الأقوال في السورة الأولى نزولاً، وشاهدٌ تاريخي على كونها سورة العلق

2020/02/29

التفسير (٢)

إن سورة العلق بحسب ترتيب المصحف هي السورة ٩٦، أما بحسب ترتيب النزول فلا شكّ من كونها أحد السور الثلاث الأُوَل، وهي الأولى على المشهور، وذلك أنّ في السورة الأولى نزولاً من القرآن الكريم أقوالاً أربعة:

١- أنها سورة العلق، وهو القول المشهور بين القرّاء والمفسرين وأهل الحديث، وهو المحكي عن عائشة، وابن عباس (ت 68هـ)، وأبي موسى الأشعري (ت 44هـ)، ومجاهد (ت 104هـ)، والإمام الصادق (ع) (ت 148هـ)، وعطاء، وابن يسار.

٢- أنها الفاتحة، قال به أبو ميسرة الهمداني، ونسبه الزمخشري في الكشّاف إلى أكثر المفسرين بعد حكاية القول الأول عن ابن عباس ومجاهد، ورد عليهم بعضهم هذه النسبة وقال إن القائل به أقل قليل بالنسبة إلى القائل بأولية سورة العلق.

٣- أنها سورة المدثر، قال به أبو سلمة ابن عبد الرحمن.

٤- على تفصيل، أي إنّ أول الآيات نزولاً من العلق، وأول السور الفاتحة بتمامها.

وهناك أقوال شاذّة منها: (نون والقلم).

وهناك أربع شواهد على كون العلق أول السور نزولاً:

١- شاهد نقليّ إجماليّ، عن أئمة أهل البيت وجمع من الصحابة والتابعين.
٢- شاهد داخلي: بالنظر لمضمون السورة.
٣- شاهد نقليّ تفصيليّ: بالنظر لما جاء من قصة نزول الوحي عن النبي (ص).
٤- شاهد الحصر: من عدم وجود مؤشر مهم لكون الفاتحة أو المدثر هي السورة الأولى.

تفصيل الشواهد:
الشاهد الأول: شاهد النقل التاريخي، وذلك هو المشهور في ترتيب النزول للسور القرآنية بين أهل العلم بالقرآن المعنيين بشؤونه من الصحابة والتابعين وفق متابعة ما جاء عنهم، وهو الموافق لما جاء في الجدول المروي عن ابن عباس - المتلمذ على أمير المؤمنين (ع) في علوم القرآن والفقه - وعن الإمام الصادق (ع) أيضا حسب ما حكاه الشهرستاني مرسلاً، وذكر الشهرستاني أن ذلك مما رُوي من طريق الثقات عنهم، وكأنه أراد تعويل بعض الثقات على هذا النقل.

وهناك ثلاث روايات عن الأئمة محمد الباقر وجعفر الصادق وعلي الرضا عليهم سلام الله، أنها أول سورة نزلت:

١- عيون أخبار الرضا (ع)، بإسناده إلى الحسين بن خالد قال: قال الرضا (ع): سمعت أبي يحدث عن أبيه أن أول سورة نزلت (بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وآخر سورة نزلت (إذا جاء نصر الله).

٢- الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وسهل بن زیاد، عن منصور بن العباس، عن محمد [بن الحسن] بن السريّ، عن عمه علي بن السري، عن أبي عبدالله (ع) قال: أول ما نزل على رسول الله (ص) (بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك) وآخره (إذا جاء نصر الله).

٣- تفسير القمي: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع): وإنه كانت أول سورة نزلت (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، الحديث.

ولكن هذا الوجه يمثل ترجیحاً مساعداً لسائر القرائن ولا يرقى إلى مستوى التوثيق المؤكّد، وقد يضعف هذا الوجه باحتمال ابتنائه لا على النقل التاريخي بل على أساس الحدس والاجتهاد، من جهة ما جاء في أول السورة من الأمر بالقراءة، حيث إنه يلائم كونها أول الوحي النازل على النبي (ص) کما سيأتي إيضاحه، أو باحتمال ابتنائه على ما ورد من حديث عائشة - الآتي - والذي تضمن ذلك، لكنّ هذا الإحتمال لا يجري في شأن ما جاء عن أهل البيت (ع) فهو من قبيل الإطلاع التاريخي لا الاجتهاد، وكما أن هناك احتمال لكونه حدساً واجتهاداً، فهناك احتمال لكونه نقلاً تأريخياً.

المصادر/
١- محاضرات السيد محمد باقر السيستاني في تفسير القرآن.
٢- تفسير القرآن الكريم ج١، السيد مصطفى الخميني.
٣- تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب ج١٤، الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي.
أخترنا لك
عدم صحة البت والجزم بعدم حقانية الدين

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف