#التفسير_١١
سبب اختلاف الرأي في جزئية البسملة من السور:
إن كل المؤشرات الموجودة في الروايات والنصوص التأريخية التي تتحدث عن
سلوك وتصرفات المسلمين في الصدر الأول للإسلام تدل على أن البسملة هي
جزء من كل سورة عدا سورة (براءة)، ولا يوجد أي مؤشر يعتد به يدل على
العكس، عدا فتوى بعض علماء الإسلام الصادرة في عصور متأخرة عن عصر
الرسول (ص) والصحابة، الامر الذي أدى إلى وجود اختلاف بشأن البسملة
وهذا الامر يثير الانتباه والتساؤل إذ لماذا اختلف علماء الإسلام حول
البسملة دون بقية الآيات؟
ولكن يمكن أن يتضح لنا الجواب إذا رجعنا إلى مجمل النصوص التي تداولها
الباحثون، وما ورد من تأكيدات عن أهل البيت (ع) بالنسبة إلى هذه
القضية، حيث تبرز نكتة واضحة تفسر لنا هذا الاختلاف، إذ إن مذهب علي
(ع) وأتباعه كان هو الجهر بالبسملة في الصلاة، بخلاف التزام بعض
الصحابة الذي لم يكن يجهر بها في القراءة، الامر الذي أدى إلى تحول
هذه القضية إلى قضية سياسية في أواخر عهد الصحابة خصوصاً عندما جاء
الأمويون إلى الحكم، فكانوا يلاحقون أتباع علي (ع) وكذلك السنن
والاحكام التي كان يلتزم بها (ع)، فأصبح الجهر فيها من مختصات أتباع
علي (ع) ومذهب أهل البيت (ع)، وأصبح من يلتزم بالجهر بها يمثل خطاً في
التحرك السياسي بين المسلمين في مقابل الخط الآخر.
ثم سرى الامر بعد ذلك إلى نفس البسملة، فأصبحت مورداً للشك في أنها
آية نكاية بأصحاب هذا المذهب السياسي، حيث نجد المسلمين يعترضون على
معاوية عندما يعمد إلى حذفها في القراءة.
وحين ترتبط قضية دينية بحالة سياسية فإن الأهواء والنظريات المفتعلة
والتحريفات وعمليات التزوير والتزييف يمكن أن تتدخل فيها، بحيث تأخذ
منحى ومنهجا آخر، إلى أن تتحول إلى قضية غامضة فيما بعد بسبب تضارب
الأهواء والآراء.
ولا نقصد بهذا أن كل من يقول بعدم جزئية البسملة للقرآن من العلماء
المتأخرين من أصحاب الأهواء والاغراض أو يمثل حالة انحراف، بل نقصد
بذلك أن بعض المتقدمين الذين أثيرت هذه المسألة في زمانهم وكان عهدهم
عهد صراع سياسي وهوى وتحريف قد وقعوا في هذا الخطأ، الامر الذي أدى
إلى التزام الآخرين بذلك ظناً منهم أنه الصواب بعد أن أصبحت الحقائق
موضع شك وإبهام.
ويمكن أن نفهم هذا المعنى من الرواية التي وردت سابقاً بصدد صلاة
معاوية بالصحابة في المدينة المنورة، حيث يتواجد العدد الأكبر من
الصحابة والتابعين في ذلك العصر، ومثلها ما ورد في الدر المنثور من أن
(أول من أسر ببسم الله الرحمن الرحيم عمر بن سعيد بن العاص وكان رجلا
حيياً)، فلماذا يكون عمر حييا في قراءة البسملة وحدها ولا يعتريه
الحياء في قراءة غيرها من آيات القرآن الكريم؟! وهل ذلك إلا لارتباط
قراءتها جهراً بموقف سياسي معين آنذاك ملفت للنظر بحيث استدعى من عمر
بن سعيد - الذي كان والياً لمعاوية في ذلك الوقت وأموياً، ولكنه كان
يتعاطف مع العلويين - أن يقرأها اخفاتاً لأنه يؤمن بها دون أن يتظاهر
بقراءتها جهراً، لئلا يعارض الخليفة.
وعن الصادق (ع) قال: (ما لهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب
الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم).
وفي هذه الرواية وشبيهاتها دلالة على أن هناك محاولة لكتمان حقيقة هذه
الآية المباركة، وأن القضية قد تحولت إلى قضية سياسية مما أدخل فيها
هذا النوع من الخلاف والصراع والتزوير.
وبهذا البحث نكون قد انتهينا من موضوع جزئية البسملة من القرآن
والسور، لننتقل في البحث اللاحق الى تفسيرها التفصيلي.
المصادر/
١- تفسير سورة الحمد، السيد محمد باقر الحكيم.
الباحث المحقق