العقيدة (٤)
إستدراك على ما فاتنا من الحلقة الأولى، لقد عرضنا فيها أن الدافع
الأول هو الفطرة والغريزة، وعبّر عنها بعض علماء النفس بالشعور
الديني، وهنا ينبغي أن نشير الى أمر مفصلي، وهو أن الفطرة مفهوم عام،
يندرج تحته الشعور الديني، وعلى هذا يكون الدافع الأول خصوص الفطرة
والشعور الديني لا عموم الفطرة، ولتوضيح أكثير نقول:
أبعاد الروح الإنسانية:
قيل في علم الاجتماع: إن لروح الإنسان أربعة أبعاد يمتاز بها عن غيره
من المخلوقات، وهذه وهي:
١- إدراك الجمال، والإبداعات الفنّية.
۲- خدمة النوع، وإسداء المعروف والأخلاق
الفاضلة.
٣- البعد الديني، وهو الدافع الأول الذي ذكرناه
سابقاً.
٤- حب الاستطلاع، واكتشاف المجهول، ومنه تطوّر العلم
كما بينّا في الدافع الثالث (حب الاستطلاع).
وعلى هذا التقسيم يكون من الواضح أن الدافع الأول (الشعور الديني أو
الفطرة الدينية) هو فرع الفطرة بمعناها الأعم، والدافع الثالث (حب
الاستطلاع) هو فرع الفطرة أيضاً، ومن ثَمّ قد يُشتبه بكون الدافعان
المذكوران مشترِكان لكنهما صياغتان مختلفتان، وأوضحنا الفرق بينهما في
الحلقة الثالثة السابقة، فراجع.
ونستدرك ما فاتنا أيضاً من تعريف لمفهوم الفطرة،
معاني الفطرة:
١- العقل.
۲- الخلقة، (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
٣- الإسلام، فإنه التسليم لشرائع الله.
٤- أنها شعلة مضيئة ترشدنا إلى الإيمان بالله، وتجذبنا نحو خالق الكون
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا
بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
٥- سعادة الإنسان وشقاوته في علم الله تعالى.
٦- كون الإنسان خلقاً قابلاً للهداية ومتهيئاً لها، لما أُوجد فيه من
القوة القابلة فطرة الإسلام وصوابها.
۷- ولعل الرأي الأرجح في تعريف الفِطرة، أنها بالكسر مصدر للنوع من
الإيجاد، وهو إيجاد الإنسان على نوع مخصوص من الكمال، وهو التوحيد
ومعرفة الربوبية، مأخوذاً عليهم ميثاق العبودية والاستقامة على سنن
العدل، كما أنها إدراك بالعقل البديهي، وهذا هو الذي عُبّر عنه في
المنطق بالفِطريات، أي القضايا التي قياساتها معها، كما أن الإدراك قد
يكون بالقلب، كعلم النفس بالنفس، فلا يحتاج إلى وساطة شكل قياسي كما
لا يخفى، ولذا يعد من أقسام العلم الحضوري.
وهذا ما أشار إليه الامام الصادق (ع)، عندما سأله زرارة عن تفسير قوله
تعالی (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، قال:
(فطرهم جميعا على التوحيد، أي على معرفة الرب والإقرار بالربوبية
والوحدانية، والكفر به وقع بعد ذلك باحتيال النفس).
والمؤيد الثاني ما جاء عن النبي (ص): (كل مولود يولد على الفطرة حتى
يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه).
ولقد أفاض علماؤنا كثيرا في شرح هذا الحديث، قال الشريف المرتضى:
والصحيح في تأويله، أن قوله يولد على الفطرة يحتمل أمرين:
١- أن تكون الفطرة هاهنا الدين، وتكون "على" بمعنى اللام، فكأنه قال:
كل مولود يولد للدين.
٢- أن يكون المراد به الخلقة، ويكون المعنی: کل مولود يولد على الخلقة
الدالة على وحدانية الله تعالى وعبادته والإيمان به، فكأنه (ع) قال:
كل مخلوق و مولود فهو يدل بخلقته وصورته على عبادة الله تعالى، وإن
عدل بعضهم فصار يهودياً أو نصرانيا.
وملخص ما تقدم أن الفطرة إدراك قلبي موجود في كل البشر.
جاء في دعاء عرفة عن مولانا أبي عبد الله الحسين ( ع) قال: (كيف يستدل
عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك،
حتى يكون هو المظهر لك، متی غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك، ومتی
بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عمیت
عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من
حبك نصيباً)
المصادر/
١- أصول العقائد، دراسة نقدية وتحليلية للرؤى والأفكار حول الأسس
العقائدية، السيد رضي الشيرازي.
٢- الموجز في منهج العقيدة الإسلامية، السيد هاشم محمد الهاشمي بقلم
الشيخ عبد العظيم المشيخص.
الباحث المحقق