السيّدة نصرت الأمين

2021/07/04

إنّ التاريخ الإسلاميّ حافل بنساء مؤمنات، كانت لهنّ أدوار متعدّدة وفي مختلف المجالات، في الثقافة والأدب، وفي ساحات الإيثار والمثابرة ومراقبة النفس والتزكية، حيث قدّم لنا نماذج عظيمة كانت ولا تزال رمزًا للفخر والاعتزاز، ومنهنّ العالمة المجتهدة السيّدة نصرت الأمين التي كانت قدوة ومثالًا يُحتذى به في المجتمع الإسلاميّ، حيث كانت تتمتّع بمراتب علميّة وعمليّة عالية، وتعدّ بحقّ مفخرة من مفاخر النساء في العالم الإسلاميّ.
وُلدت الحاجّة السيّدة (نصرت بيكم أمين) المشهورة بالسيّدة المجتهدة الأصفهانيّة في سنة 1265 هـ. ش. في مدينة أصفهان، ويتصل نسبها بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عبر ثلاثين جدًا، وقد دخلت الكتاتيب لتعلّم القرآن الكريم واللغة الفارسيّة وهي في سنّ الرابعة، وكان أبوها الحاجّ السيّد محمّد عليّ أمين التجّار رجلًا شريفًا ونبيلًا ومؤمنًا ومن التجّار المشهورين والمتديّنين، وأمّها السيّدة زهراء بنت الحاجّ السيّد مهديّ الملقّب بـ(الجناب)، وهي امرأة ذات دين ومن أهل الذكر والدعاء، وكانت تساعد المحرومين.
وكانت السيّدة نصرت من عهد طفولتها قد شملتها العنايات الإلهيّة الخاصّة وظهرت عليها أنوار المحبّة الإلهيّة، ونزوعها نحو حقيقة وجود التوحيد الكامن في فطرتها.
وكانت منذ بداية شبابها تحرص على مطالعة الكتب العلميّة والاستماع إلى المواعظ الدينيّة.
وفي سنّ الخامسة عشر تزوّجت ابن عمّها الحاجّ ميرزا والملقّب بـ(معين التجّار)، وقد كان من التجّار المعروفين والمعتمدين في أصفهان.
ولرغبتها الشديدة في تحصيل العلوم فقد بدأت بدراسة الفقه والأصول والتفسير وعلوم الحديث، وكان عمرها آنذاك 21 سنة، وهي نفسها تذكر (أنّ لطف الله تعالى كان دائمًا يشملني وينير لي دربي، وكنتُ في أوقات الدرس أشعر أحيانًا بحالات من البهجة والنورانيّة).
وقد توجّهت في تلك الأيام إلى دراسة الحكمة والفلسفة، ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهر عندها الذوق العرفانيّ، وكانت لديها حالات من الكشف والشهود العرفانيّ.
كانت امرأة صابرة على قضاء الله تعالى، فقد ابتلاها بمسألة فقدانها لأولادها، حيث فقدت سبعة من أولادها بأسباب مختلفة من قبيل المرض والأوجاع المفاجئة، وبقي لها ولد واحد فقط، وهذه المصائب لم تحدث أيّ خلل في عزيمة هذه المرأة الفريدة والمجتهدة العارفة وإرادتها، بل صقلت روحها النقيّة لتكون خالصة له تعالى ويقرّبها إليه.
ولقد كانت دائمًا تسعى حثيثًا في طريق تحصيل العلم ومراقبة النفس وتهذيبها حتى حصلت على رتبة الاجتهاد وهي في سنّ الأربعين، ونشرت أول كتاب لها باللغة العربيّة بعنوان ”الأربعين الهاشميّة”، حيث جمعت فيه أربعين حديثًا عن المعصومين عليهم السلام، وفي مجالات مختلفة من الكلام والفلسفة والفقه والأصول والأخلاق، والذي قدّمت فيه تحليلات ظريفة وعميقة جدًا في هذه المجالات، وطرحت نظريّات رائعة، وقد ذاع صيتها في الأوساط العلميّة، وبخاصّة في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف بسبب نشرها لكتاب (الأربعين)، حيث نال الكتاب إعجاب العلماء وتقديرهم للمطالب القيّمة والعميقة التي تناولها، بحيث إنّ آية الله السيّد محمّد عليّ نجف آباديّ/ أستاذ المعقول والمنقول، قال بصدد تأييده لإعجاب علماء النجف بالكتاب: إنّ السيّدة أمين كلّ ما كتبته في هذا الكتاب من تحليل وشرح كان من بنات أفكارها، ولا ارتباط له بما كنتُ أطرحه في درسي.
حصلت على إجازة في الاجتهاد بعد أن طوت مراحل علميّة عالية، وحضرت دروس أساتذة كبار من أمثال: آية الله السيّد أبو القاسم الدهكردي، والميرزا عليّ أصغر شريف، وآية الله الميرزا عليّ الشيرازيّ، وحجّة الإسلام والمسلمين الحاجّ الشيخ أبو القاسم زفرئي، وحجّة الإسلام الحاجّ حسين نظام الدين الكجوئي، وآية الله الشيخ محمّد رضا الأصفهاني، وآية الله السیّد محمّد نجف آبادي، وآية الله الشيخ مرتضى المظاهري.
وقد حصلت السيّدة أمين على إجازة في الرواية أيضًا من آية الله محمّد رضا النجفي الأصفهاني، وحجّة الإسلام والمسلمين المظاهري النجفي الأصفهاني، وكذلك قد أجازت الرواية لآية الله العظمى المرعشي النجفيّ، وآية الله العلّامة الأميني، وحجّة الإسلام والمسلمين زهير الحسون، والسيّدة العلويّة همايوني.
من مؤلفاتها: (مخزن العرفان في تفسير القرآن المجيد) (15 مجلدًا)، (الأربعين الهاشميّة ـ باللغة العربيّة)، (جامع الشتات ـ باللغة العربيّة)، (المعاد، أو آخر سير البشريّة)، (النفحات الرحمانيّة في الواردات القلبيّة ـ باللغة العربيّة)، وفي الأخلاق: (منهاج السعادة ووصايا للمرأة المؤمنة)، (مخزن اللآلئ في مناقب مولى الموالي عليّ عليه السلام)، (السیر والسلوك في منهج الأولياء وطريق سير السعداء)، وغيرها...
ويمكن القول إنّ من عوامل موفقيّة السيّدة أمين هي مراقبة النفس وتربيتها وتهذيبها ومحاسبتها، والرغبة الشديدة والاشتياق لتحصيل العلوم، والاستفادة من وقتها في المطالعة والقراءة المستمرّة، والتهجّد وإحياء الليل بالعبادة، والتفكّر والتعقّل والوعي، ونكران الذات والعزلة، والجرأة والمثابرة، والتنظيم ورعاية مسألة الاعتدال والوسطيّة في الحياة، وترك التعلّق بغير الله تعالى، والصبر والحلم في مواجهة الصعاب، والولاية والاتصال بالأئمة المعصومين عليهم السلام، والخلوص وقوة التعقّل في ميداني المعاش والمعاد.
والغريب في الأمر أنّ مع قيامها بالواجبات الزوجيّة وإدارة المنزل وتربية الأولاد نالت هذه المراتب السامية العالية.(1)

..........................................................................
1ـ أعلام النساء المؤمنات: ص736.
أخترنا لك
تحضيرات شعبة الخطابة الحسينية لحفل التكليف: النسخة السادسة من مشروع الورود الفاطمية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة