#العقيدة_١٢
شبهات وجوابها:
٢- إنّ البحث عن الدين بحث عقيم، إذ لا ضمان للوصول إلى نتيجة قطعية
يمكن من خلالها تنظيم السلوك الإنساني، ولذلك يجب أن نبحث عن أشياء
نطمئن من أنها توصلنا إلى النتيجة المطلوبة.
الجواب:
أولاً: جوابٌ نقضي، إنّ من المستبعد أن يقضي الإنسان حياته في ظل ظروف
صعبة دون أن يفكّر بحلّ لمشاكله اليومية، فالإنسان العاقل يسعی بكل ما
أوتي من قوة لتسهيل ظروف حياته، فهو يسعى من خلال التجارب العملية أن
يصل إلى تحقيق أهدافه، كما أنّ البحث في القوانين الطبيعية والقواعد
العلمية مستمر، فكم وصل الإنسان إلى النتائج التي يطمح إليها بعد قرون
من السعي والبحث العلمي؟ وعلى الرغم من اعتراف العلماء بعدم قدرة
البشر حالياً على حل مسائل علمية كثيرة، وتأخر إتيان البحوث العلمية
ثمارها، واعترافهم بعدم قطعية بعض النتائج التي يتوصل إليها الإنسان
عن طريق العلوم التجريبية، فلماذا يستمر البحث عن القوانين الطبيعية
والعمل بموجب ما تم اكتشافه منها إلى الآن؟
إن الأمل بحل المسائل الأساسية في الدين لا يقل عنه في المسائل
العلمية الأخرى، وإذا كان الإنسان يسعى في حل المسائل التجريبية
عقوداً أو قروناً من البحث على أمل حلها، فإن سعيه في حل المسائل
الأساسية في الدين في مدة محدودة سيكون أكثر وجاهة ومقبولية.
ثانياً: جوابٌ حَلّي، وهو أنه بعد أن بينّا ضرورة البحث في موضوع
الدين بما مرّ في البحوث السابقة من الدوافع، وأن الدين حسب المعادلة
الثلاثية وقاعدة اتّباع الحكمة هو أخطر وأهمّ موضوع يواجه الإنسان في
حياته كلّها، لتحذيره بوجود حياة لا منتهية بعد الموت، وعلى أساس ذلك
تكون درجة المحتمل في المعادلة لا منتهية، ومن ثَمّ، فلا بُدّ من
البحث في الدين، ولو كلّف العمر كله، سواء أوصل لنتيجة أم لا.
وقيل في صياغة الشبهة بتقرير آخر أن كل ما ليس بالتجربة والحس ليس
يقينياً، ونتيجته غير قطعية، فلا نبحث فيه، لكنّ كلامهم هذا هو غير
تجريبي، فلا عبرة فيه أيضاً على حسب قولهم! بل إنّ كل دليل تجريبي
يبتني على مقدّمات عقلية لا تجريبية ولا حسيّة، وعلى قولهم يكون العلم
كلّه باطلاً! بل إنّ التجربة تعتمد على الحس، والحس أكبر خطأً من
العقل، فلا يمكن الإعتماد على الحس حسب قولهم! والحق أن الخطأ في
العقل أو الحس لا يلغي العلم والاستدلال من أساسه، بل إن الضبط والدقة
في الاستدلال يوصل الى نتيجة مضمونة عقلياً، كما أن التكرار في
التجربة يوصل الى نتيجة مضمونة حسيّاً.
وقد صيغت الشبهة بصياغة ثالثة، وهي أن معرفة الله تعالى ممتنعة، فيكون
البحث بدون نتيجة، لكنّ غرض الأدلة العقلية إثبات قضايا تصديقية
يقينية إلهية، كالتصديق بوجود المبدأ الواجب بالذات ووحدانيته وصفاته،
ولا يلزم منها تصور الذات الإلهية الممتع ذاتاً، وبذلك نستوعب دلالة
الجملتين في حديث النبي (ص): (تَفكّروا في خلق الله، ولا تُفكّروا في
الله تعالى)، وفصّلها أمير المؤمنين علي (ع): (لم يُطلع العقول على
تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته)، فيتبين إن مرجع الأمر في
الحديث النبوي إلى إمكانية البحث والتصديق العقلي، حيث يقول الإمام
علي علي (ع): (بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالنظر
تثبت حجته)، بينما مرجع النهي عن التفكّر في الله إلى الامتناع
الذاتي، بسبب قصور إدراك الإنسان ومحدوديته عن إدراك اللامحدود.
٣- سيأتي أن معرفة الله فطرية موجودة في ذات الإنسان، وعلى هذا فكيف
يُبحث عنه وهو معروف بالفطرة؟ إذ إنّ البحث هو فرع الشك والجهل.
الجواب:
أولاً: إنّ غاية ما توصل إليه المعرفة الفطرية هو وجود الله وتوحيده،
وبلا شك أن البحث لا ينتهي عند هاتين الجهتين، ويؤيده ما قاله العلامة
الحلّي: (أجمع العلماء كافة على وجوب معرفة الله تعالى وصفاته
الثبوتية والسلبية وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة الإمامة
والمعاد) وكل هذا يندرج ضمن الرؤية الإلهية ويجب البحث فيه لنفس
الدوافع البحثية المذكورة سابقاً.
ثانياً: إنّ المعرفة تنقسم لقسمين، إجمالية وتفصيلية، وحتى على فرض أن
التوحيد هو من ضمن المعرفة الفطرية، فإن هذه المعرفة إجمالية، ولا
يمتنع تحصيل المعرفة التفصيلية فيها، فإن للتوحيد مراتب، وكذلك سائر
جهات الرؤية الإلهية، ويشير لذلك قول أمير المؤمنين (ع) في مقوّمات
الرؤية الإلهية التوحيدية: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق
به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص
له نفي الصفات عنه).
وعلى هذا فلا عذر للباحث في بحثه أبداً، إذ عرّفه الله نفسه بإعطائه
العقل وإرساله الرسل وتحذيره من المعاد، وأن البحث من الخطورة ما
يوصله لحدّ الضرورة، وأن للبحث نتيجة، إذ إنّ معرفته غير ممتنعة في
المراتب المطلوب معرفتها، وأن المعرفة الفطرية مقتصرة على وجود الله
والتوحيد إجمالاً لا تفصيلاً، فيلزم البحث في سائر المواضيع على نحو
التفصيل.
مصادر بحث العقيدة (١٢)/
١- الرؤية الكونية الإلهية دراسة في الدوافع والمناهج، الشيخ علي
العبود.
٢- مجلة الدليل ج١، تصدر عن مؤسسة الدليل التابعة للعتبة الحسينية
المقدسة.
٣- دروس في العقيدة الإسلامية، محمد تقي المصباح اليزدي.
٤- أصول الفلسفة والمنهج الواقعي ج٢، السيد محمد حسين الطباطبائي،
تعليق الشيخ مرتضى مطهري.
الباحث المحقق