#التفسير_١٠
تكملة أدلة جزئية البسملة من القرآن والسور
والفاتحة:
ذكرنا في البحث السابق خمسة أدلة ذُكرت في إثبات جزئية البسملة من
القرآن والسور، وهي على الإجمال: تدوينها في المصاحف، وقراءة الرسول
(ص) لها مع القرآن، وإجماع الإمامية، وأن تركيب البسملة وحياني ليس
بشري، وضرورة بدء القرآن بالبسملة لحديث أن من لم يبدأ بها فعمله
أبتر.
الدليل السادس: الروايات المستفيضة إن لم تكن متواترة عن
أهل البيت (ع)، نذكر بعضها:
*قد ننقل قول الراوي بالمعنى لكن قول الإمام بالنصّ.
١- الكافي، في رواية أنه كُتب الى ابي جعفر (ع) يسألونه عن رجل قرأ
البسملة في صلاته في الفاتحة ولم يقرأها في السورة بعدها، وقال
العباسي في المسألة أنه ليس بذلك بأس، فكتب الإمام بخطه: (يعيدها
مرتین، على رغم أنفه -يعني العباسي-).
٢- الكافي، عن صفوان الجمال قال: صليت خلف أبي عبدالله (ع) أياماً،
فكان إذا كانت صلاة لا يُجهر فيها جَهر ببسم الله الرحمن الرحیم،
وكان يجهر في السورتين جميعا.
٣- تفسير العياشي، في الرواية أنه سُأل الامام الصادق (ع) عن قراءة
البسملة في الصلاة مع الفاتحة، فقال (ع): نعم، فسأله عن قراءتها مع
السورة بعدها، فقال (ع): نعم.
٤- الكافي، عن صفوان الجمال عن الإمام الصادق (ع) قال: (ما أنزل
الله من السماء كتاباً إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم ، وإنما
كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحیم ابتداءً
للأخرى.
٥- تفسير العياشي عن الباقر (ع): (سرقوا أكرم آية في كتاب الله :
بسم الله الرحمن الرحيم).
٦- الكافي، العلل، رواية صحيحة عن الصادق (ع) في قصة المعراج: (فلما
فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عز وجل: الآن وصلت إلي، فسم
باسمي، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله
الرحمن الرحيم في أول كل سورة.... فلما بلغ ولا الضالين قال النبي:
الحمد لله رب العالمين شكراً، فقال الله العزيز الجبار: قطعت ذكري،
فسم باسمي، فقال: بسم الله الرحمن الرجيم، فمن أجل ذلك جعل بسم الله
الرحمن الرحيم بعد الحمد في استقبال السورة الأخرى.
٧- العلل، عن الصادق (ع): (...فمن أجل ذلك جعل (بسم الله الرحمن
الرحيم) في أول كل سورة...).
٨- تفسير العياشي، في الرواية سُأل الصادق (ع) عن الآية (ولقد
آتيناك سيعاً من الكثاني والقرآن العظيم) قال (ع): (هي سورة الحمد
وهي سبع آیات منها بسم الله الرحمن الرحيم...).
٨- تفسير العياشي، عن الباقر (ع) قال: (كان رسول الله يجهر ببسم
الله الرحمن الرحيم ويرفع صوته بها، فإذا سمعها المشركون ولّوا
مدبرین ، فأنزل الله: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على
أدبارهم نفورا).
٩- تفسير العياشي، عن أمير المؤمنين (ع) بلغه أن أناساً ينزعون
البسملة فقال: هي آية من كتاب الله أنساهم إياها الشيطان.
١٠- التهذيب، سُأل الصادق (ع) عن السبع المثاني أهي الفاتحة؟ قال:
نعم، فسأله عن البسملة من السبع؟ قال: نعم، هي أفضلهن.
١١- الكافي، رواية موثقة عن الصادق (ع) قال: كتموا (بسم الله الرحمن
الرحيم) فنعم والله الأسماء كتموها، كان رسول الله (ص) إذا دخل إلى
منزله واجتمعت عليه قريش، يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها
صوته، فتولي قريش فراراً، فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وإذا ذكرت ربك
في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا).
ولا يخفى لطف مفاد هذه الرواية، فإنها تشير إلى أن هذه الآية من
سورة الإسراء ناصّة على كون البسملة جزء من القرآن، وهناك روايات
أخرى.
