سبب قلة الاهتمام بالبحث عن الإله والدين رغم فطريته

2020/02/29

العقيدة (٢)

بعد أن ذكرنا أن من دوافع البحث عن الإله والدين الفطرة، يرد هنا إشكال وتساؤل، وهو أنه إذا كان البحث والاهتمام في موضوع الدين والإله أمراً فطريّاً، فلِمَ لا يُظهر كل أبناء البشر الاهتمام بهذا البحث؟ وينحصر بالمحرومين، وبتطور العلم يقلّ الإهتمام به، حتى مثّل ديكارت نقطة بداية إنحسار هذا البحث بالتطور العلمي.

إنّ الإجابة على هذا التساؤل تقع في نقاط:

اولاً: إنَّ فطرية أي بحث لا يلزم منه أن يستولي الاهتمام به على جميع اوقات كل افراد البشر، كما هو الحال في الفن والجمال، فالعلاقة معهما فطرية، لكنها ليست الاهتمام الوحيد الذي يستولي على البشر، بل يبرز في كل مورد افراد خاصّون يزداد اهتمامهم بشكل أكبر، ويتخذون من هذه العلاقة تخصصاً في حياتهم، والأمر في العقيدة والدّين لا يختلف عن ذلك.

ثانياً: تتعدد الميول الفطرية للبشر، فيفضي الاهتمام ببعض هذه الميول الى خفض مستوى الاهتمام بالميول الاخرى، بل يؤدي احياناً الى نسيانها، فالطالب يعكف برغبة، وشوق على التحقيق العلمي حينما يكون في المحيط العلمي، اما حينما يخرج من دائرة المحيط العلمي ويعود إلى وطنه، ويهتم بالعلاقات الاجتماعية، فسوف ينخفض مستوى اهتمامه العلمي، حتى يصل الامر الى انعدام الرغبة في المطالعة والتحقيق، رغم أن الميل إلى التحقيق والبحث ميل فطري ذاتي لدى البشر، والأمر كذلك بالنسبة للعقيدة والدّين، فهي ترتهن بظروف المحيط، ووجود عوامل الاهتمام بالبحث.

ثالثاً: كل ميل فطري يتطلب الحث والتعزيز رغم فطريته، فكما أن العوامل الخارجية وظروف المحيط تؤثر في الميل للطعام والجنس، فيرغب بها الإنسان تارةً، ولا يرغب بها تارةً أخرى، فكذلك البحث في أي أمر فطري، ومنها العقيدة والدّين.

رابعاً: قد يعرض البعض عامداً عن هذه المسائل ويتجاهلها لعلل روحية، إذ لا شك أنّ هذه البحوث (الاعتقاد بالإله والدّين) لا تنفك عن الالتزام بقيود وحدود في الحياة ورعاية الأصول الأخلاقية والاجتماعية والوظائف الفردية، وكل ذلك ينافي الحرية المطلقة والإباحية التي يتوخاها الماديون والمنسلکون في عدادهم، فإنكار الدين والمبدأ ليس إنكاراً لنفسه بل للفرار مما يترتب عليه من الضمانات والإلتزامات والقيود والحدود، وهي تخالف هوى الإنسان الإباحي الذي لا يرى أصلا في الحياة إلا اللذة.

خامساً: ورغم كل ما ذُكر، فإننا لا نُسلّم قلّة الاهتمام بهذه البحوث، وانحصارها بالمحرومين، بل انتشارها واضح جداً، وفيها تؤلّف الكتب وتكتب المقالات في جميع أنحاء العالم وبكل اللغات، ولا يخفى ذلك على المطّلع الباحث.

المصادر/
١- أصول الفلسفة والمنهج الواقعي ج٢، السيد محمد حسين الطباطبائي، تعليق الشيخ مرتضى مطهري
٢- الإلهيات على هدى الكتاب والسُّنّة والعقل ج١، الشيخ جعفر السبحاني
أخترنا لك
الأحلاف السياسية بين القبائل وحلف الفضول

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف