خصائص ومميزات السيرة النبوية والهدف من دراستها

2020/03/01

السيرة (٣)

الهدف من دراسة سيرة النبي (ص):
من خطبة لأمير المؤمنين علي (ع) يصف فيها الرسول الأكرم محمد (ص): (فهو إمام من اتقى وبصيرة من اهتدى، سراج لمع ضوءه، وشهاب سطع نوره، وزند برق لمعه، سيرته القصد، وسنته الرشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل، أرسله على حين فترة من الرسل وهفوة عن العمل، وغباوة من الأمم).

وعنه (ع): (فتأسّ بنبيك الأطيب الأطهر فإن فيه أسوة لمن تأسّی وعزاء لمن تعزّى وأحب العباد الى الله المتأسّي بنبيه والمقتصّ لأثره).

إن لدراسة السيرة النبوية ثلاث زوايا:
١- الزاوية التشريعية وحقلها الواقعة السلوكية.
٢- الزاوية العقائدية و حقلها الواقعة التاريخية.
٣- الزاوية التربوية وحقلها السيرة بکلا قسميها السلوكي والتاريخي.

١- أما الزاوية التشريعية، فإن دراستنا لسيرة النبي وأهل بيته المعصومين من هذه الزاوية تهدف إلى معرفة الحكم الشرعي من خلال الواقعة السلوكية سواء كانت هذه الواقعة فعلاً مباشراً صدر من النبي، أو كان إقراراً منه لسلوك أحد المسلمین صدر أمامه، وتقوم هذه الزاوية من الدراسة على أساس العقيدة بعصمة النبي (ص) وعصمة أهل بيته وكونهم قد جعلوا للناس أئمة يقتدي بهم احياء وأمواتاً.

٢- أما الزاوية العقائدية، فإن دراستنا للسيرة بهذه الزاوية تهدف إلى معرفة ما تنطوي عليه حوادث التاريخ النبوي من دلالات عقائدية، وتقوم هذه الزاوية من الدراسة على أساس أن النبي (ص) شخص صنع على عين الله تعالی فجاءت حياته منذ ولادته، بل قبل ولادته حقلاً تظهر فيه رعاية الله تعالى الخاصة بشكل ملحوظ، وتشتد هذه الظاهرة عند البعثة وحتى إلتحاق النبي بالرفيق الأعلى، ومن هنا تكون قصص حياة النبي والوصي تجسيدا للعقيدة الإسلامية بالله وبالنبي والوصي، وبسبب ذلك سمّى القرآن الكريم هذه القصص والحوادث ب (الآيات) ودعا الإنسان إلى التفكير فيها لأخذ العبرة منها وجعلها نظيراً للظواهر الكونية حيث سماها (آیات) أيضا ودعا الإنسان إلى التفكير فيها وأخذ العبرة منها أيضا.

والعبرة: هي نتيجة الإعتبار الذي هو الإستدلال على الشي بالشي، أو معرفة ما ليس مشاهد من خلال ما هو مشاهد ، وأصل العبرة من (عَبَر النهر) أي تجاوزه من جانب إلى آخر سباحة أو بسفينة أو قنطرة، والآية في اللغة تعني: العلامة وهي التي يفضي منها إلى غيرها كأعلام الطريق المنصوبة للهداية.

إن (الواقعة الكونية) كالمطر مثلا، آية من آيات الله لأنها علامة تهدي إلى الله من يفكر بها تفكيراً صحيحاً، وحين يهتدي الإنسان بالآية يكون قد عبر بها إلى الله تعالى، وهذا هو معنى أخذ العبرة منها، وكذلك الأمر في (الواقعة التاريخية النبوية).

إن الموقف القرآني من الظواهر الكونية وقصص الأنبياء الآنف الذكر ناشئ من كونها حقلاً يعكس قدرة الله وعلمه وإرادته وحكمته وكونها فعلاً إلهياً مباشراً مع ملاحظة جديرة بالذكر، وهي: أن الظاهرة الكونية لا تقوم بإرادة وإختيار وقدرة خارج إرادة الله تعالی وإختياره وقدرته وإن الواقعة التاريخية النبوية تقوم بإرادة وإختيار وقدرة وعلم الإنسان لأنها من ناحية فعل يجري على يد الإنسان بل هي في ظاهرها فعل بشري يدعي صاحبه المؤمن أن يد الله وقدرته وإرادته وراءه.

ومن هذا المنطلق يكون جانب القدوة من حياة الرسول وسيرته بمجموعه أعظم آيات الله عظمة و عبرة، ذلك لأن وصول إنسان إلى موقع القدوة والأسوة في مجتمع من المجتمعات أو جماعة من الجماعات ليس غريباً وخارجاً عن سنة الله في الإنسان والمجتمع، بل الغريب والملفت للنظر والخارق للقانون هو أن تكون هذه القدوة على نسق واحد وحالة واحدة في كل مجالاتها، فلا يشذّ سلوك منها عن صفة القدوة مهما كان صغيراً وفي كل حقل من حقول الحياة الانسانية.

فما لم يكن له تعالى وجود حقيقي فاعل وما لم يكن هناك إنفتاح واقعي تعليمي و تربوي بين الله تعالى وعبده المرسل ورعاية خاصة له يستحيل أن يصل إنسان إلى هذا الموقع.
وفي ضوء ما مرّ نستنتج أن سيرة الأنبياء هي أعظم رافد يمدّ السائر إلى الله تعالی بالعظة والعبرة ولا يضاهيها رافد آخر بذلك.

٣- أما الزاوية التربوية، فإن دراستنا لسيرة النبي وسيرة أهل بيته من هذه الزاوية تهدف لمعرفة ما تنطوي عليه السيرة النبوية بقسميها من قدرة على التأثير في الإنسان المؤمن وتحريكه إلى الله تعالى وإنضباطه بمنهجه، ومما لا شك فيه، أن التربية عن طريق عرض الواقعة التاريخية والقدوة هو أفضل أسلوب في التربية وتجمع عليه المذاهب والفرق على إختلافها قديما وحديثا، وهو الأسلوب الذي إتبعه خالق الإنسان مع الإنسان نفسه، وهو واضح من خلال الكتب السماوية المعروفة وقد تميز القرآن الكريم بهذا الصدد بما لا يضاهيه کتاب آخر، حين ضم بين دفتيه أنواع القصص.

خصائص السيرة النبوية:
إن سيرة الرسول هي أغنى ثروة في تأريخنا الإسلامي وفي تأريخ البشرية وإن من أهم ما يجعل سيرته وافيةً بتحقيق هذه الأهداف كلها هي تلك الخصائص التي تميزت بها سيرته، فمن خصائص السيرة النبوية:

١- اكتمال هذه السيرة، فهي سيرة كاملة تبدأ من ولادته وتنتهي بوفاته، وما رافق ذلك من أحداث ووقائع، وهذا بخلاف سيرة من سبقه من الأنبياء والمرسلين حيث لانجد هذه الخصوصية بصورة جلية فيها.

٢- إنها سيرة علمية تأريخية، فإننا نملك الآيات القرآنية الصحيحة، وهي مروية بأسانید معتبرة، ودونتها الكتب الروائية والتأريخية بدقة متناهية، واهتم بها العلماء تدويناً وتحليلاً، بخلاف غيرها من السير سواء منها سير الأنبياء والمرسلين بعض الشخصيات التي اهتم العرب بنقل سيرتهم.

٣- إنها سيرة جامعة شاملة، وحيث إن دعوة الرسول ورسالته جاءت شاملة للدين والدنيا، وللدعوة والدولة، فجاءت سيرته أيضا مكافئة لهذا الشمول، ولهذا نجد أن حياته (ص) شاملة لكل النواحي الإنسانية والاجتماعية التي ينبغي أن يتصف بها الإنسان من حيث إنه فرد مستقل بذاته أو من حيث إنه عضو فعال في المجتمع، حتى تجد تسجيلاً للحركات واللفتات بدقة متناهية لا نظير لها.

٤- إن تاريخ الاسلام يمتلك قواعد ومنطلقات تستطيع أن توفر للباحث السبل المأمونة، التي يستطيع من خلال سلوكها أن يصل إلى الحقائق التي يريدها، دقت، أو جلت.

وبالاقتداء بسيرته ، وبالسير على نهجه؛ نستطيع أن نكون شخصيتنا الإسلامية والإيمانية الصالحة، ولنكون على بصيرة ووعي في كل ما يمر بنا من أحداث، وما نستقبل من أوضاع ولنفهم واقعنا ونسير به في طريق الله.

المصادر/
١- المدخل الى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، المحقق السيد سامي البدري.
٢- الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج١، المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي.
٣- دروس في السيرة النبوية ج١، الدكتور الشيخ عدنان فرحان آل قاسم.

الباحث المحقق
أخترنا لك
منشأ احتمال حصول الضرر المحتمل ودلالة النظرية على وجوب البحث عن الله ونوع الوجوب

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف