العقيدة (٣)

ذكرنا أن الدافع الأول للبحث عن أي أمر فضلاً عن الإلهيات والدين، إجابة على سؤال سبب البحث عن ذلك، هو الفطرة والغريزة الإنسانية.

الدافع الثاني للبحث: المعرفة ضرورة فكرية، إذ وجد الإنسان من بين ملايين الكائنات وبرز كموجود متميز ذو قوة عاقلة مفكرة وعندما يعي وجوده وذاته يرى أن التفكير في الأمور وخصوصاً الهامّة أمر ضروري ومنها السؤال عن المبدأ والمنتهى، والفرق بين هذا الدافع والدافع الأول (الفطرة والغريزة) أن الأول من جهة نفس الإنسان، أما دافع الضرورة الفكرية فمن جهة عقل الإنسان وتعقّله بالمقارنة مع باقي الموجودات، وهذا الدافع أعمّ من الأول في البحث عن كل أمر.

الدافع الثالث للبحث: غريزة حبّ الاستطلاع، إنّ غريزة الإنسان تحرّضه على استكشاف المجاهيل المحيطة به ومعرفة حقائقها، ومن هذا المنطلق تنتابه الهواجس والاستفسارات حول كل أمر يصادفه منذ طفولته، فيتحرّى عن منشئه وعلّته، وهذه الغريزة هي التي طورت العلوم التجريبية ومكّنت البشرية من تسخير القابليات الطبيعية ولولاها لبقي الإنسان بدائياً متخلّفاً كغيره من الحيوانات التي لا تملك مثل هذه الغريزة، کتب عالم النفس في معهد الأطباء والجراحين التابع لجامعة كولومبيا ويليام شيلدون (William Sheldon) يقول: (إنّ ملاحظته المتواصلة خلال ممارسته الطبية أوصلته إلى نتيجة قاطعة لا يكاد يوجد مناص منها، هي أن هناك توقاً - رغبة ملحّة - لدى الإنسان، أعمق بكثير من رغبته الجنسية، وأعمق من رغبته للوصول إلى السلطة الاجتماعية، وأعمق من غريزة التملك، وهو التوق إلى معرفة الاتجاه الصحيح، أي توقه إلى الحصول على التوجيه الصحيح نحو الوجهة الصحيحة).

والفرق بين دافع غريزة حب الاستطلاع والدافع الأول (الفطرة والغريزة) هو أن الأول ناتج من جهة إرضاء وإشباع الشعور الديني الفطري المستقل، أما دافع غريزة حب الاستطلاع فهو يعتبر وسيطاً بين الفطرة الإنسانية وبين البحث عن العقيدة، فيكون البحث عندئذٍ غير مستقل بل معتمد على هذا الدافع، فالفطرة هناك تدفع بإتجاه إشباع الشعور الديني مباشرة، والفطرة هنا تدفع بإتجاه إشباع حب الاستطلاع على كل شيء، والذي بدوره يدفع للبحث عن الإله والدين، وهذا الفرق بين الدافعَين من جهة دفعهما بإتجاه البحث عن العقيدة، أما من جهة مصدرهما، فإنّ غريزة حب الاستطلاع هي فرع الفطرة والغريزة، ولا نقصد أنها فرع الدافع الأول، بل الدافع الأول فرع للفطرة والغريزة أيضاً، وبمراجعة ما قدّمناه في الحلقة الأولى من العقيدة، يتّضح ذكرنا لتقسيم علماء النفس الفطرة لأربعة أقسام، فراجع.

ويتّضح بعد ذلك من أن غريزة حب الاستطلاع أعمّ من الشعور الديني.

المصادر/
١- بداية المعرفة منهجية حديثة في علم الكلام، الشيخ حسن مكي العاملي.
٢- لماذا الدين ضرورة حتمية؟، البروفيسور هوستن سميث (Huston Smith) أستاذ الفلسفة وعلم الأديان في عدة جامعات أمريكية.
٣- أجوبة الشبهات الكلامية ج١ التوحيد، محمد حسن قدردان قراملكي.
٤- دروس في العقيدة الإسلامية ج١، محمد تقي المصباح اليزدي.
٥- عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة، الشيخ عبد الله نعمه.

الباحث المحقق