#علوم_القرآن_١
الوحي في اللغة: هو الإعلام السريع الخفي سواء بالإيماء أو الهمس أو
الكتابة في السرّ، وكل ما ألقيته الى غيرك بسرعة خاطفة ففهمه فهو وحي،
واعتبر بعض اللغويون أنه الخفاء وحده، وبعضهم السرعة وحدها.
الوحي في القرآن
استعمل القرآن لفظ الوحي بعدة معاني منها:
١- الإيماءة الخفيّة، قال الله سبحانه عن زكريا النبي: (فَخَرَجَ
عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ
سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
٢- تركيز غريزي فطري أي شعور باطني في تكوين الكائنات وفطرتها، كالوحي
الى النحل (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)، ومناسبة استعارة
اللفظ في هذا الإستعمال أن الجامع بينهما هو الخفاء وكيفية الإلقاء
والتلقّي.
٣- إلهامٌ نفسي، شعور في باطن الإنسان قد يخفى عليه مصدره، وقد يُلهم
أنه من الله، وقد يكون من غير الله، وهذا المعنى معروف لدى الروحانيين
بظاهرة التخاطر عن بُعد، قالوا بأنها فكرة تنتقل من ذهن إنسان لآخر،
أو إلقاء روحي من عالم الأرواح، أو فكرة رحمانية توحيها الملائكة
لهدايته، أو وسوسة شيطانية يلقيها أبالسة الجنّ لغوايته.
مثال الإلهام الرحماني: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ
أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ...)،
ومثال الوسواس الشيطاني: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ
أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) و(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ
الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ).
٤- الوحي الرسالي، استعمله الله سبحانه في القرآن الكريم في أكثر من
سبعين موضعاً، منها: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا)، وامتاز الأنبياء بظاهرة الوحي عن غيرهم من الزعماء
والمصلحين والعبقريات الملهَمين، وهذه الظاهرة ممتدة منذ بدء البشرية،
والوحي الرسالي لا يعدو المفهوم اللغوي بكثير بعد أن كان إعلاماً
خفياً واتصالاً غيبياً.
وهو على ثلاث أنحاء كما جاء في قوله سبحانه: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)، أي إلقاء
في القلب، أو تكليم من وراء حجاب بخلق الصوت في الهواء دون أن يُرى
شخص المتكلم، أو إسال ملك الوحي ليكلّمه إما عياناً يراه وأما بسماع
صوته فقط.
فيكون الفرق بين الوحي الرسالي وغيره بمصدره الغيبي المتصل بما وراء
المادة.
ولأن الوحي ظاهرة روحية فإن مهبطه بكل أقسامه هو قلب النبي (ص) وروحه
الباطنة، قال سبحانه: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ)، وكما
قال العامة الطباطبائي فإنّه لم يكن يتلقّى الوحي بالحواس الظاهرة،
وإلا كان مشتركاً بينه وبين غيره.
ونخلص مما ذُكر الى تعريف الوحي الرسالي بأنه: اتّصال روحي بين الملأ
الأعلى وشخصية الرسول الباطنة مع معرفة مصدره الغيبي بعلمٍ قاطع دون
تردد أو شك في أنه وحي السماء، خلافاً للإلهام، ويفرق عن الاستلهام
النفسي بأنه من خارج النفس.
المصادر/
١- التمهيد في علوم القرآن ج١، العلامة محمد هادي معرفة.
٢- علوم القرآن دروس منهجية، السيد رياض الحكيم.