#العقيدة (١٦)
#العقيدة_١٦
إن سبب تقديم بحث الدين على بحث وجود الله والنبوة، مع أن اللازم حسب
الترتيب المنهجي للبحث هو أن الدين فرع وجود الله ونبوة النبي، لكنّا
قدمناه لأن أكثر الشبهات والإشكالات، وأغلب من لا يؤمن بالدين، ولا
يهتم به، نتيجة شبهة عرضت له في الدين، أو إشكال لم يعرف جوابه فظن أن
الدين باطل، فالغالب وجود شبهة في الفرعيات، ولهذا قررنا تقديمه على
البحوث المعمقة، لإزالة الشبهات والالتباسات وتوضيح حقيقة الدين.
دراسة الدين
الدين مصطلح مثير للجدل، يعرف أحياناً بالاعتقاد بما وراء الطبيعة
وبالمقدس والإلهي، وللدين ارتباط بالأخلاق وممارسات الإنسان التي
تتجسد في علاقاته وعباداته وطقوسه.
هناك مجموعة من العلوم الإنسانية تعنى بدراسة الذين:
فعلى المستوى الاجتماعي: يتكفل بدراسته علم الاجتماع الديني، ويدرس
فيه دور الدين والمؤسسات والتنظيمات والشخصيات الدينية المُلهمة في
المجتمع.
وعلى المستوى الأنثروبولوجي: الذي يعبر عنه بعلم الأناسة، يدرس فيه
الأديان وتطورها في المجتمعات المختلفة، وعلاقة الدين باعتقادات
المجتمع.
وعلى المستوى النفسي: يتكفل بدراسته علم النفس الديني، ويدرس فيه
الحاجة النفسية للدين ودوافع ارتباط الإنسان به، كما يدرس فيه التجارب
الدينية المختلفة.
وعلى المستوى التاريخي: يتكفل بدارسته علم تاريخ الأديان، ويدرس فيه
تاریخ الاعتقادات الدينية في الحضارات المختلفة.
وعلى مستوى المقارنة: يتكفل بدراسته علم الأديان المقارن، حيث يبحث عن
أوجه التشابه والاختلاف بين الأديان، سواء كانت سماوية أو غير
سماوية.
وعلى المستوى الفلسفي: تتكفل بدراسته فلسفة الدين، حيث يُبحث هناك عن
أهمية الدين ودوره في حياة الناس.
فيما يجب معرفته من الدين
قال رسول الله (ص): (الإيمان عقد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل
بالأركان)،
وقال أمير المؤمنين (ع): (الإيمان معرفة بالقلب،
وإقرار باللسان، وعمل بالأركان).
والنصوص بهذا المعنى كثيرة مستفيضة.
أما عمل الأركان فهو عبارة عما فرضه الله تعالى على الإنسان من عمل،
والذي يتكفل بذلك علم الفقه، وأما معرفة القلب والإقرار باللسان فهو
ما نبحث عنه هنا، وتوضيح ذلك: أنه قد أجمع المسلمون على وجوب الاعتقاد
بأمور ثلاثة، وهي المدار في الإسلام والكفر، وهي أصول الدين:
الأول: التوحيد،
وهو وجود الله عز وجل، وانفراده بالخلق والتدبير والربوبية واستحقاق
العبادة.
الثاني: النبوة،
وهي نبوة سيدنا محمد بن عبد الله (ص) ورسالته عن الله تعالى للخلق من
أجل تبليغهم بدينه في الأمور الاعتقادية والعملية.
الثالث: المعاد والبعث بعد الموت،
وأن الله سبحانه وتعالى يحيى الناس بعد موتهم، ويحاسبهم على عقائدهم
وأعمالهم، ويجزيهم على الخير والطاعة الثواب، وعلى الشر والمعصية
العقاب.
والأدلة على وجوب الاعتقاد بهذه الأمور الثلاثة متظافرة من الكتاب
والسنة وسيرة النبي (ص)، ومن الطبيعي أن الاستدلال بالكتاب المجيد
وسنة النبي (ص) وسيرته على وجوب هذه الأمور الثلاثة لا يتم إلا بعد
ثبوت وجود الله عز وجل ونبوة النبي (ص)، وإنما ذكرناه هنا من أجل
التنبيه على احتمال وجوب هذه الأمور، ليجب الاحتياط بالفحص عنها، في
مقابل بقية الحقائق الدينية التي لا يجب الفحص عنها من أجل الاعتقاد
بها حتى لو كانت ثابتة في الدين، كما يأتي توضيحه.
أما الشيعة الإمامية فقد زادوا على هذه الثلاثة أمرين آخرين، وأوجبوا
الاعتقاد بها، وهي شرط في الإيمان وفي النجاة من النار.
الأول: الإمامة،
وهي إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (ع) من بعد النبي سلام (ص)
بلا فصل، بنص من الله تعالى.
الثاني: العدل،
وهو أن الله عز جل عادل لا يمكن أن يظلم العباد.
هذا وحیث لابد في الاعتقاد بالشيء من قيام الدليل المقنع عليه، بحيث
يكون الاعتقاد به عن قناعة وبصيرة تامة، لحرمة القول بغير علم، ولما
فطر عليه العقل من عدم حسن الاعتقاد بالشيء من غير دليل، فلابد حينئذ
من النظر في الدليل على ثبوت الأمور الخمسة المذكورة.
كما يجب الاعتقاد إجمالاً بكل ما جعله الله تعالى وأنزله على رسوله،
وبكل حقيقة دينية، والإذعان بذلك كله على إجماله، إذا لم يعلم
بتفاصيله، إذ إن مقتضى العبودية لله تعالى -بعد ثبوت الأدلة على صحة
العقائد المذكورة- التسليم بكل ما حكم به وجعله، والتصديق بكل ما بلغ
به وبيّنه، والإذعان بجميع ذلك كما وصل، إجمالا أو تفصيلاً، والرد
لشيء من ذلك مضادة لله تعالى شأنه ينافي العبودية له، بل حتى التوقف
عن التسليم له لا يناسب العبودية له.
وقد أكد على ذلك القرآن المجيد، والسنة الشريفة، في آيات كثيرة،
وأحاديث مستفيضة، عن المعصومين (ع).
قال الله عز وجل: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ
وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُوا
بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وقال جل شأنه: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ
رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ).
وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال:
(الإسلام هو التسليم...).
وعن أبو عبد الله (ع): (لو أن قوماً عبدوا الله
وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا
شهر رمضان، ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله (ص): ألا
صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين)، ثم
تلا هذه الآية: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، ثم
قال أبو عبد الله (ع) : (عليكم بالتسليم).
فإذا كان الإنكار على ما جعله الله تعالى وعدم الرضا به منافياً
للإیمان، فكيف بإنکاره رأساً وعدم الإذعان والاعتقاد به؟!
نعم، لابد في الاعتقاد بالشيء والإذعان به من قيام الدليل عليه، وحصول
العلم به، ويحرم التسرع في ذلك ظناً وتخرصاً من دون بينة وبصيرة، وهو
افتراء على الله تعالى، بل أقبح الافتراء ومن أعظم المحرمات.
قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا).
وكما يحرم الاعتقاد بالشيء من دون دليل عليه، يحرم أيضا الاعتقاد
بعدمه من دون دليل، لأنه افتراء أيضاً وقول بغير علم، وكما يحتاج
الإثبات إلى دليل يحتاج النفي إلى دليل، ولا يكفي في نفي الشيء عدم
وجدان الدليل عليه، بل اللازم التوقف حتى يتضح الحال إثباتاً أو نفياً
بدلیل وافٍ وبرهان كافٍ، يصلح عذراً بين يدي الله تعالى يوم يعرضون
عليه، ويوقفون للحساب بين يديه.
واللازم مع الشك التوقف والاكتفاء بالإيمان الإجمالي والاعتقاد بما
جعله الله تعالى في الواقع، على ما هو عليه، كما سبق.
المصادر/
١- أصول العقيدة، السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.
٢- أفي الله شك؟، الشيخ مرتضى فرج.
الباحث المحقق http://t.me/Albaaheth