#التفسير_١٢
باء البسملة:
متعلق الباء:
حُذف متعلقها لدلالة الكلام عليه، وتأتي الباء لعدة معاني: الاستعانة
والإلصاق، والقسم والسبب والحال والظرفية والنقل وتأتي زائدة للتوكيد،
وتأتي لمعاني أخرى.
وجملة الجار والمجرور تحتاج الى متعلق لكونها ناقصة لا يصح السكوت
عليها.
فأما إذا كان مذكوراً فلا يختلف فيه اثنان، وإذا كان محذوفاً، ربما
تبلغ الأقوال الى عشرين أو أكثر ولك أن تعد هذه الأقوال، احتمالات
المسألة، ولا معنى لتعيين المحذوف معيناً بعد إمكان كونه كثيراً، حسب
اختلاف موارد الاستعمال ومقاصد الكلام، ومع ذلك لا بأس بالإشارة
الإجمالية إلى اختلاف المفسرين، فقد قيل: ابدأ أو ابتدأت أو أستعين أو
اقرأ أو شبهه، أو قولوا بسم الله.
وقيل ببطلان أن يكون المتعلق هو من القراءة أو القول أو الاستعانة بل
هو من الابتداء، لأن مفعول القراءة أو القول هنا يجب أن يكون هي
الجملة بما لها من المعنى، فلا مناص من تقدير كلمة أخرى،
أما الاستعانة فلأن الاستعانة تستحيل أن تكون من الله تعالى، لغناه عن
الاستعانة حتى بأسمائه الكريمة، والاستعانة من الخلق إنما تكون بالله
لا بأسمائه وقد نص تعالى على ذلك بقوله: (إياك نستعين) فتعين أن يكون
متعلق الجار والمجرور هو أبتدئ، ويدل عليه ما عن النبي (ص) أنه قال:
(كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر)، وقيل إن الاستعانة
هنا بالله.
وقيل إن جملة المحذوف تكون متأخرة، لأنها مضافة الى الاسم الشريف بعدم
تقديم شئ عليه ويناسب المتعارف من الاستعمال، فيتأخر كقول المسافر
(بسم الله) يريد المعنى (بسم الله أحل وأرتحل)، وحسب البلاغة ومقتضى
رعاية الأدب، فإن العبد ينبغي أن يكون في مقام الحصر وقصر الابتداء
والاستعانة وغيرهما من الأمور الممكنة في حضرته الربوبية، فيكون
المحذوف المقدر مؤخراً، لكن ربما يؤيد حسن تقديم المحذوف قوله تعالى:
(إقرأ باسم ربك).
وقيل أن بسملة الحمد متعلقة بقوله: (الحمد لله رب العالمين)، فكأنه
يقول: حمدت أو أحمد الله تعالى حمداً يليق به باستعانة اسم الله
الرحمن الرحيم.
وقيل أن هذه الكلمة الشريفة، خارجة عن قانون لزوم الحاجة إلى المتعلق،
بل سيقت للتبرك بها في ابتداء الأفعال والأقوال فيكون المحذوف هو
الفعل أو مادة من المواد الاشتقاقية مع حرف الصلة.
وقيل إنّ الباء للمصاحبة، للتبرك باسمه سبحانه، وفي الرد على المشركين
بتبركهم بأسماء آلهتهم.
وقيل إنّ الباء للقسم من الرب والمربوب، فهو قسم من ربنا أنزله عند
رأس كل سورة يقسم لعباده إن هذا الذي وصفت لكم يا عبادي في هذه السورة
حق، وإني أفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري،
وأيضا يكون قسماً من العبد على صدق قوله، وتوافق الجملة اللفظية مع
الذهنية والقلبية والروحية، وروي عن الرضا (ع): (أي أسمِّ على نفسي
سمة من سمات الله عز وجل، وهي العبادة) وفيه إشارة الى أن قارئ (بسم
الله) والقائل به، ينبغي أن يجتهد حتى يجد عين هذا القول أنموذجاً من
صفات الله في وجوده، وفي قوله (ع): (وهي العبادة) إشارة الى أن العبد
حين هذا القول، ينبغي أن يخرج من أنانيته التي هي خروج من العبادة
والعبودية، ويخرج من مالكيته واختياره، ويدخل تحت أمر ربه، ويجد ذلك
من نفسه حتى تكون منه هذه الكلمة صادقة، ولا يكون هو كاذبا بينه وبين
الله، سواء أريد بكلمة (بسم الله) إنشاء الاتصاف بسمة من سمات الله أو
الإخبار به.
قراءة الباء:
قرؤوا الباء بالكسر، وأن الأصل فيها السكون، لأنه الأصل في المبنيات،
فحرك لامتناع الابتداء بالساكن، لكن ذلك مخالف للاستقراء من وجود
البناء على الحركات، والظاهر أن السيرة القطعية والقراءة المحكية على
كسر الباء في البسملة.
مد الباء:
روي عن الصادق (ع) : (ولا تمد الباء حتى ترفع السين) ولعل معنى الحديث
أنه لا يجوز مد الباء وقت رفع السين للزوم تكرار السين، واشرب في كلمة
"حتى" معنى الزمان.
نكتة عقائدية في الباء:
إنّ في تعلق الباء بجملة دالة على أن العبد يستعين بالأسماء الشريفة
في أفعاله، يمكن أن يقال: بأن في ذلك رداً على المفوضة والمجبرة
القائلين بأن أفعال العبد مفوضة إليه، ولا مدخلية لله تعالى فيها،
والقائلين بأن العباد مجبورون فيها ولا اختيار لهم، إذ إنّ العبد
يستعين، فالاستعانة فعله، وهو تعالى يعينه، وإليه يرجع قوله: (بحول
الله وقوته أقوم وأقعد) فإن الفعل مستند إليه، إلا أن الاستناد إلى
العلة الحقيقية أتم وأقوى، وهذا ليس معناه سلب اختيار العبد في
أفعاله، كما توهم جماعة الأشعريين.
المصادر/
١- تفسير القرآن الكريم ج١، السيد مصطفى الخميني.
٢- البيان في تفسير القرآن، السيد أبو القاسم الخوئي.
٣- الميزان في تفسير القرآن ج١، السيد محمد حسين الطباطبائي.
٤- الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين ج١، السيد عبدالله شبر.
٥- مواهب الرحمن في تفسير القرآن ج١، السيد عبد الأعلى السبزواري.
الباحث المحقق t.me/Albaaheth