صفات العرب قبل الإسلام وموقف الإسلام منها

2020/04/06

#السيرة_١١

صفات العرب قبل الإسلام:
لقد امتاز العرب قبل الإسلام ببعض الصفات التي تمدحهم الناس بها وأثنوا عليهم لأجلها، وهي صفات قليلة بالنسبة إلى ما يقابلها من صفات وعادات ذميمة، ولكننا إذا دققنا النظر فيها فإننا لا نجد فيها ما يوجب مدحاً بل ربما كانت عكس ذلك تماماً، لأن ما يعطي للشيء قيمته الحقيقية هو دوافعه ومنطلقاته وأهدافه، ومن حيث ذلك فلا نجد ما يستحقون المدح من أجله وكما سنوضّح، ومن الصفات التي امتاز بها العرب:

١- الكرم وحسن الضيافة، وهذا هو الأمر الوحيد الذي احتج به أبو سفيان على صحة دينه! ولكنه في الحقيقة وإن كان في نفسه حسناً، إلا أنه لا يعبّر عن حسن فاعلي، إلا إذا كان بذلهم للمال نابعاً من إيمانهم بمثل أعلى، يدفعهم إلى البذل والعطاء، وهو رضى الله سبحانه، أو كان نابعاً من عاطفة إنسانية، إلا أنه قد يكون الدافع إبعاد العار، والتحرز من هجاء الشعراء، وحتى لا يسير ذكرهم في البلاد في اللؤم والخسة، أو أملاً بحسن الذكر، أو طمعاً بزعامة قبيلة أو منافسة قرين، حتى إنّ التأريخ يذكر أن زيد الخيل يَعِدُ بالعطاء بعد أن يشن الغارة، ويعطيه مما نهب، رغم أن هذا يؤدي لسفك الدماء! هذا، ولا بد من الإشارة الى أن عجز البدوي تجاه قوى الطبيعة الصحراوية القاسية، من شأنه أن يولد فيه الشعور بضرورة الالتزام بأمر الضيافة، إذ لا يمكنه حمل قوته في أسفاره الشاقة والطويلة.

۲ - عصبيتهم للقبيلة وللعشيرة، إذ إنهم يرون أن النصر لا بد أن يكون لذوي قرابتهم، وأن العون لا بد أن يمحض له، ظالماً كان أو مظلوماً، وعبّر القرآن عن ذلك بحمية الجاهلية، لأنها مبنية على الجهل، وعدم التثبت.

٣- الشجاعة، وتكون فضيلة للشخص بحسب دوافعه وأهدافه واستعمالها، ولعل مما يساعد على نشوء الشجاعة عند العرب طبيعة الحياة في الصحراء، ومواجهتهم الخطر المستمر من الحيوان، ومن بني الإنسان على حد سواء، يشعر كل فرد منهم أنه مسؤول عن حماية نفسه، ما دام أنه في كل حين عرضة للغزو والنهب والسلب وأخذ الثارات، هذا بالإضافة إلى أنه لا يأكل في كثير من الأحيان إلا من سيفه ويده، فمن لم يكن شجاعاً فاتكاً أُكل، أو على الأقل لم يستطع أن يأكل، فكأنهم يتعاملون بمنطق: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، وهل يمدح الذئب على فتکه بفريسته؟

٤- النجدة والإقدام، والكلام فيها كالكلام في الشجاعة، إلا أننا نشير هنا إلى أن ما يشجع على ذلك هو اطمئنان العربي إلى أنه غير مسؤول عما يعمل، بل هو منصور من قبل قبيلته على كل حال، ظالماً كان أو مظلوماً، إضافة لذلك فإن عمليات الغزو المفاجئ والاغتيال يستدعي سرعة الإقدام، ومباشرة العمل فوراً، وكل هذا جعل فيهم حساسية متناهية وانفعالاً سريعاً ولذا قلّ أن تجد فيهم حليماً.

ه - الأنفة والعزة، والاعتداد بالنفس، والنزوع إلى الحرية، وقوة الإرادة والفصاحة، وقوة البيان، والجوار، وهي أمور حسنة في نفسها، ولعل منشأها بالإضافة إلى ما تقدم، هو عدم تعرضهم لهيمنة سلطة مركزية، وعدم خضوعهم للنظام والقانون، ولا للإذلال والقهر، مما من شأنه أن يعطيهم حرية في التصرف والحركة والقول.

٦- الوفاء بالعهد، وهو أمر حسن في نفسه، إلا أن يكون عهداً مضراً بالمجتمع، ولجأ اليه العرب لا لقيمته، بل لأنهم يحتاجون إليه لمواجهة مشاكل حياتهم الخاصة.

الإسلام وتلك الصفات:
لقد حاول الإسلام أن يضع تلك الصفات في خطها الصحيح، وأن يجعلها تنطلق من قواعد إنسانية، وعواطف حقيقية، وإحساس دیني صحيح، ليستفيد منها في بناء الأمة على أسس صحيحة وسليمة، أما ما كان منها لا يصلح لذلك، فقد كان يهتم بالقضاء عليه، واستئصاله بالحكمة، والموعظة الحسنة، كلما سنحت له الفرصة، وواتاه الظرف، فمثلاً، جعل المنطلق للكرم وبذل المال هو العاطفة الإنسانية والشعور بحاجة الآخرين، بالإضافة إلى طلب الأجر والمغفرة من الله تعالى، بل مدح الإيثار على النفس، حتى في موقع الخصاصة والحاجة الملحة.

أما العصبيات القبلية، فقد حاول أن يوجهها وجهة بنّاءة ويقضي على كل عناصر الشر والانحراف فيها، فدعا إلى بر الوالدين وصلة الرحم، وأدان كل تعصب لغير الحق وندد به وعاقب عليه واعتبر ذلك من دعوات الجاهلية المنتنة.

ووجّه الشدة والقسوة إلى حيث تكون في صالح الدين والإنسان، ودفع الظلم والانحراف، والحفاظ على الحق، وأن لا تأخذ المؤمن في الله لومة لائم، ويريد أن تتحول هذه الشدة إلى رحمة وحنان وسلام بين المؤمنين أنفسهم.

المصادر/
١- الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج٢، المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي.

الباحث المحقق t.me/Albaaheth
أخترنا لك
عدم صحة البت والجزم بعدم حقانية الدين

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف