فاتن حسين ناجي
بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية التي تشكلت في السياق الدرامي للمسرحية عبر تناقضات الشخصيات المتمركزة حول ثنائياتها المتضادة وفق تعقيد قصدي عمده الكاتب للوصول الى انعكاس الحروب وماتحمله من تفكك على جميع الاصعدة فتركز الكايوس في الحدث والشخصية للوصول الى مركز القضية التي يعارضها نقيضها من تراكيب الشخصيات وانفعالها الذي يثير بدوره نقيض يبرز الاختلاف والتباين بين الواقع والفرد فجاء العرض بخطابه الكايوسي المتشظي الذي صاغه (عماد محمد) بصورة مكثفة بالدلالات والمضامين السياسية والفكرية ، تنطوي على نوازع الخيانة وحب الذات والقسوة، يقابله بالجهة الأخرى الموت والحب والخضوع لتتحول عبر الخشبة إلى وقائع مادية وأفعال وأحداث ومواقف يحققها العرض . وقد اختلفت الصياغة من حيث الموضوع والرؤية للعرض عن النص . فالعرض قدم (مونولوجات) خطابية تتشكل من خلال معاناته بصورة متداخلة فكل يعبر عن داخله دون أن يستمع للآخر مشكلين صورة مفككة للفرد العراقي الذي مر بتحولات جعلت من كيانه العام يخضع للتهميش والانكار وكأن المخرج أراد أن يظهر تشكيل يحمل فيه الاشتباك (الصراع) الخافي والمعلن بين التعارض والتناقض مؤكداً على مبدأ العبث في الظواهر والعادات فكل شيء بحاجة الى تفسير يبرز الضرورات التي يتبعها الفرد. وتقود الأحداث إلى مكاشفاتها وتعددية قراءتها. فالصورة التي عمدها المخرج كعلامة رمزية يعبر شكلها الخاص عن محاكاة ساخرة تربط بين المعنى والتعبير. وتزداد هذه المحاكاة الساخرة بالسعال الذي ينتاب الشخصيات عندما يبدأون بالصلاة الصلاة التي لاصلاة فيها سوى كلمة الله اكبر وبضع حركات لاتمت للعبادة بأي صلة ففوضى الصلاة كونت تشكيل صوري من القطع المتناقضة تنطوي على العديد من العناصر والدلالات المتشابكة فالجد يجمع بين الآيات المقصودة والمتعمدة وجودها من قبل المخرج والتهكم وبين شتم الجدة وكلمة الله اكبر وكأن الأزدواجية هنا تصور لنا ثنائية الرفض والقبول المصطنع أما الجدة فعمدت في صلاتها الى القطع والتواصل والشتم والتهكم كأنها تخاطب جميع الأزمان والمكانات، وعلى هذا الأساس يكون هناك تغيب قصدي لتواصلية فعل الصلاة فالشاب صلاته نصف صلاة فهو لايركع بصورة كاملة ولايسجد بصورة كاملة بل يقطع حركاته خوفاً وهرباً ويقلد حركات وكلمات جده وكأنه يريد أن يقول إنه يكررها لانه لم يجد غيرها آوان الشاب بدى نسخة عن جده أو أن هذه المشاكل هي ذاتها كل يوم . والأداء يشير ويعلن عن حقيقة إن التشابه والاستنساخ أصبح ثيمة الفرد ضمن قيود الحروب وبالتالي فهو يؤدي وظيفة رمزية وسيميائية تعلن عن تخالفات واندماجات تحدد مجموع افعال الفرد الكلية . فالعرض ينطوي على الصراع والتناقض ليشكل صورة ماثلة من اللاتوازن الذي يفضي الى حقيقة الواقع ، بوصفها تعبير يتضمن عوامل ظاهرة وخافية .
المصدر : المدى