لفظ الجلالة (الله)

2020/06/02

#التفسير (١٤)

لفظ الجلالة (الله) عزّ وجلّ:
أجلّ لفظ في الممكنات كلها، لأعظم معنى في الموجودات جميعها، بهت في عذوبة لفظه کل سالك مجذوب، وتحير في عظمة معناه جميع أرباب القلوب، تتدفق المحبة والرأفة عن الاسم، فكيف بالمعنى؟! فكأن نفس المعنى يتجلى فيه، ويقول: (إني أنا الله لا إله إلا أنا)، جمعت فيه من الكمالات حقائقها، ومن الألطاف والعنایات دقائقها ورقائقها، يطلبه الملائكة الكروبيون كما يطلبه أهل الأرضين، والكل لا يصل إليه، ظهر لغيره بالآثار وخفي عن الجميع بالذات، فما أعظم شأنه، فقد عجزت العقول عن درك أفعاله، فضلا عن صفاته، فكيف بذاته؟! فكلما زاد الإنسان تأملاً فيه، زید تحيراً وجهلاً.

ولفظ الجلالة (الله) أشمل أسماء رب العالمين وهو الجامع للأسماء الحسنى كلها، فكل اسم ورد لله في القرآن الكريم وسائر المصادر الإسلامية يشير إلى جانب معين من صفات الله، والاسم الوحيد الجامع لكل الصفات والكمالات الإلهية أو الجامع لكل صفات الجلال والجمال هو (الله)، وأحد شواهد جامعية هذا الاسم أن الإيمان والتوحيد لا يمكن إعلانه إلا بعبارة (لا إله الا الله)، وعبارة (لا إله إلا القادر... أو الخالق... أو الرزاق) لا تفي بالغرض.

وهي علم للذات المقدسة، وقد عرفها العرب به حتى في الجاهلية، قال لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل، وقال سبحانه: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله).

اشتقاق لفظ الجلالة (الله):
فيه أقوال عدّة فقيل انه غير مشتق واختاره السيد السبزواري، وقيل انه مشتق ومادته لاه بمعنى ارتفع واحتجب واختاره السيد الخوئي، لأنه سبحانه هو المرتفع حقيقة الارتفاع التي لا يشوبها انخفاض، وهو - في غاية ظهوره بآثاره وآياته - محتجب عن خلقه بذاته، فلا تدركه الابصار ولا تصل إلى كنهه الأفكار، وقيل أن أصله الهاء - أي الضمير الغائب - كناية عن عدم إمكان اعتبار الاسم لجنابه تعالى في الظاهر، فأثبتوه في نظر عقولهم، فأشاروا إليه بحرف الكناية، ثم زيدت فيه لام المُلك، إذ قد علموا أنه مالك الأشياء، فصار (له)، ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما وتفخيما، وقيل من أله بمعنى عُبد، أو من وله بمعنى تحير واختاره السيد الطباطبائي، لأنه معبود أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، وقيل إن هذا القول التزام بما لا يلزم، وقيل أن التعبد والتحير عنوان وصفي فلا يصح أن يؤخذ فيما هو اسم للذات المتصف بجميع صفات الكمال.

وروي عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله (ع): (الله) مما هو مشتق؟ فقال: (يا هشام (الله) مشتق من أله وآله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى..)، وعليه دخلت عليها الألف واللام وهي للغلبة، إذ (إلاه) يطلق على المعبود بحق أو باطل، و(الله) لا يطلق إلا على المعبود بحق.

الأحكام الخاصة للفظ الجلالة:
من الأحكام الخاصة للكلمة الشريفة أنه في القواعد الأدبية جواز دخول التنوين عليه بعدما صار علماً، وإذا كانت الألف واللام زائدة فلابد من حذفها عند دخول حرف النداء عليه، فإن حروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام، ألا ترى أنك لا تقول: يا الرحمن ويا الرحيم، وهذا مما اختص به لفظ الجلالة، ولم يوجد نظيره في كلام العرب قط، وإذا كانت الألف واللام داخلة في بنية الاسم، فإن مقتضى ذلك دخول التنوين عليه، وهو ممتنع.

وهمزة الله إن كانت وصلاً فلابد من حذفها في النداء، وإن كان قطعاً فلابد وأن لا ينحذف في قولك (قال الله تعالى) وأن يدخل عليه التنوين أيضا.

ومنها أنه إذا حذفتَ الحرف الأول منها يبقى (لله) وهي مختصة به: (ولله جنود السماوات الأرض)، وإذا حذفت منها أخرى يبقى (له) وهي تدل عليه: (له مقاليد السماوات والأرض)، وإذا حذفت اللام الباقية يبقى (هو) وهي أيضاً تدل عليه سبحانه: (قل هو الله أحد).

في حذف الألف من الكلمة الشريفة (الله):
القواعد الخطية وقانون الرسم، تقتضي في كتابة اللفظة الشريفة إظهار الألف، فيكتب هكذا (اللاه)، ولكنه حذف لئلا يشتبه بخط (اللاه) اسم الفاعل من لها، يلهو، وقيل طرحت تخفيفاً، ولكن لو كان للتخفيف لكان ينبغي أن يكتب باللام الواحد المشدد، كما قيل في (الّذين) ففي التثنية تكتب (اللَذين).

وقيل إنما حذفوا الألف لكراهتهم اجتماع الحروف المتشابهة بالصورة عند الكتابة، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المتماثلة في اللفظ عند القراءة،
لكن يردّه أنه لا يحذف الألف في الخط في كتابة اللاه اسم الفاعل بمعنى اللاهي من اللهو، فلا يتم التعليل.

تفخيم اللام وترقيقها:
تفخم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة، وترقق إذا كان قبلها كسرة.

عجز العقول عن درك معناه:
ورد في الأثر عن الأئمة (ع): (يا من لا يعلم ما هو ولا كيف هو ولا أين هو ولا حيث هو إلا هو)، وعن أبي جعفر الباقر (ع): (اذكروا من عظمة الله ما شئتم، ولا تذكروا ذاته، فإنكم لا تذكرون منه شيئاً إلا وهو أعظم منه)، وعن الصادق (ع): (إن الله تعالى يقول: (وإنّ الى ربك المنتهى) فإذا انتهى الكلام لى الله تعالى فأمسكوا).

مصادر بحث التفسير (١٤)/
١- البيان في تفسير القرآن، السيد أبو القاسم الخوئي.
٢- مواهب الرحمن في تفسير القرآن ج١، السيد عبد الأعلى السبزواري.
٣- الميزان في تفسير القرآن ج١، السيد محمد حسين الطباطبائي.
٤- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج١، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
٥- تفسير القرآن الكريم ج١، السيد مصطفى الخميني.
٦- الاسم الأعظم أو معارف البسملة والحمدلة، محمد الغروي.

الباحث المحقق t.me/Albaaheth
أخترنا لك
السعي نحو الكمال، وفهم العالم، وضرورة طاعة المملوك للمالك

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف