زهراء محمد مهدي/ بغداد
إنّ السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأنموذج الأكمل من النساء في تجسيد القيم الإسلامية العليا، ليس فقط في العبادة والزهد والعلم، بل في العفّة والستر أيضًا، فهي المثل الأعلى للنساء من أجل التسامي الروحي الأخلاقي، ويظهر هذا البُعد بجلاء في الرواية الواردة عن أسماء بنت عُميس التي تسلّط الضوء على نهج السيّدة الزهراء (عليها السلام) تجاه مسألة ستر جسد المرأة بعد وفاتها، فقد جاء في الخبر أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) قالت لأسماء: "إنّي قد استقبحتُ ما يُصنع بالنساء أنّه يُطرح على المرأة الثوب فيصفها لمَن رأى"(1)، إذ يكشف هذا القول عن تقدير عميق لمفهوم الكرامة الإنسانية، فقد عدّت سيّدة النساء (عليها السلام) الكفن التقليدي غير ساتر، إذ يُبرز ملامح جسد المرأة، فيتعارض مع مبدأ الستر الذي هو أساس العفاف، ولم تكتفِ (عليها السلام) ببيان الإشكال، بل طلبت إيجاد بديل يحفظ حرمة المرأة حتّى بعد وفاتها، وهنا برز دور أسماء التي اقترحت صنع نعش من سعف النخل يُغطّى بثوب بحيث لا يظهر الجسد ولا تُعرف به المرأة من الرجل، وعندما رأت الزهراء (عليها السلام) النموذج قالت: "ما أحسن هذا وأجمله، لا تُعرف به المرأة من الرجل"(2).
تكشف هذه الحادثة عن (3) أبعاد محورية في سيرة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام):
1ـ البُعد التشريعي والفقهي: إذ شرّعت (عليها السلام) مبدئًا فقهيًا عمليًا يضمن حفظ حرمة المرأة بعد الوفاة.
2ـ البُعد الأخلاقي والإنساني: إذ بيّنت (عليها السلام) أنّ كرامة المرأة لا تقتصر على حياتها، بل تمتدّ إلى ما بعد الموت.
3ـ البُعد الرمزي والقدوة: : فقد حوّلت (عليها السلام) موقفًا شخصيًّا إلى وصيّة تاريخية؛ لتُرسّخ في الوعي الإسلامي قيمة خالدة تتجاوز الزمان والمكان.
فيتّضح أنّ الستر والعفاف في نهج السيّدة الزهراء (عليها السلام) ليس مجرّد تقليد اجتماعي، بل فلسفة وجودية تحفظ للمرأة إنسانيتها، وتؤكّد مكانتها الرفيعة في المنظومة الأخلاقية الإسلامية، فتبقى سيرة سيّدة النساء (عليها السلام) شاهدًا على خلود العفاف وسموّ الستر.
...............................
(1) بحار الأنوار: ج٤٣، ص١٨٩.
(2) المصدر نفسه.