عدم صحة البت والجزم بعدم حقانية الدين

2020/05/14

#العقيدة_١٣

عدم صحة البت والجزم بعدم حقانية الدين:
إن البت بعدم حقانية الدين بتّاً موضوعيّاً منطقياً ليس أمراً وارداً، وذلك لأنه إن لم يُجزم بحقانيته فلا أقل من احتمالها، إذ ليس هناك دليل قاطع نافٍ لها.

وعليه لا يصح للمرء أن يعتقد أنه معذور تجاه ما يقرره الدين من حقائق على أساس اعتقاده بعدم حقانية الدين، وذلك لأن الاعتقاد بعدم حقانية الدين إنما يوجب معذورية المكلف في حال توفر شرطين:

الأول: أن يكون هذا الاعتقاد اعتقاداً جازماً وقطعياً، ولا يحتمل معه الخلاف، ولو بنسبة قليلة، ولا يكفي أن يكون هو الاحتمال الأكبر، لما سيأتي من أن أي احتمال مخالف سوف يكون فاعلاً، بالنظر إلى خطورة المحتمل.

الثاني: أن يكون هذا الاعتقاد ناشئاً من مناشئ عقلائية مقبولة ولائقة بخطورة تلك الحقائق، وهو ما يُعبَّر عنه بالاعتقاد الموضوعي، في مقابل الاعتقاد الذاتي، وهو الاعتقاد الناشئ عن التساهل والتكاسل والاندفاع إلى الرغبات العاجلة.

وبالنظر إلى ذلك نعتقد أن الجزم بعدم حقانية الدين لا تتحقق على وجهها وبشرطيها، وذلك:

١. أنه ليس هناك أي مأخذ علمي جازم لنفي الحقائق التي يثبتها الدين، وقد صرح العديد من علماء الغرب أنه ليس من شأن العلم أن يبت في نفي ما يبلغه الدين، ويتنبأ به، ومن ثم فإن من ادعى الجزم في ذلك كان ادعاؤه غير علمي.

٢. أن حصول جزم بعدم حقانية الدين ناشئ من مبادئ موضوعية واضحة أمر يصعب تحققه بالنسبة إلى عامة الناس، بالالتفات إلى الميراث العظيم للدين وتاريخه وإيمان ملايين الناس به، والتسليم له من قبل نخبة في غاية التعقل والتبصّر، كإذعان الإمام علي (ع) به في الإسلام، فإن الجزم ببطلان هذا الميراث كله وهذه الشواهد كلها أمر غير محتمل من عامة الناس، لأن مداركهم ومنطقهم الفكري في سائر أمورهم في الحياة لا تجري على الجزم بمثل ذلك، فلو ادعى أحدهم الجزم به كان على الأغلب مغالطاً لنفسه، أو كان جزمه غير موضوعي.

٣. أن هذه الصعوبة تزداد بالنظر إلى ضرورة إحراز المرء الجازم أن جزمه ينشأ عن مناشئ موضوعية فعلاً، ولا تأثير لعوامل نفسية أخرى، مثل: الخلود إلى الراحة، والتحرر في ممارساته في هذه الحياة، ووهن الدين في مشاعره بتصرف بعض المحسوبين عليه من رجال الكنيسة في العصور الوسطى، أو بعض المتشددين في العصر الحاضر، أو غير ذلك من المناشئ غير الموضوعية، وتأثير العوامل غير الموضوعية كمشاعر ورغبات الإنسان في إدراكه للأشياء.

٤. أن من غير المعقول أن يدعي المرء الجزم بعدم حقانية الدين في حال لم يسعَ في البحث الجاد بنفسه، ولا اهتم بالاطلاع على المؤشرات المثبتة ومدى إمكان دحضها بنحو قطعي، بل مثل هذه الدعوى تتلقى غير منهجية على وفق المناهج الثقافية والأكاديمية السائدة في هذا العصر، ومن البعيد صدورها من باحث منصف ومثقف.

وعلى الإجمال، إن من الصعوبة بمكان لمن ينفي وجود حقائق كبرى في الحياة أن ينفي وجود احتمال مخالف بأي درجة في هذه المسألة العظيمة والخطيرة مع عدم وجود دليل مادي ملموس ينفي حقانية الدين، وكيف يتأتى النفي الجازم لذلك مع أن الاعتقاد بالأمور المحسوسة لا يخلو أحياناً - بحسب العلم - عن نسبة من احتمال الخطأ، فكيف بهذا النظر المبني على الحدس المحض دون الحس والاختبار والتجربة؟!

المصادر/
١- منهج التثبت في الدين ج٣، ضرورة المعرفة الدينية، السيد محمد باقر السيستاني.

الباحث المحقق t.me/Albaaheth
أخترنا لك
مكّة المكرّمة والكعبة المعظّمة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف