الأدلة النقلية في ضرورة البحث عن الله، ومعنى أن على الله أن يعرّف الخلق نفسه

2020/03/30

#العقيدة_١١

الأدلة النقلية على ضرورة البحث عن الله ومعرفته:
وتنقسم قسمين:
١- الآيات الحاثّة على التفكّر والتأمل في ظواهر الخلق والكون، والهدف تنبيه عقل الإنسان فطرته، إذ ذكرنا أن كل ميل فطري يحتاج الى التحفيز،
وهذه الآيات آفاقية أي كل ما يحيط بالإنسان وأنفسية متمثلة في خلقة الإنسان العجيبة، ومن هذه الآيات قوله عزّ وجلّ: (قُلِ انظُرُوا ماذا في السَّمَاواتِ وَالأرضِ..) وقوله: (أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاواتِ وَالأرضَ وَمَا بَينَهُمَا إلَّا بِالحَقِّ وَأجَلٍ مُسَمّى..)، ومعنى (في أنفسهم) إما ظرفية أي يتفكرون في حال الخلوة مع أنفسهم، أو متعلّق التفكير أي يتفكرون في أمر أنفسهم وخلقها، وقوله: (قُل سِيرُوا فِي الأرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأ الخَلقَ ثُمَّ الله يُنشِئُ النَّشأةَ الآخِرَةَ..)، وقوله: (أفَلَا يَنظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيفَ خُلِقَتْ وَإلى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَتْ وَإلى الجِبَالِ كَيفَ نُصِبَتْ وَإلى الأرضِ كَيفَ سُطِحَتْ).

٢- الآيات الحاثّة على كون المعرفة العقائدية عن دليل:
ورد في القرآن الكريم عدة آيات تذمّ بها أهل العقائد الباطلة ومستندها في هذا الذم سلوكهم ذلك الطريق بلا بيّنة وبرهان بل متابعة عمياء لآبائهم أو استسلاماً لبعض الظنون الأوهام، وهذا يدلّ على أنه لا طريق الى الاعتقاد إلا بالدليل والبرهان، ومن الآيات المطالبة لهم بالدليل على عقائدهم قوله عزّ وجلّ: (قُل أرَأيتُمْ مَا تَدعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أرُونِي مَاذا خَلَقُوا مِنَ الأرضِ أمْ لَهُمْ شِركٌ فِي السَّمَاواتِ ائتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبلِ هَذَا أو أثَارَةٍ مِنْ عِلمٍ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، وقوله: (فَأتُوا بِكِتَابِكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ)،  وقوله: (وَمَا يَتَّبِعُ أكثَرُهُمْ إلَّا ظَنًّا إنَّ الظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ الحَقِّ شَيئًا).

والدليل النقلي على ضرورة البحث والمعرفة هو إرشادي لا مولوي، وهذا خلاف الأشاعرة، إذ إن حجيّة الدليل وصدقه متوقفة على معرفة الله، ومعرفة الله تتوقف على البحث، فكيف يكون المتوقف على معرفة الله هو الدافع نحو البحث عن الله، وهذا دور باطل واضح، ويلزم منه إفحام الأنبياء، إذ لو قال النبي إبحث يقول المكلف لا أبحث حتى أعرف، ولا أعرف حتى أبحث، إذ لا حجية للنبي عليه قبل معرفة الله، وبالتالي لا يكون للنبي سلطان عليه، وهذا لا يكون.

والصحيح أن يقال أن الدليل الشرعي يدل على لزوم النظر والمعرفة بتوسّط الفطرة والعقل، من لزوم دفع الضرر المحتمل واتباع الحكمة ولزوم شكر المنعم والإنقياد للفضيلة، فإنّ الشرع حينئذٍ يكون منشأً لاحتمال الضرر وترك الفضيلة، لإمكان صدقه، كما بينّا في البحث التاسع عن مناشئ احتمال الضرر.

ومن هنا نخلص الى أن الشرع جاء مقرراً للضرورة الفطرية العقلية، ومنبّهاً للنفوس ومفتّحاً للأذهان وموجّهاً لها على ما تقتضيه طبيعة العقول، ومؤيّداً للفطرة العقلية.

شبهات وجوابها:
١- أن المعرفة لا تجب على الخلق بل على الله جلّ شأنه أن يعرفهم نفسه، حتى أن ثقة الإسلام الشيخ الكليني عقد في كتابه الكافي باباً لذلك أسماه: (باب البيان والتعريف ولزوم الحجة)، وجاء فيه سؤال الإمام الصادق عن المعرفة من صنع من هي؟ فقال: (من صنع الله..)، وعنه (ع): (ليس لله على خلقه أن يعرفوا، وللخلق على الله أن يعرّفهم، ولله على الخلق إذا عرّفهم أن يقبلوا) وغيرها، وهذا يناقض الأدلة المذكورة على وجوب البحث والمعرفة.

والجواب عن ذلك: أن العقل هو أول رسول من الله الى خلقه، وأعظم حجة على بريّته، وأكبر شاهد على عباده، وهو الفيصل الحق والحجة القاطعة بين العابد والمعبود، فيكون مراد الروايات الواردة أن الله يتعرّف لخلقه بعقولهم بواسطة إلقاء الدليل العقلي لعقولهم، ولا يكلفهم ما ليس في قدرتهم ووسعهم وما تقف دونه عقولهم، وبالإجمال فإنّه لا بد من العناية الإلهية في تعريف العباد بالمناشئ التي ذكرناها بوجوب طاعته وشكره ووجوب التزود لدار الآخرة، ويمكّنهم من اكتساب العلم ويهيأ لهم ما يتوقف عليه هذا الاكتساب من المعارف الضرورية والبديهية، وكل ذلك من باب لطف الله سبحانه لا من باب الإلزام عليه من أحد، وعلى هذا الجواب يدلّ قول الإمام الصادق (ع): (حجة الله على العباد النبي (ص)، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل)، وهذا الجواب يناسب الوجوب الشرعي بتوسّط العقل والفطرة للبحث والمعرفة الذي ذكرناه آنفاً، فراجع.

يبقى شبهتان نبيّنهما في البحث القادم إن شاء الله تعالى.

المصادر/
١- بداية المعرفة منهجية حديثة في علم الكلام، الشيخ حسن مكي العاملي.
٢- صراط الحق في المعارف الاسلامية والأصول الاعتقادية، محمد آصف محسني.
٣- الرؤية الكونية الإلهية دراسة في الدوافع والمناهج، الشيخ علي العبود.
٤- الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية ج١، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
٥- عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر.

الباحث المحقق
أخترنا لك
عدم صحة البت والجزم بعدم حقانية الدين

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف