الكمال والخير ، كما أنه مجبول على الانجذاب الى أهوائه وشهواته ، ولكن ميول القلب واتجاهاته قابلة للتعلق بالمصاديق بشكل مختلف بسبب الغفلة والالتفات الى تحقق المناشئ في هذا المصداق أو ذاك، و المرحلة الأولية من الانجذاب هي المرحلة الطبعية التكوينية التي يكاد يشترك فيها عامة الناس والمراحل التالية لها هي التي يتفاوت فيها الناس فيرتقون الى أعظم الدرجات ، أو يهوون الى أسفل السافلين ، وهي التي جاءت التشريعات لتوجيهها وتهذيبها ، بل وردت بيانات الثقلين في غالب الأحيان بصياغات ارشادية لكي تكشف لها مكامن القبح والذل والشر والشقاء في بعض ما قد يتعلق به القلب مما لا ينبغي التعلق به ، بل ينبغي كرهه وبغضه . من قبيل قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )، وقوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) ، وعن (علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بجدي أسك ( 2 ) ملقى على مزبلة ميتا ، فقال لأصحابه : كم يساوي هذا ؟ فقالوا لعله لو كان حيا لم يساو درهما ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله)، و ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (المرأة عقرب حلوة اللبسة).

فقه الحب والبغض في الله, [٢٨.٠٤.٢٠ ٢١:٥٣]
كما أنها في طوائف أخرى من مضامينها الشريفة تكشف لها أيضا عن الجوانب المشرقة التي تتحقق فيها مناشئ الحب كمالا وجمالا حقيقيا وخيرا وسعادة عظمى .

والخلاصة في قول الله تعالى : (  زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ () قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ال عمران 15)

فالحاصل أن غالب مصاديق الحب والبغض من الأمور الاختيارية التي يمكن تحكم الارادة بها ولو من خلال التحكم بمقدماتها  فهي تصلح لكي تكون موضوعا للحسن والقبح العقلي و متعلقا للتكليف الشرعي، وإن كانت بعض مواردهما قد تكون خارجة عن ذلك ولو بالنسبة لبعض الناس كالأم البسيطة التي لا تستطيع أن تنفك عن حب ولدها مهما ارتكب من موجبات البغض.

وبناء على كل ذلك ينبغي النظر الى الأدلة بتجرد عن كل ما تقدم دفعه من الشبهات في شمول الأحكام للأمور غير الجوارحية ، أو الشبهات في كون الحب والبغض من الأمور الاختيارية .
وبذلك ينتهي الكلام في المقدمة  
ولا بد من البحث في تحديد الموضوع ( الحب والبغض في الله ) وبيان المراد منه ، ثم البحث في ثبوت المحمول له وهو الحكم الشرعي , وما توفيقي الا بالله .  

المرحلة الاولى في معنى الحب والبغض في الله .
ويجري البحث فيها عبر عدة نقاط :

الأولى : في المفاد العرفي للحب والبغض في الله .
أما الحب فهو من المعاني البديهية التي لم أظفر بلفظ أعرف منه يصلح لتعريفه، ولكن ما ينبغي بحثه في المقام هو بيان معنى ( في )
التي مفادها بالأصل هو الظرفية عند فقد القرينة ، ولكنها في المقام ليست كذلك لعدم تصور معنى معقول للظرفية فينبغي أن تحمل على معنى السببية وتكون من قبيل ( امرأة دخلت النار في هرة ) أي بسبب هرة ..يتبع


السيد حسين الحكيم


*ملاحظة " بحث استدلالي فقهي رمضاني في موضوع أخلاقي قد تكون فيه أحكام شرعية إلزامية فيها نصوص قرانية وحديثية كثيرة ولكنها لم تأخذ نصيبها المناسب من البحث الفقهي علما أن المدونات لا تمثل الرأي النهائي بل هي خلاصة للمسودة التي تطرح للمناقشة في الدرس" 
أخترنا لك
معاناة طالب علم يسكن في حجرة صغيرة في مدرسة الشربياني

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة