السيّدة أمّ سلمة وأهل البيت عليهم السلام

2021/12/31

كانت أول مهاجرة من أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله، وأفضلهنّ من بعد السيّدة خديجة عليها السلام، وأشدّهنّ تمسّكًا بسنّته الشريفة، وأكثرهنّ طاعة لأوامره، نهلت من فيوض الرسالة المحمّديّة فنالت درجات رفيعة في الإيمان والتفقّه في الدين وحفظ الحديث الشريف.
هي السيّدة أمّ سلمة هند بنت أبي أميّة المخزوميّة القرشيّة، أبوها كان يسمّى بـ (زاد الراكب) لجوده وكرمه.
كانت امرأة جليلة القدر فاضلة بليغة، صاحبة رأي مصيب، وعقل راجح، فقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله عن أفضل زوجات النبيّ صلّى الله علیه وآله: (وأفضلهنّ خديجة بنت خويلد، ثمّ أمّ سلمة، ثمّ ميمونة بنت الحارث) (1).
فكانت رضوان الله عليها حاملة وصايا الأئمة المعصومين عليهم السلام، مثلما جاء في حديث الإمام الباقر عليه السلام، أنّه قال: (لمّا توجّه الحسين عليه السلام إلى العراق ودفع إلى أمّ سلمة زوج النبيّ، الوصية والكتب وغير ذلك، قال لها: إذا أتاكِ أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعتُ إليكِ، فلمّا قُتل الحسين عليه السلام أتى عليّ بن الحسين عليه السلام أمّ سلمة، فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السلام) (2).
وقد نالت هذه الكرامة بفضل إيمانها العميق بالله وطاعتها لأوليائه.
هاجرت إلى الحبشة مع زوجها أبي سلمة عبد الله المخزوميّ، وأسلمت معه، فكانت من المسلمات الأوائل، وتزوّجت من النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد وفاة زوجها في السنة الرابعة للهجرة، وبعد استشهاده صلوات الله علیه، لازمت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وكانت تقضي معظم وقتها معها وبين يديها، تلبّي لها ما تحتاجه، وكانت مخلصة للإمام عليّ عليه السلام ولولديه الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، فكانت من أقرب نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله لهذه العائلة المباركة، لم تمِل عن النهج الذي رسمه الرسول صلّى الله عليه وآله لأزواجه وأمّته، ولم تتخطَّ الوصية التي فرضها الله ورسوله في كتابه المجيد لأمّهات المؤمنين خاصّة، فنصحت ما استطاعت النصح، وأرشدت ما وسعها الإرشاد، وأنذرت في مواقع الإنذار، فكانت مثلًا ساميًا للمرأة الصالحة، إذ تحدّثت عن فضائل الإمام عليّ عليه السلام ممّا سمعته من النبيّ صلّى الله عليه وآله من أقوال بحقّه، وساندت ووقفت مع السيّدة الزهراء عليها السلام بخصوص إرثها عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، والتي كانت على دراية به بحكم قربها من رسول الله صلّى الله عليه وآله بأنّ (فدك) هي إحدى ضيعات النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقد وهبها للسيّدة الزهراء عليها السلام.
سلكت طريق الحقيقة الصحيح، فأحبّت مَن يحبّه الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، وأبغضت مَن يبغضه الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، واستيقنت بأنّ النبيّ يحبّ عليًا عليه السلام، فأحبّته ووالته وناصرته، ورأته يوصي إلى عليّ فشايعته، ووطّنت نفسها على طاعته، ولجلالة قدرها عند أهل البيت عليهم السلام، فقد كان كلّ مَن يريد منهم الخروج من المدينة يزورها لوداعها، فزارها أمير المؤمنين عليه السلام في سفره إلى العراق، مثلما زارها الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه من المدينة متوجّهًا إلى كربلاء.
سمعت أمّ سلمة من حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله، وحفظت ما فيه الهداية إلى الصراط المستقيم عبر التمسّك بأهل البيت عليهم السلام والكتاب الكريم، وكانت حريصة على ألّا يفوتها شيء من حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله، حيث رُوي أنّ أحاديثها قد بلغت (٣٧٨) حديثًا، وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين (3).
ومن جملة ما روته أمّ سلمة حديث الكساء المشهور (٤)، مثلما روت جملة من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وآله في حقّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، منها قوله صلّى الله عليه وآله: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله (5)
(يا أمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دمًا فاعلمي أنّ ابني قد قُتل)، هكذا كان الحديث المرويّ عنها، قالت: كان الحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله في بيتي، فنزل جبرائيل، فقال: يا محمّد، إنّ أمّتكَ تقتل ابنكَ هذا من بعدكَ، وأومأ بيده إلى الحسين عليه السلام، فبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وضمّه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: وضعتُ عندكِ هذه التربة، فشمّها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وقال: (ريح كرب وبلاء)، وقال فجعلتها أمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يومًا تُحوّلين دمًا ليوم عظيم.
وجاء عن مؤلف (مشهد الحسين "عليه السلام" وبيوتات كربلاء) الصادر عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، للعلّامة مجيد الهرّ في موضوع (أمّ سلمة):... تشاهد كربلاء في وداع الحسين عليه السلام، أنّه لمّا عزم الحسين عليه السلام، على الخروج من المدينة، أتته أمّ سلمة، فقالت له: يا بنيّ لا تحزنّي بخروجكَ إلى العراق في أرض كربلاء، فقال لها: يا أمّاه، أنا والله أعلم ذلك، وأنّي مقتول لا محالة…. وبعد حديث الوداع بينها وبين الإمام الحسين عليه السلام، بكت بكاءً شديدًا، وسلّمت أمره وأمرها إلى الله، وقال عليه السلام: "شاء الله أن يراني مقتولًا مذبوحًا ظلمًا وعدوانًا، وشاء أن يرى حرمي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين، مأسورين، مقيّدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرًا ولا معينًا"، فقالت أمّ سلمة: "عندي تربة دفعها لي جدّكَ، فجعلتُها في قارورة، فقال لي: متى ما صارت هذه التربة دمًا عبيطًا فاعلمي أنّ ولدي الحسين قد قُتل"، فمدّ الإمام الحسين عليه السلام يده نحو كربلاء، فأخذ منها تربةً، فجعلها في قارورة، فأعطاها، وقال: "اجعليها مع قارورة جدّي، فإذا فاضتا دمًا فاعلمي يا أمّاه أنّي قد قُتلتُ"، فودّعها ومضى (6).
تُوفّيت أمّ سلمة بعد مقتل الحسين عليه السلام، ومن المعروف أنّ واقعة كربلاء كانت في عام (٦١هـ)، فلم تلبث بعد هذه الواقعة الأليمة سوى مدّة يسيرة، مثلما تدلّ رواية القارورة على أنّها بقيت بعد مقتل الحسين عليه السلام (7)، وروى ابن أبي خيثمة أنّها توفيّت سنة (٦٢هـ)، ودُفنت بالبقيع(8).

...................................................................................................

١) الخصال: ص٤١٩.
٢) إثبات الهداة: ج٥، ص ٢١٤.
٣) الثقات ــ ابن حبّان: ج ٣، ص ٤٣٩.
٤) تفسير الطبريّ: ج ٢٢، ص٦.
٥) ينابيع المودة لذوي القربى: ج١، ص ٢٦٩.
٦) مشهد الحسين عليه السلام وبيوتات كربلاء: ج٢ ، ص١٨ – ١٩ .
٧) الإرشاد للمفيد: ص ١٣٠.
٨) التاريخ الكبير: ص٩٣.
أخترنا لك
توعية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة