#السيرة_١٠
مصطلح الجاهلية:
ورد مصطلح الجاهلية في القرآن الكريم عدة مرات، وهو الإسم الذي يطلق
على ما كانت عليه الجزيرة قبل الإسلام في الفترة ما بين النبي عيسى
والنبي محمد (ص)، وهو مصطلح مستحدث بظهور الإسلام، والقرآن إنما
أطلق هذا المصطلح على العرب كمصداق لمفهوم الجاهلية.
الحالة الاجتماعية عند العرب قبل الإسلام:
عندما نطالع حياة العرب قبل الإسلام نجد أن الوحدة الاجتماعية التي
بني عليها نظام حياتهم هي القبيلة، وتربط بين أفراد القبيلة الواحدة
رابطة العصبية القبلية، فكل فرد يتعصّب لقبيلته سواء أصابت أم
أخطأت، حتى قال شاعرهم: لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات
على ما قال برهانا،
وكانوا يمارسون الإغارة والسلب وسفك الدماء، مما أدى إلى تفشي الظلم
في المجتمع، قال الشاعر: ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه * يهدم ومن لا
يَظلم الناس يُظلم،
حتى إنه إذا لم تجد القبيلة من تغير عليه من أعدائها أغارت على
أصدقائها، وحتى على أبناء عمها، يقول الشاعر: وكنّ إذا أغرن على
قبيل * وأعوزهن نهب حيث كانا، أغرن من الضباب على حلال * وضبة إنه
من حان حانا، وأحيانا على بكر أخينا * إذا ما لم نجد إلا أخانا.
قال أمير المؤمنين (ع): (فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة
متفرقة، في بلاء أزْل، وأطباق جهل، من بنات موؤدة، وأصنام معبودة،
وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة)، وقال (ع): (بعثه والناس: ضلال في
حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء،
واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حیاری في زلزال من الأمر، وبلاء من
الجهل)، وقال (ع): (وأنتم معشر العرب على شر دین، وفي شر دار،
تنيخون بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب،
وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة والآثام فيكم
معصوبة) وقالت سيدة النساء فاطمة (ع) في خطبتها: (وكنتم على شفا
حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطيء
الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد والورق، اذلة خاسئين تخافون أن
يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تعالى بمحمد (ص) بعد اللتيا
والتي).
ومن هذه النصوص وغيرها، يتضح لنا أن معالم نظام حياتهم الاجتماعية
كان قائماً على الظلم بمختلف صوره، من ظلم القوي للضعيف، إلى تحكم
القادر في العاجز، وكانت الإغارة والسلب والنهب والأخذ بالثأر وحب
الانتقام هي العلاقة التي تربط بين القبائل بعضها ببعض، حتى صارت
الحرب نظامهم المألوف وحياتهم المعتادة، وكانت مناقشة تافهة تكفي
لإشعال حرب طاحنة وثارات يتوارثها الخلف عن السلف، وكان القتال إذا
اشتعلت ناره دام عدة سنين وقد يدوم عدة أجيال حتى غدا تأريخهم في
الجاهلية سلسلة من الحروب الداخلية لا تكاد تنتهي.
وقال جعفر بن ابي طالب للنجاشي وقد سألهم عن حالهم: (كنا قوماً اهل
جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام
ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف).
ويقال إن المغيرة بن شعبة قد قال ليزدجرد: (وأما ما ذكرت من سوء
الحال، فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا
نأكل الخنافس والجعلان، والحيات، ونرى ذلك طعامنا، أما المنازل
فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل، وأشعار
الغنم، دیننا أن يقتل بعضنا بعضا، وأن یبغی بعضنا على بعض، وإن كان
أحدنا ليدفن ابنته وهي حية، كراهية أن تأكل من طعامه).
وكان الربا العمود الفقري للاقتصاد عندهم والخمر والقمار الذي كان
يسمونه بالميسر لحصولهم على المال بيسر وسهولة عن طريقه، من ضرورات
حياتهم، وكان السكر والعربدة من المفاخر التي يتغنون بها في أشعارهم
ومجالسهم، حتى بلغ شغفهم بالخمر أنهم رفضوا الإسلام لمجرد تحريمه
الخمر.
وكانو يشركون في العبادة ولا يعتقدون بالمعاد ويعتقدون بأن الملائكة
إناث وأنهنّ بنات الله، كانوا يتناولون الدم والميتة والخنزير
والأنعام التي يعذبونها، وكانوا يستقسمون الأزلام أي قسمون لحم
الذبيحة بالقرعة بينهم عندما يشتريها مجموعة، وكانوا يعتقدون حرمة
الأشهر الحرم ويتحرجون من القتال فيها، إلا أن سدنة الكعبة أو رؤساء
العرب كانوا لقاء مبلغ من المال أو جرياً على أهوائهم يؤخرون الأشهر
الحرم رغبة في مزيد من القتال وهذا الذي عبّر القرآن الكريم عنه
بالنسيء، وربما جوّزوا القتال في شهر محرم وحرّموه في الشهر التالي
له.
ومن مظاهر الظلم في ذلك العصر نظرتهم إلى المرأة، إذ كانت في نظرهم نوعاً من المتاع، فلم يكن لها نصيب من الميراث، بل كانت هي نفسها تورث مع التركة إذا مات زوجها، وكان للوارث -الابن أو القريب- فيها مطلق التصرف وهو أولى بها من غيره ومن نفسها وتكون ملكه، فإن شاء تزوجها، وإن شاء زوجها من غيره، وربما تناوب الأبناء على امرأة أبيهم، ويعرف هذا الزواج بالضيزن أو المقت رغم أنه كان ممقوتاً من الأكثرية، ولم يكن للزواج عندهم حدود، ولا للطلاق قیود، فللرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء، وله أن يطلق متى شاء، ويرجعها متى شاء دون أن يكون لها في ذلك رأي، وله أن يعلقها بين الزواج والطلاق، إلا أن تفدي نفسها بفدية ترضيه.
وأصبح تعري المرأة امراً عادياً غير مستهجن حتى وهي تطوف حول البيت الحرام، وكانت الغيرة عندهم منعدمة، فقد يرسل الرجل زوجته لتنكح غيره ويسمى نكاح الاستبضاع، وكان عندهم الزواج بالأم والأخت والبنت والجمع بين الأختين وإكراه الجواري على الزنا لأجل المال.
أما معاملة العرب لأبنائهم الذكور فكانت تنطوي على المفاخرة بكثرتهم، وكان البعض منهم يقتل أولاده مخافة الفقر، وقد سفّههم الله في ذلك، ونهى عن هذه العادة بقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)، وأما الأنثى فكانت على العموم مجلبة الحزن ومظنّة العار، فكان العربي يحزن أشد الحزن إذا ولدت له أنثى، وبعضهم كان يدفن البنات وهن أحياء مخافة العار والفقر، وفي بعض الحالات كان الرجل يجبر زوجته أن تقوم بهذا الأمر بنفسها كبرياءً منه وعتواً، حتى كانت الحامل لتضع ولادتها قرب حفرة فإذا كانت بنتاً رمتها فيها وإلا فلا، ويقال إن وأد البنات قد اشتهر في بني أسد وتميم وقيس وهذيل وبكر بن وائل، وقد نهى عن ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، والقرآن الكريم يصور لنا الحالة النفسية التي كان يعيشها العربي وهو يبشر بمولد الأنثى في قوله تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، حتى أن جدّ الفرزدق واسمه صعصعة قد اشترى ٢٨٠ موءودة من آبائهن.
المصادر/
١- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) ج٢، السيد المحقق جعفر مرتضى العاملي.
٢- السيرة لمحمدية، الشيخ المحقق جعفر السبحاني.
٣- دروس في السيرة النبوية ج١، د. الشيخ عدنان فرحان آل قاسم.
٤- دولة الرسول، السيد محسن الموسوي.
٥- ذلكم رسول الله (ص)، السيد حسن الموسوي.
٦- سيد المرسلين ج١، الشيخ المحقق جعفر السبحاني.
الباحث المحقق