الاساليب البلاغية في مواعظ امير المؤمنين عليه السلام / مقطع من كلماته القصار إنموذجا ج١

2021/12/03

 

غية في مواعظ الامام امير المؤمنين عليه السلام
مقطع من كلماته القصار إنموذجا 

قال الامام امير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه ): (كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا. فإن قال بدّ القائلين ، ونقّع غليل السائلين( ١).

شرح نهج البلاغة لمحمد عبده ج٤ ص٧٠

1 _ يختار مولانا امير المؤمنين وسيد البلغاء والمتكلمين (عليه السلام )في هذا المقطع طريقة بلاغية ، لوعظ الناس وهدايتهم وايقافهم على حقيقة دينهم ودنياهم يبين فيها جملة من الحدود والاداب والاخلاق التي مما ينبغي للعبد المؤمن التخلق بها
2 _ يقول صلوات الله عليه (كان لي فيما مضى اخ في الله )
نستفيد من هذا المقطع الذي لم يفصح الامام ع عن اسم هذا الاخ لسببين :- اما ان ذلك لاخ لم يرد الافصاح عن اسمه ، فلذلك التزم الامام ع ، بالعهد والوعد
او ان الامام ع لغرض معين في داخله دفعه الى عدم الافصاح عن ذلك الاخ .
ثم ان الامام بابي وامي ، عبّر عنه بالاخ ، والغرض من ذلك هو انه ع اراد ان ينقل للسامعين ان اخوة الايمان لا يماثلها وشيجة ورابطة وصلة ، وقد اكد الباري جل وعلا ذلك اذ قال :- ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات ١٠
3 _ ثم يقول( ع ) وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه
الامام ع في هذا المقطع ، ينقل لنا ان مما يعظم الفرد ويعلي شأنه هو ان لايعير للدنيا اي وزنٍ و اهمية ، ولايعطيها اكثر مما اعطاه الله سبحانه لها ، فهي ممر ، وهي مزرعة ، وهي زوال والى اخره من صفات النقص .
إنّ الشيء الوحيد الذي يميز الدنيا هو انها دار لمزاولة الخير والطاعة وتفقد الاخوان والفقراء ، والمعروف والمبرات ، وبعبارة اخرى ان عمارة الدنيا واحياها بفعل الخير فيها هو ما يجعل الدنيا ذات اهمية
والا فإن من هوان الدنيا على الله ان يعص فيها ، كما ورد ذلك عن ائمتنا عليهم الدنيا .
4  _ وفي المقطع الاخر يقول ع:-(وكان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي مالا يجد ، ولايكثر اذا وجد )
ان مما دأب عليه ائمتنا عليهم السلام في كلماتهم واقوالهم ، يحاولون ان يوقفونا على حقائق الكمالات النفسانية والروحية ، لحبهم وقربهم لنا ، فالامام امير المؤمنين ع هنا في هذا المقطع ، يريد لفت الناس الى واحدة من الكمالات النفسانية التي تعلي شأن الانسان ، وتبعث في قلبه وقلوب جميع من حوله القناعة بالمقسوم ، هو ان يمتاز المرء بعدم هيمنة ما اسماه الامام ع بسلطان البطن ، الذي لو استفحل في النفس الانسانية لأهلك وهلك الاخرين ،
سلطان البطن جبّار اذا تسلط .
فالامام ع يقول وهو بصدد نقل خصال ذلك الاخ ،كان خارجا من سلطان بطنه ، متمردا عليه ، وكيف ذلك ؟ قال (لايشتهي ما لايجد ) ما اقصر العبارة وما اعظم المضمون نعم فإن الانسان العاقل الذي لايريد ان يتعب وتتألم نفسه ، ان يسلك طريق القناعة، فالاشياء التي ليس بمتناول اليد عف عنها، ولا تشتهيها نفسه .
وكذلك هناك طريق اخر للقناعة وهو وكان (لايكثر اذا وجد) اي ان الانسان الذي تكون حياته مبنية على مفهوم ال هل من مزيد يكون ذلك مهلكة له في كافة الاصعدة والمستويات ، وليس لها حدّ ، ولايمكن للنفس ان تتوقف فيما اذا هيمن عليها (هل من مزيد ) في كل الاحوال والامور ، سواء كان ذلك في المطعومات والمشروبات ، او في النواحي الانسانية الاخرى من مشتهيات الانسان ورغباته .
وسلك الامام ع لبيان كل هذا باسلوب بلاغية غاية في الروعة، وهو انه (ع ) استعار كلمة( السلطان)
التي تفيد الهيمنه والتسلط ، لتسلط شهوة البطن على الانسان
5  _ قال ع ( وكان أكثر دهره صامتا. فإن قال بد القائلين ونقع غليل السائلين)
إنّ مما اتفق عليه العقلاء اجمعين ، ان الثرثرة في الكلام ، من قبائح الخصال ، فالثرثار هو الذي ليس للسانه حدّ ، ويحاول ان يحشر نفسه في كل شيء علمه او لم يعلمه المهم انه يتحدث اما الناس .
والصمت على عكس ذلك فهو من الانسان حكمة .
ثم ان الامام ع يبين ويقول ان هءا الصمت منه ( ذلك الاخ) لاعن عدم علم او لهثمة لسان او عيب ، فهو كان اذا ( قال بدّ القائلين ونقع غليل السائلين ) اي انه انسان مفوه ، وبدّ اي كفهم ومنعهم عن القول ، بمعنى انه لايجرى في الحديث ، ونقع غليل السائلين اي ازال عطش السائلين فيما سألوا وهو نوع من انواع الكناية في الكلام ، يضرب لمن اغنى السائلين بعلمه
6 _ واذا اردنا ان نقلب الروايات وما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم واهل البيت عليهم السلام حول الدنيا وحقيقتها ، فإنهم(ع) يبينون ذلك بكلمات بليغة فصيحة

* قال النبي (ص) :- (هذه الدنيا مثل ثوب شق من اوله الى آخره فيبقى متعلقا في خيط في آخره يوشك ذللك الخيط ان ينقطع .تنبهةالخواطر ص١٢٠

* قال الامام علي( ع ):- (انما الدنيا شرك وقع فيه من لايعرفه ) .غرر الحكم

*ايضا عن علي ع انما الدنيا كالسم يأكله من لايعرفه . البحار ج٧٣ ص ٨٨

*الامام الصادق( ع):-( الدنيا بمنزلة صورة الكبر وعينها الحرص ، واذنها الطمع ، ولسانها الريا ، ويدها الشهوة، ورجلها العجُب ، وقلبها الغفلة وكونا الحرص ، وحاصلها الزوال )

*الامام الكاظم (ع) :-(مثل الدنيا مثل الحية مسّها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها الرجال ذووا العقول ويهوي اليها الصبيان بأيديهم ) . البحار ج٧٨ ص ٣١

عائد الغانمي

_______________________________________

 

(١)بدهم أي كفهم عن القول ومنعهم. ونقع الغليل: أزال العطش

 

٢٠٢١١٢٠٣_١٥٤٣٠٠

أخترنا لك
#اغتيال المواهب في التعليم

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف