#السيرة_١٣
الأحلاف السياسية بين القبائل، وحلف الفضول:
بعد أن ذكرنا في البحث السابق النظام الداخلي للقبائل في شبه الجزيرة
العربية، ومن الواضح أن قدرة القبائل تتراوح بين الشدة والضعف قياساً
بغيرها من القبائل، وإذا كانت كل قبيلة تعيش في صراع مع القبائل
الأخرى من أجل معيشتها، فمن الضروري للقوى الصغيرة أن تعزز قدرتها
الدفاعية، بنحو تستطيع معه أن تصد الهجمات التي يشنّها الآخرون عليها،
من هنا كانت القبائل الضعيفة تتحالف فيما بينها، فكان الصراع والتنازع
بين القبائل على الماء والمرعى يحفزها على التحالف فيما بينها أو
الانضواء تحت لواء قبيلة قوية مقتدرة.
وتنص هذه الأحلاف على أنه إذا تعرض أحد الطرفين إلى أدنى اعتداء، فإن
الطرف الآخر يسارع إلى نصرته، وهكذا يتحقق توازن القوى بين القبائل
إلى حد ما مما يحول دون الحرب أحيانا ، كما إذا شبّت الحرب، فإنها
تكون حرباً شاملة بين القبائل استناداً إلى الحلف المعقود بينها، ويظل
هذا الحلف ثابتاً ما دام الطرفان يرتضيانه، وكانوا لا ينكثون العهود
والأحلاف، وإذا ما نُكث الحلف من جانب واحد، فهذا النّكث يعد خيانة
عندهم.
ويعقد الحلف عادة بين القبائل الضعيفة حسب طلبها، لكن بعض
القبائل الصغيرة كانت لا ترضخ لمثل هذه الأحلاف لو كان بين ظهرانيها
رجال شجعان، وكان من اليسير أن يتحالف عدد من القبائل، کما نجد ذلك في
(حلف الأحابيش) الذي عقد بين قريش ومجموعات مختلفة من الأحابيش الذين
كانوا يقطنون في ضواحي مكة، وقد تُفضّل قبيلة على التحالف مع شخص واحد
بسبب عظمته وشرفه، كما تحالفت خزاعة مع عبد المطلب، إذ ذكروا أنهم لم
يجدوا أبر وأعظم خلقاً وحلما منه.
وهذه الأحلاف كانت تعقد على أساس المصالح المشتركة، كالأحلاف التي
تعقد اليوم في العالم، ومن الطبيعي أن زوال هذه المصالح كان سبباً في
فسخ الحلف، وإذا ما استقرأنا أحلاف العرب جميعها، نجد أن الحلف الوحيد
الذي كان يدافع عن حق المظلوم أمام الظالم هو (حلف الفضول)، وذهب
المؤرخون إلى أنه أشرف حلف عقد بين العرب، فقد أسس للأخذ بنصرة
الضعيف، وحماية حقوق الغرباء والأقلية التي كانت تقطن في مكة، وكان
موضع اعتزاز وفخر لأهل مكة وللعرب جميعا، وذلك لما تضمّنه من القيم
الكريمة، وهو الحلف الذي اشترك فيه النبي (ص)، وكان عمره الشريف آنذاك
٢٥ عاماً، وكان يفتخر به فقال: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان
حلف الفضول، ولو أُدعى إليه في الإسلام لأجبت)، وسبب انعقاد هذا الحلف
أن رجلاً من زبيد جاء ببضاعة إلى مكة، فاشتراها منه العاص بن وائل
السهمي ولم يدفع له المال، فاستغاث الزبيدي عند الكعبة قائلا:
يا قصيّ لمظلومٍ بضاعته * ببطن مكة نائي الدارِ والنّفرِ، وأشعث محرمٍ
لم يقض حُرمته * بين المقام وبين الركن والحجر، وحينئذٍ دعا الزبير بن
عبد المطلب قريشاً إلى حلف الفضول في دار عبد الله بن جدعان، ثم أخذوا
حق الزبيدي من العاص بن وائل، وأعلنوا أن كل من ظُلم في مكة فإنهم
سيدفعون عنه، بغض النظر عن مكانة الظالم وقبيلته.
ومن الجدير بالذكر أنه حدثت مشادّة بين الإمام الحسين (ع) وبين الوليد
بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أميراً على المدينة من قبل معاوية، فتحامل
الوليد على الإمام الحسين، فقال الإمام (ع): (أُقسم بالله لتُنصفني أو
لآخذن سيفي ثم لأقوم في مسجد رسول الله (ص) ثم لأدعونّ بحلف الفضول)
وكان ابن الزبير حاضراً فقال: (وأنا أحلف بالله لو دعا به الحسين
لأجبته حتى ينصف من حقه أو نموت)، وقال مثل ذلك المسور بن مخرمة
الزهري وعبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التميمي، ولما سمع الوليد
بذلك أذعن للإمام الحسين (ع) وأعطاه حقه.
ومن المحتمل أن أحلافاً اقتصادية كانت تعقد بين القبائل أيضاً، وما
حلف قريش وثقيف إلا من هذا النوع إذ حصلت قريش على حظ من بساتين
الطائف في حين تكون ثقیف شريكة في الحرم الإلهي.
لم يكن الحلف قضية سياسية فحسب، بل كان يتخذ طابعاً عائلياً أحياناً،
ويذكر الآلوسي أن العرب كانوا يقصدون کسب أعدائهم وربما كان يتم ذلك
من خلال الزواج المتبادل، وكان خالد بن يزيد عدوا لآل الزبير، وعندما
تزوج رملة أصبح من أشد الناس حبا لهم، ولعل من الأسباب التي دعت إلى
تعدد زوجات النبي هو التأليف بين القبائل وتوحيدها، والنقطة اللافتة
للنظر في الحلف هي أن وجود مثل هذه الأحلاف بين القبائل قد يفضي إلى
الاتحاد النسبي بين قبيلتين، وهناك أمثلة على ذلك.
أما ما عُرف من أن الأحلاف قد انطوت صفحتها بعد الإسلام، لأنه يدعو
إلى الوحدة على أساس العقيدة الإسلامية، وعدم ضرورته بعد ولادة
الحكومة المركزية، ففيه نقاش، إذ نُقل أن أمير المؤمنين (ع) عقد حلفاً
بين أهل اليمن، يضاف إلى ذلك أن المؤاخاة في الحقيقة حلف عقده النبي
(ص) بين المؤمنين بعد دخوله المدينة.
المصادر/
١- سيرة سيد الأنبياء والمرسلين محمد (ص) جامع المحامد كلها، رسول
جعفريان.
٢- موسوعة سيرة أهل البيت ج١، الشيخ باقر شريف القرشي.
الباحث المحقق t.me/Albaaheth