واستعينوا بالصبر للنصر على الاعداء

2024/11/14

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٣
وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ ١٥٤

وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥

ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦
أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ١٥٧

خمس آيات متحدة السياق، متسقة الجمل، ملتئمة المعاني، يسوق أولها إلى آخرها ويرجع آخرها إلى أولها، وهذا يكشف عن كونها نازلة دفعة غير متفرقة وسياقها ينادي بأنها نزلت قبيل الامر بالقتال وتشريع حكم الجهاد، ففيه ذكر من بلا سيقبل على المؤمنين، ومصيبة ستصيبهم، ولا كل بلاء ومصيب، بل البلاء العمومي الذي ليس بعادي الوقوع مستمر الحدوث،
فإن نوع الانسان كسائر الأنواع الموجودة في هذه النشأة الطبيعية لا يخلو في أفراده من حوادث، جزئية يختل بها نظام الفرد في حياته الشخصية: من موت ومرض وخوف وجوع وغم وحرمان، سنة الله التي جرت في عباده وخلقه، فالدار دار التزاحم، والنشأة نشأة التبدل والتحول، ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ثم ان البلاء الفردي وإن كان شاقا على الشخص المبتلى بذلك، مكروها، لكن ليس مهولا مهيبا تلك المهابة التي تترائى بها البلايا والمحن العامة، فإن الفرد يستمد في قوة تعقله وعزمه وثبات نفسه من قوى سائر الافراد، وأما البلايا العامة الشاملة فإنها تسلب الشعور العمومي وجملة الرأي والحزم والتدبير من الهيئة، المجتمعة، ويختل به نظام الحياة منهم، فيتضاعف الخوف وتتراكم الوحشة ويضطرب عندها العقل والشعور وتبطل العزيمة والثبات، فالبلاء العام والمحنة الشاملة أشق وأمر، وهو الذي تلوح له الآيات.
وايضا ليكن معلوما ان البلاء الذي تحكي عنه الايات لا كل بلاء عام كالوباء والقحط بل بلاء عام قربتهم منها أنفسهم، فإنهم أخذوا دين التوحيد، وأجابوا دعوة الحق، وتخالفهم فيه الدنيا وخاصة قومهم، وما لهؤلاء هم إلا إطفاء نور الله، واستيصال كلمة العدل، وإبطال دعوة الحق، ولا وسيلة تحسم مادة النزاع وتقطع الخلاف غير القتال، فسائر الوسائل كإقامة الحجة وبث الفتنة، وإلقاء الوسوسة والريبة وغيرها صارت بعد عقيمة غير منتجة، فالحجة مع النبي والوسوسة والفتنة والدسيسة ما كانت تؤثر أثرا تطمئن إليه أعداء الدين فلم يكن عندهم وسيلة إلا القتال والاستعانة به على سد سبيل الحق، وإطفاء نور الدين اللامع المشرق.
هذا من جانب الكفر، والامر من جانب الدين أوضح، فلم يكن إلى نشر كلمة التوحيد،

وبث دين الحق، وحكم العدل، وقطع دابر الباطل وسيلة إلا القتال، فإن التجارب الممتد من لدن كان الانسان نازلا في هذه الدار يعطي أن الحق إنما يؤثر إذا أميط الباطل، ولن يماط إلا بضرب من إعمال القدرة والقوة.
وبالجملة ففي الآيات تلويح إلى إقبال هذه المحنة بذكر القتل في سبيل الله، وتوصيفه بوصف لا يبقى فيه معه جهة مكروهة، ولا صفة سوء، وهو أنه ليس بموت بل حياة، وأي حياة!
وحول هذا الموضوع المهم الذي تتناوله الايات الشريفات اجمل الحديث بعدة نقاط :-

١- الآيات تستنهض المؤمنين على القتال، وتخبرهم أن أمامهم بلاء ومحنة لن تنالوا مدارج المعالي، وصلاة ربهم ورحمته، والاهتداء بهدايته إلا بالصبر عليها، وتحمل مشاقها، ويعلمّهم ما يستعينون به عليها، وهو الصبر والصلاة، أما الصبر: فهو وحده الوقاية من الجزع واختلال أمر التدبير، وأما الصلاة: فهي توجه إلى الرب، وانقطاع إلى من بيده الامر، وأن القوة لله جميعا.

٢- قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين الآية، قد تقدم جملة من الكلام في الصبر والصلاة في تفسير قوله: (واستعينوا بالصبر والصلاة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين) البقرة - ٤٥، والصبر: من أعظم الملكات والأحوال التي يمدحها القرآن، ويكرر الامر به حتى بلغ قريبا من سبعين موضعا من القرآن حتى قيل فيه: (إن ذلك من عزم الأمور) لقمان - ١٧، وقيل: (وما يلقيها إلا الذين صبروا وما يلقيها إلا ذو حظ عظيم) فصلت - ٣٥، وقيل: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر - ١٠.
والصلاة: من أعظم العبادات التي يحث عليها في القرآن حتى قيل فيها: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت - ٤٥، وما أوصى الله في كتابه بوصايا إلا كانت الصلاة رأسها وأولها.
ثم وصف سبحانه الصبر بأن الله مع الصابرين المتصفين بالصبر، وإنما لم يصف الصلاة، كما في قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة الآية، لان المقام في هذه الآيات، مقام ملاقاة الأهوال ومقارعة الابطال، فالاهتمام بأمر الصبر أنسب بخلاف الآية السابقة، فلذلك قيل: إن الله مع الصابرين، وهذه المعية غير المعية
التي يدل عليه قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم) الحديد - ٤، فإنها معية الإحاطة والقيمومة، بخلاف المعية مع الصابرين، فإنها معية إعانة فالصبر مفتاح الفرج.
٣- قوله تعالى: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون الآية، ربما يقال: إن الخطاب مع المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر وأذعنوا بالحياة الآخرة، ولا يتصور منهم القول ببطلان الانسان بالموت، بعد ما أجابوا دعوة الحق وسمعوا شيئا كثيرا من الآيات الناطقة بالمعاد، مضافا إلى أن الآية إنما تثبت الحياة بعد الموت في جماعة مخصوصين، وهم الشهداء المقتولون في سبيل الله، في مقابل غيرهم من المؤمنين، وجميع الكفار، مع أن حكم الحياة بعد الموت عام شامل للجميع فالمراد بالحياة بقاء الاسم، والذكر الجميل على مر الدهور، وبذلك فسره جمع من المفسرين.
وقد عد الله سبحانه حياة الكافر بعد موته هلاكا وبوارا في مواضع من كلامه، كقوله تعالى:
(واحلوا قومهم دار البوار) إبراهيم - ٢٨، إلى غير ذلك من الآيات، فالحياة حياة السعادة، والاحياء بهذه الحياة المؤمنون خاصة كما قال: (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت - ٦٤، وانما لم يعلموا، لان حواسهم مقصورة على ادراك خواص الحياة في المادة
وأما ما ورائها فإذا لم يدركوه لم يفرقوا بينه وبين الفناء فتوهموه فنائا، وما توهمه الوهم مشترك بين المؤمن والكافر في الدنيا، فلذلك قال: في هذه الآية، بل احياء ولكن لا تشعرون أي: بحواسكم، كما قال في الآية الأخرى: لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، أي باليقين كما قال تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم) التكاثر - ٦.
فمعنى الآية - والله أعلم - ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، ولا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم، ومقابلته مع الحياة، وكما يعين على هذا القول حواسكم فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل احياء ولكن حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به، وإلقاء هذا القول على المؤمنين - مع أنهم جميعا أو أكثرهم عالمون ببقاء حياة الانسان بعد الموت، وعدم بطلان ذاته - انما هو لايقاظهم وتنبيههم بما هو معلوم عندهم، يرتفع بالالتفات إليه الحرج عن صدورهم، والاضطراب والقلق عن قلوبهم إذا أصابتهم مصيبة القتل، فإنه لا يبقى مع ذلك من آثار القتل عند أولياء القتيل الا مفارقة في أيام قلائل في الدنيا وهو هين في قبال مرضاة الله سبحانه وما ناله القتيل من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر، وهذا نظير خطاب النبي بمثل قوله تعالى: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين الآية، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم أول الموقنين بآيات ربه، ولكنه كلام كني به عن وضوح المطلب، وظهوره بحيث لا يقبل أي خطور نفساني لخلافه.
نشاة البرزخ
فالآية تدل دلالة واضحة على حياة الانسان البرزخية، كالاية النظيرة لها وهى قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) آل عمران - ١٦٩، والآيات في ذلك كثيرة.

أخترنا لك
الصوم وآثاره المادية والمعنوية في النفس الانسانية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف