السيّدة حميدة بنت مسلم بن عقيل عليه السلام

2021/08/21

من الشخصيّات التي ترعرعت في أحضان بيت كريم، ومن أسرة هاشميّة عُرفت بالنبل والشهامة، كانت من العابدات الزاهدات التي لم يقف عندها التاريخ الإسلاميّ ولم يعطها حقّها من الذكر وتبيان الحال، وهي السيّدة حميدة بنت مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن عدنان، والدها مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام من أعمدة الشرف والنور، الشهيد الأول في النهضة الحسينيّة المباركة، والشخصيّة الفذّة في عالم الإسلام، أمّها أمّ كلثوم الصغرى السيّدة رقية بنت الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، إذ إنَّ مسلمًا تزوّج من ابنة عمّه أمير المؤمنين عليه السلام الوسطى، فالسيّدة حميدة هاشميّة من هاشميّين وطالبيّة من طالبيّين، وذكر السيّد المقرّم: أنّ أمّ كلثوم – أمّ السيّدة حميدة – هي المكنّاة بـ( أمّ كلثوم الصغرى) (1).
وُلدت السيّدة حميدة رضوان الله عليها في المدينة المنوّرة، ولم يضبط المؤرّخون سنة ولادتها على التحقيق إلّا ما ذكره العلّامة الكرباسيّ من أنّها وُلدت سنة( 49هـ )، ولم يذكر تحقيقه في ذلك، ويتبيّن أنّ هذا هو عمرها الشريف حين مقتل والدها وهي السنة التي وقعت فيها حادثة الطفّ الأليمة سنة 61 للهجرة، وبما أنّ المؤرخين اختلفوا في تحديد عمرها آنذاك إلّا أنّ إشاراتهم تدلّ على أنّ ابنة مسلم حين استشهاده كانت صغيرة لم تبلغ مبالغ النساء، فما ذكره ابن عنبة ليس واقعيًا مع أنّه لم يجزم بأنّ عمرها حينذاك كان ثلاث عشرة سنة، إذ قال: (ثلاث عشر أو أقلّ).
لمّا بلغت السيّدة حميدة رضوان الله عليها مبالغ النساء تقدّم لخطبتها ابن عمّها وابن خالتها
في الوقت نفسه (عبد الله بن محمّد بن عقيل) المعروف بـ(الأحول)، وأمّهُ زينب الصغرى بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان شيخًا جليلًا محدثًا فقيهًا، وعدّهُ الشيخ الطوسيّ من رجال الإمام الصادق عليه السلام (2)
أربعة، أنجبت السيّدة حميدة له (محمّد) والمعروف بـ(محمّد الأكبر)، وله من المعقبين وهم :عقيل، وعليّ، وإبراهيم، والقاسم(3)، وزاد ابن عنبة عليهم خامسًا وهو (طاهر). والظاهر ـ والله أعلم ـ أنّ أكثر مَن ذكرهم أهل الأنساب ممّن ينتمون إلى آل عقيل هم من أولاد محمّد الأكبر ابن السيّدة حميدة من زوجها عبد الله الأحول، وهم كثرة من علماء ومحدّثين وشعراء ونسّابين وأمراء ووجهاء (4).
كانت السيّدة حميدة عليها السلام ممّن التحقوا بقافلة عاشوراء في ركب الإمام الحسين عليه السلام الذي توّجه إلى العراق، وقد ذكر ذلك المؤرّخون في صريح الروايات التاريخيّة، وقد حضرت مع أمّها رقيّة بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وأخيها عبد الله الذي استشهد في كربلاء.
ونقلت بعض كتب التواريخ والمقاتل، بأنَّ الإمام الحسين عليه السلام لمَّا جاءه خبر شهادة مسلم بن عقيل عليه السلام وهو في منطقة (زرود)، جاء ودخل خيمة النساء، ودعا ابنته حميدة، وجعل يُلاطفها ويعطف عليها فاستشعرت حينها بنزول المصيبة، فقالت: يا عمّ، أراكَ تعطف عليَّ عطفكَ على الأيتام، أفأصيب أبي مسلم؟ فَرَقَّ الإمام الحسين عليه السلام لها، وجرت دمعته، وقال لها: يا بُنية لا تحزني، فلئن أُصيب أبوكِ فأنا أبوكِ وبناتي أخواتكِ، فلمّا سمعت هذا الكلام من الحسين عليه السلام صرخت وأعولت، فسمع صراخها آل عقيل، فارتفعت أصواتهم بالبكاء، وانتحبوا انتحابًا عاليًا، وساعدهم أهل بيت الحسين عليه السلام في النوح والبكاء وعظُمَ على أبي عبد الله عليه السلام المصاب واشتدّ به الحزن.
توفيت رضوان الله عليها في المدينة المنورة بعد وفاة زوجها عبد الله الأحول في حدود سنة 142 هـ (5).
أمّا الحديث عن مرقد السيّدة حميدة بنت مسلم، فيقول المؤرّخون إنَّ المرجّح أنّها دُفنت في مقبرة آل أبي طالب التي كانت بالأصل دار عقيل بن أبي طالب، وذكروا عنها أنّها صارت مقبرة لآل أبي طالب بمَن فيهم آل عقيل، وتقع بالقرب من البقيع، أو أنّها دُفنت بالبقيع ولا مناص في ذلك؛ لعدم وجود أيّ إشارة إلى خروجها من المدينة المنورة، ومن الطبيعيّ أنّها تُدفن في هذه المقبرة التي كانت عامرة منذ أن بدأ الإسلام، أمّا الأثر القائم اليوم في مقبرة (الباب الصغير) في دمشق فإنّه لا يمكن التعويلُ عليه؛ لعدم وجود أيّ مؤشر يؤيد ذلك، إذ إنّ المؤرخين لم يذكروا بأنَّ السيّدة حميدة، أو زوجها عبد الله الأحول سافرا إلى دمشق في أثناء العهد الأمويّ أو العباسيّ، أو أنّها خرجت مع زوجها وتوفيت هناك، فإن صحّت نسبة المرقد إلى حميدة بنت مسلم فهو مكان إقامتها أيام الأسر سنة 61 للهجرة، أو أنّ هذا القبر لإحدى المواليات التي دُفنت بجوار الفواطم، فاختلط الأمر على الناس.
..........................................................
1- الشهيد مسلم بن عقيل: ص177.
2- الخلاف: ج6، ص470.
3- الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّين: ص 213 .
4- عمدة الطالب: ص 16.
5- دائرة المعارف الحسينيّة/ معجم أنصار الحسين عليه السلام (النساء): ج2، ص190.
أخترنا لك
توعية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة