قَبَسَاتٌ تربويّةٌ وأخلاقيّةٌ قيِّمَةٌ مِن تَذْكِرَةِ سماحة السيِّد الأُستاذ الفاضل مُحَمَّد باقر السيستاني ، دامت توفيقاته

2020/01/02

1: إنَّ ممّا يَلزمُ الإنسان في بناء علاقته مع الله تباركَ وتعالى هو أن يجعلَ لهذه العلاقة ــــ فضلاً عن البُعد الذهني والفكري ــــ جانباً قلبيّاً، والقلبُ في هذا الإطلاق المُتكرّر في النصوص القرآنيّة هو مصدر العواطف والمشاعر والهواجس - ولا يستغني الإنسانُ في أيّ علاقةٍ وأيّ التزامٍ عملي عن البُعد القلبي والعاطفي، مُضافاً إلى البُعد العقلي والذهني والفكري.

:2: نحن نشاهد أنَّ علائقنا بكلِّ مَن يتعلّق بنا، مِن آباءٍ وأزواجٍ وأولادٍ وأصدقاءٍ تبتني على قضايا عقليّة من قبيل الحقوق والاستحقاقات، وتبتني في جانب رعاية العلاقة على أمورٍ قلبيّةٍ مثل الشعور بالمحبّة والحذر مِن أن يتنزّل الإنسانُ في نظر الطرف الآخر ويكون مُهاناً في نظره والرجاء له والخوف منه والامتنان والشكر.

:3: إذا فقدنا العلاقةَ القلبيَّةَ مع الطرفِ الآخرِ لن نستطيعَ أن نلتزمَ بما نعتقده أو نبني عليه نظريًا من الحقوق، و لأدّى ذلك إلى الجفاء وعدم الرعاية اللازمة، كما نشهد ذلك بين الأزواج ــــ مثلاً ــــ فإذا لم تكن هناك محبّةٌ بين الطرفين ،حتى إذا بنى كُلٌّ من الطرفين على رعاية الشرع في شأن الآخر، فلا يمكن لهما أن يفيا بحقوقِ الآخر وينسجما معاً.

:4: إنَّ المشاحةَ التي تقع بين الزوجين فيما يجب وفيما لا يجب ــــ مِن معاشرةٍ ومن إنفاقٍ وخدمةٍ - وفي كُلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ــــ تُفسِد العلاقةَ بينهما، ولا يشعر الزوجُ بما يتعيِّن عليه فِعله، ومِن ثَمّ لن ينسجمَ الاثنانُ ولن تتأتّى الحقوقُ تطبيقاًً، فلا بُدّ من أن تكونَ هناك بين الزوجين رابطة محبّةٍ وتعلّقٍ وشعورٍ بالامتنانِ والشكرِ ممّا يؤدّيه الآخر، ورابط الحذر من أن يسقطَ أحدهما من عين الآخر .

:5: بدون هذه الجوانب القلبيّة لن تستقيمَ علاقةٌ حيّةٌ ونافعةٌ بين الطرفين، مّما يؤدّي إلى مجافاة الحقوق، وكذلك الحال بين الوالدين والأبناء والأولاد، فإذا لم يكن الأولاد يشعرون بالمحبّة والامتنان للوالدين إزاء حقّهما في نشأتهم وتربيتهم وحضانتهم لن يستطيعَ الأولادُ أن يشعروا بحقّ الأبوين ويستجيبوا لهذا الحقّ في مورده، فيكون هناك نوع من الانفصال النفسي، ولكن إذا كانوا متعاطفين ، ولهم حنوٌ وعطفٌ عليهم ، فهذا يوجب أن يُحاسبَ الأولادُ أنفسَهم، فيقولون ــــ مثلاً ــــ: (أنا قصّرتُ مع والدي ! أنا فعلتُ كذا ! أيليقُ أن أفعلَ كذا أو لا يليق أن أفعل ؟)، فيهتدون لمواضع الإحسان الواجب تجاههما .

: 6: نحن حتى في الحياة الاجتماعيّة العامة نحذرُ أن يرانا أحدٌ في تصرّفٍ أو موقفٍ أو وجهٍ يسيء إلى مكانتنا عند ذاك الطرف، ولذا إذا فُرِض أنّنا من باب الاشتباه صدرَ منّا كلامٌ أو عملٌ ــــ كاحتكاكٍ بالغير في موقفٍ على وجهٍ غيرِ مُناسبٍ ــــ فإنّا نعتذر من أيّ سلوكٍ لا يكون بالنحو الملائم .

فإذن : الموجب للاهتداء إلى الحقوق واللياقات الواجبة والمندوبة هو التعلّقات القلبيّة الملائمة المبنيّة على الوشائج العامّة والخاصة، مثل وشيجة الإنسانية ووشيجة الرَحِم ووشيجة الأبوّة والأمومة والبنوّة، وما إلى ذلك.

:7 : إنَّ للهِ تباركَ وتعالى تسديداً لِكُلِّ إنسانٍ بمستوى التجائه إلى الله ورعايته له، وعلينا أن نأملَ دائماً في تسديد الله سبحانه لِخُطانا ولأفكارِنا ولقلوبِنا.


: الأربعاء – 5 جمادى الأولى - 1441 هجري - 1 - 1- 2020 م.

: تدوين – مرتضى علي الحلّي – النجف الأشرف :

أخترنا لك
مريض راجع طبيب

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف