منى إبراهيم الشيخ/ البحرين 

إن العطاء والبذل والسخاء قيم إسلامية أصيلة، تبرز قيمتها الكبيرة حينما يكون العطاء والجود بلا حدود، وهناك فرق بين من ينفق جزءًا من ماله ليبقى له الكثير، وبين من ينفق جل ماله أو كله، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "السخاء من أخلاق الأنبياء، وهو عماد الإيمان، ولا يكون مؤمن إلا سخيا، ولا يكون سخيا إلا ذو يقين وهمة عالية، لأن السخاء شعاع نور اليقين، ومن عرف ما قصد، هان عليه ما بذل"(1)، فالحديث الشريف يبين:

1- أن السخاء صفة متأصلة في الأنبياء (عليهم السلام).

2- أن السخاء أساس الإيمان وركيزته، فلا يكون الإنسان المؤمن مؤمنًا إلا أن يكون سخيًا.

3- هناك أثر للإيمان بالآخرة في ترشيد الفضائل الأخلاقية كالسخاء، فالإيمان بالآخرة يقوي في نفس الإنسان حالة البذل والعطاء؛ لأن الإنسان السخي يؤمن بأن عطاءه وبذله لا يذهب هدرًا، بل سيذخرعند الله تعالى، وأن ما في يده سيفنى ويتلاشى، وما عند الله باقٍ، مثلما جاء في قوله تعالى: (ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ) (النحل:96)، وهذه العقيدة لها الأثر الكبير في أن تتحرك روح العطاء والبذل في واقع الإنسان، ويسعى إلى مد يد العون إلى المحتاجين وبذلك يزيد من ثروته وثوابه الأخروي(2).

وفي هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات وبهتت فيه القيم الأصيلة التي أكد عليها الدين الإسلامي، نحن بحاجة إلى أنموذج بارز مشرق نقتدي به ونسير على خطاه، ومن هذه النماذج التي قل نظيرها هي السيدة الجليلة أم البنين (عليها السلام)، فهي أنموذج إنساني فريد، جسد أسمى معاني التضحية والعطاء غير المحدود من أجل المبادئ والقيم والدين والولاية.

انفردت السيدة أم البنين (عليها السلام) بعمق إيماني ووعي عقائدي، إذ أدركت عظمة مقام الإمامة، مما جعلها تقدم كل ما تملك في سبيل الله تعالى، ومن أجل إمام زمانها، وكذلك في تقديم القيم الدينية على كل شيء، فقد فدت الإسلام بأولادها وبذلت أعز الأنفس في سبيله، فالولاء الحقيقي للدين وأهل البيت (عليهم السلام) يجب أن يفوق كل الروابط الطبيعية بما فيها رابطة الأمومة، وهذا لا يعني إلغاء هذا الرابط، بل وضعه في الإطار الصحيح وفق الأولويات الإسلامية.

...........................

(1)     ميزان الحكمة: ج 2، ص1276.

(2)    الأقسام القرآنية: ص320.