#التفسير_٩
جزئية آية البسملة:
قبل أن ندخل في تفسير الآية تفصيلاً، لابد أن نبحث في جزئيتها من
القرآن والسور إذ إنّ تفسيرها متوقف على كونها آية من القرآن،
فنقول:
في كون البسملة جزءاً من السور القرآنية أو أدباً متبعاً في ابتداء
السور بحث معروف بين القرّاء والفقهاء والمحدّثين منذ طبقة التابعين،
والأقوال فيها متعددة، وصلت الى تسعة أقوال:
١- أنها ليست آية من السور مطلقاً.
٢- أنها آية من جميع السور إلا براءة.
٣- أنها آية من الفاتحة دون غيرها.
٤- أنها بعض آية من الفاتحة.
٥- أنها آية نزلت مرة واحدة وجيء بها مكرراً لبيان رؤوس السور تيمناً
وللفصل بينها.
٦- أنه يجوز جعلها آية من الفاتحة وغير آية، لتكرر نزولها
بالوصفين.
٧- أنها بعض من جميع السور.
٨- أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور.
٩- أنها آية من السور وجزء آية من الفاتحة.¹
أهمّ الأقوال:
١- أنها ليست من القرآن مطلقاً، وعلى هذا القول قرّاء أهل المدينة
المنوّرة والبصرة والشام، وهو قول ابو حنيفة ومالك الذي هو شيخ فقهاء
مدرسة المدينة، وقولهم إنما كتبت البسملة للاستفتاح بها أو للفصل بين
السور.²
من أدلّتهم حديث أنس في صحيح مسلم من أنه صلّى خلف النبي والخلفاء ولم
يذكروها، لكنّه لو صحّ لاشتهر القول وما كان هذا الاختلاف في المسألة،
على أن مسلم نقل عن أنس عن النبي أنه نزلت عليه سورة فقرأ البسملة،
فكيف يجمع بين روايتيه؟!² لكنهم قالوا بكونها أدباً متبعاً في بداية
السور، وقالوا لو كانت من الحمد لوجب أن يكون قبلها مثلها افتتاحاً
لها كما في سائر السور، وهذا من عجيب الاستدلال وبطلانه واضح!¹
٢- أنها ليست من القرآن إلا الفاتحة، وعلى هذا القول جمع من قرّاء
وفقهاء مكة وعن سعيد بن جبير والشافعي وغيرهم²، وشذّ منّا ابن الجنيد
للروايات الواردة في التقية كما ستأتي في البحث اللاحق.⁸
٣- أنها آية مستقلة من القرآن للفصل بين السور، وهو أضعف الأقوال وقد
نشأ متأخراً، حُكيَ عن أحمد بن حنبل² كما حُكي عنه القول السابق أيضاً
وكذلك القول اللاحق⁵، وهذا القول هو احتمال واهٍ ضعيف، لأن مفهوم
البسملة يشعر ببداية العمل، ولا يفصح عن معنى منفصل مستقل³.
٤- أنها آية من سائر السور عدا سورة براءة، وهو المشهور عند كبار
علماء الإمامية، وقد توقف السيد السيستاني في جزئية البسملة عدا
الفاتحة فهي جزءٌ منها.²
الأدلّة على كونها جزءاً من السور القرآنية:
الدليل الأول: التسالم بين المسلمين بنحو قطعي يقيني
جيلاً بعد آخر على تدوينها، وهذا التدوين نظير يقينية القطع
بألفاظ القرآن الكريم المحفوظة في صدور المسلمين جيلاً بعد آخر،
وبإزاء هذا الدليل اليقيني لا ترفع اليد عنه لأجل احتمالات لا تناهض
قوته (ككونها أدباً، أو كونها فاصلاً) ولأجل ذلك أجمعت الأمة على أن
نسخ التلاوة لا يُصار اليه إلا بدليل قطعي⁴، حتى إنّ العلامات الحادثة
في مصحف عثمان كتبت كلها بلون مختلف أو في هامش الصفحات اهتماماً بحفظ
القرآن كما هو²، ولو لم تكن من القرآن لما أثبتها الصحابة والتابعين
في مصاحفهم، فإنّ الصحابة منعت أن يدرج في المصحف ما ليس من القرآن،
حتى أن بعض المتقدمين منعوا عن تنقيط المصحف وتشكيله، وهذا يبطل
احتمال أن إثباتهم إياها كان للفصل بين السور، ويبطل هذه الدعوى أيضا
إثبات البسملة في سورة الفاتحة، وعدم إثباتها في أول سورة براءة. ولو
كانت للفصل بين السور، لأثبتت في براءة، ولم تثبت في الفاتحة.⁵
وقد يعترض بأن الترقيم في بقية السور في تدوين المصحف ليس على جعل
البسملة آية مستقلة، والجواب:
أولا: إنها مدونة في أوائل السور، كما أنها مفصولة في ترتيب الجملة عن
الآية التي تليها، غاية الأمر أن الترقيم لا يبعد أنه حادث لا بمعنى
أصل التعداد وانما بمعنى الفرز والترقيم.
ثانياً: إن غاية عدم الترقيم هو عدم استقلاليتها بل اتحادها مع الآية
الأولى من السورة لا عدم جزئيتها للقرآن وللسور، ويكفي في إثبات
استقلاليتها الروايات الواردة عن أهل البيت، فإن فرز الآيات من قبيل
البحث في القراءات والوصل والفصل في تراكيب الآيات.⁴
ثالثاً: أن هذا ليس بدليل بل هو مؤيد للدليل إن وُجِد، وستعلم أن هذا
التأييد لا يصمد أمام الأدلة القادمة.¹
الدليل الثاني: التسالم بين المسلمين قولاً وعملاً
على أن البسملة نزل بها الوحي في مطلع سورة الحمد وفي مطلع كل سورة لا
سيما أن النبي (ص) كان يتقيد بحرفيّة ما عن الوحي حتى في لفظة (قل)،
لشدّة متابعته لعين ما أوحي اليه⁴، وثبت بالتواتر أن رسول الله (ص)
كان يقرأها، ولو لم تكن من القرآن للزم على الرسول الأكرم (ص) أن يصرح
بذلك، فإن قراءته وهو في مقام البيان ظاهرة في أن جميع ما يقرأ قرآن،
ولو لم يكن بعض ما يقرأ قرآناً ثم لم يصرح بذلك لكان ذلك منه إغراء
منه بالجهل وهو قبيح، وفي ما يرجع إلى الوحي الإلهي أشد قبحاً، ولو
صرح الرسول (ص) بذلك لنقل إلينا بالتواتر مع أنه لم ينقل حتى بالآحاد،
وسيأتي أن المهاجرين استنكروا على معاوية عدم قراءة بالبسملة في
الصلاة.⁵
الدليل الثالث: إتفاق الإمامية والإجماع عليه، فقد
نقل الإجماع جلّ متقدمي العلماء ومنهم الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف
إذ قال: (دليلنا إجماع الفرقة)⁴، ويُحتجّ به على العامة لدخول أمير
المؤمنين علي (ع) في الاجماع وهو إمام المسلمين والخليفة الرابع على
حدّ قولهم، وكون أئمة أهل البيت (ع) عِدلاً للقرآن كما هو ثابت، وفي
هذا بحوث تُبحث في محلها.⁶
الدليل الرابع: أنّ المتسالم عليه أن تركيب البسملة
من الوحي وليست إنشاء بشري، والأكثر عندهم أنها من الفاتحة، وإذا
تكررت في بقية السور فلا محالة تكون آية قرآنية، وقد قيل أنها اقتباس
من الفاتحة تكرر في سائر السور وليست منها، وفي هذا الاحتمال من
التكلف ما يدفعه مقتضى التكرار من كونها بعض من تلك السور، ولهذا تكون
نيّة قراءتها بنيّة تلك السورة لا بنيّة الفاتحة.⁴
الدليل الخامس: من المشهور المأثور عن رسول الله (ص)
قوله: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم أقطع أو
أبتر أو أجذم)، فهل يمكن أن يكون القرآن وهو أفضل ما أوحاه الله إلى
أنبياءه أقطع؟! وهل يمكن أن تكون الصلاة وهي خير العمل بتراء
جذماء؟!⁷
وهناك أدلة أخرى داعمة لما ذُكر من الأمر بالجهر بها وما لها من فضل
عظيم (سيأتي لاحقاً) لا يتناسب إلا مع كونها من القرآن الكريم.⁴
يأتي في البحث القادم الدليل السادس وهو العمدة في الروايات المستفضية
التي قد تصل لحد التواتر عن أهل البيت (ع) وأكثر منها في كتب
العامة.
المصادر/
١- تفسير القرآن الكريم ج١، السيد مصطفى الخميني.
٢- محاضرات السيد محمد باقر السيستاني في تفسير القرآن.
٣- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج١، الشيخ ناصر مكارم
الشيرازي.
٤- تفسير ملاحم المحكمات، الشيخ محمد السند.
٥- البيان في تفسير القرآن، السيد أبو القاسم الخوئي.
٦- تفسير سورة الحمد، السيد محمد باقر الحكيم.
٧- التدبر في القرآن، السيد محمد رضا الشيرازي.
٨- الاسم الأعظم أو معارف البسملة والحمدلة، محمد الغروي.
الباحث المحقق