ومن طريقهم ما يدل صريحاً على الجزئية منها:
١- صحيح مسلم، عن أنس عن النبي (ص) قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر..
٢- الإتقان، ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن علي (ع): أنه سئل عن السبع المثاني، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقيل له: إنما هي ست آيات،_ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية.
٣- الإتقان، ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة عن النبي (ص): إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني. وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها.
٤- الإتقان، مستدرك الحاكم، ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال: السبع المثاني فاتحة الكتاب، قيل: فأين السابعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
٥- الإتقان، ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم.
٦- مستدرك الحاكم، ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت. (قال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين).
٧- مستدرك الحاكم، ما رواه سعيد عن ابن عباس: أن النبي (ص) كان إذا جاءه جبرئيل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أن ذلك سورة.
٨- مستدرك الحاكم، ما رواه ابن جريج قال: أخبرني أبي أن سعيد بن جبير أخبره، قال: ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال: هي أم القرآن، قال أبي: وقرأ علي سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، قال سعيد: وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة.
٩- السنن الكبرى، البيهقي عن أبي هريرة: أنّ النبي كان يجهر بالبسملة.
١٠- البيهقي، مستدرك الحاكم، عن أنس: صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن (وفي طريق آخر انه لم يقرأها ايضاً) ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها... فلما سلم، ناداه من شهد ذلك من المهاجرين [والأنصار] من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن... (قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم).
١١- الدارقطني، عن ابن عمر قال: صليت خلف النبي (ص) وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقد يقال أن هناك ثلاث روايات عندنا قد تدل على عدم جزئيتها، لكنه لا حاجة إلى مناقشتهن سنداً ودلالةً، بعد قوة دليل الجزئية إلى حد لا يقاومها مثل ذلك، وأن هناك ثلاث روايات عن العامة في عدم جزئيتها لكنها لا تدل على ذلك صراحة وفي دلالتها نقاش، فضلاً عن معارضتها بالصحيح الذي ذكرناه آنفاً.
وقيل إنّ الروايات الدالة على وجوب قراءتها مع السورة أو عدم وجوبها أعمّ من جزئيتها فإنّ وجوب قراءتها وجزئيتها أمران متفاوتان للغاية، مع أن روايات عدم الوجوب محمولة على التقيّة.
وقيل أن استعمالها أول آية لا يتناسب مع عدم استساغة المشركين لذكر (الرحمن)، وعدم مناسبة ورودها في بعض الآيات شديدة اللهجة، لكنّ هذه الأقوال ليست إلا تأييدات واحتمالات لا يمكن أن تكون دليلاً مستقلاً ولم يجزم قائلها بها بل ذكر أن فيها بحث.
وقيل أن طريق ثبوت القرآن ينحصر بالتواتر، فكل ما وقع النزاع في ثبوته فهو ليس من القرآن، والبسملة مما وقع النزاع فيه.
والجواب:
١- أن كون البسملة من القرآن مما تواتر عن أهل البيت (ع) ولا فرق في التواتر بين أن يكون عن النبي (ص) وبين أن يكون عن أهل بيته الطاهرين بعد أن ثبت وجوب اتباعهم.
٢- أن ذهاب شرذمة إلى عدم كون البسملة من القرآن لشبهة لا يضر بالتواتر، مع شهادة جمع كثير من الصحابة بكونها من القرآن، ودلالة الروايات المتواترة عليه معنى.
٣- أنه قد تواتر أن النبي (ص) يقرأ البسملة حينما يقرأ سورة من القرآن وهو في مقام البيان، ولم يبين أنها ليست منه وهذا يدل دلالة قطعية على أن البسملة من القرآن، كما تقدّم، نعم لا يثبت بهذا أنها جزء من السورة، ويكفي لاثباته ما تقدم من الروايات، فضلا عما سواها من الأخبار الكثيرة المروية من الطريقين، والجزئية تثبت بخبر الواحد الصحيح، ولا دليل على لزوم التواتر فيها أيضا.
وبالجملة: فإن هذه المسألة من أمهات المسائل الفقهية.
المصادر/
١- تفسير القرآن الكريم ج١، السيد مصطفى الخميني.
٢- محاضرات السيد محمد باقر السيستاني في تفسير القرآن.
٣- تفسير ملاحم المحكمات، الشيخ محمد السند.
٤- البيان في تفسير القرآن، السيد أبو القاسم الخوئي.
الباحث المحقق