السيرة (٧)
لابدّ وقبل الدخول في عصر الإسلام معرفة بيئة ظهور الإسلام الجغرافية
والسياسية والثقافية والدينية والعلمية، لنعرف الفترة التي نجح فيها
رسول الله (ص) في نشر الإسلام.
موقع شبه الجزيرة العربية الجغرافي:
تقع شبه الجزيرة في أقصى الجنوب الغربي من آسيا، يحيطها الماء من ثلاث
جهات، تحدها اليابسة من الشمال فقط ومع ذلك فإنها تعاني من شح في
المياه، وتفتقر هذه المنطقة الى نهر يساعد في التنقل ونقل البضائع،
والنهر الوحيد الذي يجري في أراضيها يقع في اليمن، وتحيطها الجبال،
وتعاني أغلب سواحلها من وجود الاسفنج والموانع الطبيعية التي تمنع
السفن من التوقف فيها، ولكثرة الصحاري والرمال فيها يؤدي هبوب الرياح
إلى تشكل الكثبان الرملية الذي يجعل السفر آنذاك مستحيلاً.
ولهذه الظروف كانت شبه الجزيرة العربية في مأمن من سيطرة الروم والفرس
عليها بل كان اليهود الهاربين من حكّام الروم يلجأون اليها.
يسمى سكان هذه المنطقة في الحضر والمدن بالعرب، وأما أولئك المنتشرون
في البادية والصحراء فيسمون بالأعراب، وفي سبب التسمية خلاف، ولقرون
عدة قبل الإسلام يقسم العرب الى مجموعتين:
١- العرب العاربة وهم القحطانيون، يسكنون جنوب شبه
الجزيرة ويرون أنهم يعودون الى يعرب بن قحطان.
٢- العرب المستعربة وهم العدنانيون، يسكنون وسط
وشمال شبه الجزيرة، ويرون أنهم يعودون الى عدنان حفيد إسماعيل.
اتصفت العلاقة بين القحطانيين والعدنانيين بالعدائية والمنافسة منذ
قديم الزمان، واعتبر كل منهما الآخر أذل وأدنى منزلة.
وذکر علماء الأنساب قسماً ثالثاً وهم العرب البائدة وهم قبائل عاد
وثمود وغيرها.
المنطقة الجنوبية ودولها:
وبسبب توفر مياه الأمطار في الجنوب توفرت أراض زراعية وكثافة سكانية
واحترف سكّانها الزراعة والتجارة ونشأت القرى والمدن ونشأت الروابط
والعلاقات وبالتالي وُضعت القوانين رغم بساطتها، وبما أن القانون
وتأسيس الدولة أمران متلازمان، ولذلك نرى بأن دول وحكومات كثيرة قد
تعاقبت في جنوب شبه الجزيرة العربية لمئات السنين قبل الميلاد.
وعلى العكس داخل الجزيرة فقد كان السكّان يفتقرون الى الماء الكافي
ويتنقلون بحثاً عنه، ومن الطبيعي أن لا ينشأ مكان إقامة ثابت ولا حياة
إجتماعية في ظروف كهذه، ولهذا لم تظهر أي علامة تدل على وجود حضارة
هناك، وأطلق على سكان هذه المنطقة لقب البدوي من البدو وهي
الصحراء.
ولأجل ظروف المنطقة الجنوبية التي ذكرناها فقد كانت حافلة بالتغيرات،
وكانت تسمى اليمن السعيد، وشهدت حكومات متعددة، ومن أهم الدول التي
أقيمت عليها: دولة سبأ، حكمت لتسعة قرون تقريبا، بسطت سيطرتها واستولت
على الطريق التجاري في المنطقة، وورد اسم دولة سبأ في سورة النحل
وسورة سبأ.
انهارت دولة سبأ عام ١١٥ ق.م. ووصل الحميريون الى السلطة، وأرسل الروم
إليهم وفداً وبنوا الكنائس هناك وبذلك بدأت المسيحية بالتوغل في شبه
الجزيرة، وازدادت هجرة اليهود للجزيرة خصوصاً مع انهيار اورشليم، حتى
جاء حاكم الى دولة حمير اعتنق اليهودية وحارب المسيحيين، حتى أنه أباد
مسيحيي نجران جماعياً بقذفهم في حفر من النيران وينقل أن عدد الذين
قتلوا ٢٠ ألفاً، وأشار القرآن الى ذلك: (قُتِلَ أَصْحَابُ
الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ...)، وانتهى حكم الحميريون
بهجوم الحبشيين عام ٥٢٥ م، وحاكمهم أبرهة بنى معبداً وروّج المسيحية
ومنع العرب من زيارة مكة، حتى أهان رجل حرمة المعبد، فأقسم أن يهدم
الكعبة وتوجّه لها بجيش من الفيلة، ومعروفة بأصحاب الفيل وسيأتي ذكرها
لاحقاً، وسقطت دولة الحبشة على يد الساسانيين عام ٥٧٠ م، ولم تشهد
المنطقة بعدهم قيام دولة كبيرة حتى ظهور الإسلام.
سيل العرم:
عم الاضطراب جنوب شبه الجزيرة العربية بسبب انهيار سد مأرب من جهة
(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ...) ونشوب
النزاعات الداخلية التي أشرنا إليها من جهة أخرى، ادى ذلك الى هجرة
السكان من هذه البلاد، توجه بعضهم للأردن واستوطنوا قرب حدود
إمبراطورية الروم وأسسوا دولة الغساسنة، وانتقل بعضهم نحو العراق
واستقروا قرب المناطق الخاضعة للإمبراطورية الساسانية (الفرس)، وأسسوا
دولة المناذرة، واستقرّ مع اليهود في يثرب (المدينة المنورة) الأوس
والخزرج، واستقرّت قبيلة خزاعة في مكة بين العدنانيين.
المصادر/
١- تاريخ الإسلام التحليلي، د. جعفر شهيدي.
٢- بيئة ظهور الإسلام، السيد محمد حسين بهشتي.
٣- موسوعة التاريخ الإسلامي ج١، الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي.
٤- الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج٢، السيد جعفر مرتضى العاملي.
الباحث المحقق