السيّدة رقيّة الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام

2021/03/18

هي رقيّة بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أمّها الصهباء التغلبيّة، تُكنّى بأمّ حبيب، اشتراها أمير المؤمنين عليه السلام من خالد بن الوليد من سبي عين التمر أو اليمامة، فولدت له عمر الأطرف ورقيّة وهما توأمان، كما يذكر الشيخ الطبرسيّ في (تاج المواليد)، وكذا في (إعلام الورى بأعلام الهدى)، كما ذكر الأمير جمال الدين المحدّث الهرويّ في كتابه (الأربعين في فضائل الإمام أمير المؤمنين): "إنّ عمر ورقيّة كانا توأمين، أمّهما أمّ حبيب التغلبية، وكان خالد بن الوليد قد سباها ظلماً في غارته على آل مالك بن نويرة، فأخرجها أمير المؤمنين عليه السلام من الأسر وهي مسلمة، فاشتراها ثمّ تزوّجها، فكان له منها ابنته المكرّمة رقية التي عاضدت أخاها الإمام الحسين عليه السلام ورافقته إلى كربلاء، وعاشت المحنة وعانت رحلة السبي.
تزوّجها مسلم بن عقيل، فولدت له عبد الله ومحمّد بن مسلم اللذين استُشهدا في كربلاء، وعاتكة بنت مسلم ولها من العمر سبع سنين، سحقتها الخيول فاستُشهدت يوم الطفّ.
ذكر جملة من المؤرّخين والنسّابة ومنهم محمّد بن حبيب البصريّ في كتابه (المحبر)، وأبو الفرج الإصفهانيّ في (مقاتل الطالبيّين)، وابن الأثير الجزريّ في تاريخه المعروف بـ (الكامل في التاريخ): أنّ رقية ابنة عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليها تزوّجت بابن عمّها مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه، فكان له منها ولد يُدعى عبد الله بن مسلم.
قدَم الإمام الحسين عليه السلام العزاء لأخته رقيّة الكبرى، ومسح على رؤوس أولادها، وعظّم لهم الأجر باستشهاد وليّهم مسلم عليه السلام، بعد ما تعرّض له من الخيانة والغدر الأمويّ البغيض، فما كان من زوجته السيّدة رقيّة الكبرى بنت عليّ بن أبي طالب، إلّا أن تقدّم أولادها فداءً لسبط النبيّ صلّى الله عليه وآله، والذي جعله الله تعالى ثأره وابن ثأره، ليخلّدها سِجّل الطفّ الكربلائيّ مع أبنائها.
فبعد شهادة عليّ الأكبر سلام الله عليه، خرج عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأمّه رقيّة الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يقول: (اليوم ألقى مسلماً وهو أبي وعصبة بادوا على دين النبيّ)، فقتل جماعة في ثلاث حملات، حتى رماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم فاتّقاها عبد الله بن مسلم بيده فسمرت إلى جبهته، فما استطاع رضوان الله عليه أن يقلعها عن جبهته، فتوجّه إلى الله تعالى بالدعاء: اللهم إنّهم استقلّونا، واستذلّونا، فاقتلهم كما قتلونا، وبينما هو على هذه الحال، إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه فاستشهد، فجاء إليه يزيد بن الرقاد لعنه الله فأخرج سهمه طامعاً به من جبهة عبد الله، فاستلّه إلّا أنّ نصل السهم بقي في جبهته فقضى شهيداً، ففُجِع به خاله الإمام الحسين عليه السلام وبكاه، كما فُجِعت به أمّه رقيّة وهي تشاهد تلك المشاهد الرهيبة ومصارع الأحبّة والأعزّة على رمضاء كربلاء، وهي تصبر وتصابر، وتحتسب ذلك في سبيل الله، حتى رحلت عن أرض الطفّ في ركب السبايا.
عاصرت السيّدة رقيّة والدها الإمام عليّ عليه السلام، وأخويها السبطين الإمامين الحسن والحسين، وعليّ بن الحسين عليهم السلام، وورد فضلها في كتاب (الأربعين في فضائل الإمام أمير المؤمنين) لجمال الدين المحدّث، حيث قال: كانت من أتقى نساء عصرها، وتمتلك علماً ومنطقاً، وقد كان لها دور كباقي نساء بني هاشم في مساندة النهضة الحسينيّة ونشرها، حيث أدّت دوراً رسالياً مكمّلاً لدور زوجها، شهيد الكوفة مسلم بن عقيل، مثلما سطّر أولادها عبدالله، ومحمّد، وعاتكة ذات السبع سنوات ـ الأنموذج الشبابيّ والطفوليّ ـ أروع صور الشهادة في الذود عن خالهم أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي كان يحبّهم حبّاً جمّاً،
ولها مرقد ومسجد تابع له يتبرّك به الناس، وملاذ لأصحاب الحوائج، يقع في القاهرة في حيّ الأشراف بمنطقة مصر القديمة، وكان لها العديد من الكرامات.
في (معجم البلدان) في الجزء الثامن، ص77، عند ذكر المشاهد والمزارات بالقاهرة، قال صاحب المعجم: ( وبين مصر القديمة والقاهرة، مشهد فيه قبر رقيّة بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام)، وهذا أيضاً ما قاله السيّد الأمين في (أعيان الشيعة) في الجزء العاشر، ص 365، ونقل الشيخ أحمد العامريّ الناصريّ في كتابه (المراقد الإسلاميّة في العالم) عن كتاب (آثار أهل البيت عليهم السلام) ص 566، للدكتور يوسف جعفر، ما يأتي: (في مصر في المشهد القريب من جامع دار الخليفة وهو الآن معروف بجامع شجر الدرّ، على يسار جامع السيّدة نفيسة (رض)، مرقد ينسب للسيّدة رقيّة بنت أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وقد نُقش على المشهد الخارجيّ في شهر ذي القعدة 527 هـ، وهو: ( حسبي الله وصلّى الله على سيّدنا محمّد خاتم النبيّين وعلى آله الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً)، مثلما أنّ هناك تابوتاً خشبياً نُقش عليه بالخطّ الكوفيّ: هذا ضريح السيّدة رقيّة بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، أمر بعمل هذا الضريح المبارك الجهة الأميريّة الكريمة في 533هـ، /1138م، وقد أعادت بناء مسجدها ابنة الآمر بأحكام الله الفاطميّ، إضافة الى ما قاله الشبلنجيّ في (نور الأبصار) حول هذا الموضوع.(1)


.................................................................................................
(1) نساء خالدات حول الإمام الحسين ( ع ): ص83.
أخترنا لك
الأم المضحية.. بين مسؤولية الأمومة وتقدير الذات

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة