نفحات فاطمية زينبية

2025/01/16

يستحوذ علي الفراغ الذي تتركه أمي في سفرها كل مرة، حتى أكاد لا أعي شيئا مما يدور من حولي، كأن الزمن توقف حينها، وأصبح السهاد رفيقي حتى مطلع الساعة الخامسة فجرًا التي خرجت فيها أمي للسفر، حيث بقيت مستيقظة لم أستطع النوم خشية أن تذهب ولا أستطيع أن أراها عن قرب إلى أن تعود.

وها أنا أتصل بها كل يوم للاطمئنان عليها، حتى وإن لم يكن لدي كلام أقوله، بل أكتفي بالنظر إليها عبر شاشة هاتفي، وأترك للسمع متعة الإصغاء إلى حديثها مع من يجالسها، حينها أود لو أعود صغيرة في عمر الثامنة كأخي الصغير لأخطف بعض الذكريات معها، بأن أضع رأسي في حجرها فتداعب خصلاته المجعدة، وأضحك من الأعماق مطمئنة الفؤاد وضحكتي ملء فمي، وأنا في هذه الحال، سمعت الناعي من التلفاز، عندها استشعرت مصيبة السيدة زينب (عليها السلام)، كيف كبرت بهذا الألم وهي صغيرة، وفارقت والدتها بعمر الخمس سنوات، ولاقت ما لاقت من المعاناة حيث لم تلبث كثيرًا حتى استشهد أبوها، ثم أخوها الحسن (عليه السلام)، وبعدها أتت برفقة الإمام الحسين (عليه السلام) وإخوتها إلى كربلاء وهي تعلم ما ينتظرها من السبي، وأنها ستكون المتكفلة بالنساء والأطفال، وستبقى بعد شهادة إخوتها وتسبى إلى الشام.

كيف لامرأة تحمل هذا المصاب وهي ترى جثة أخيها الحسين (عليه السلام) أمامها، أغلقت جهاز التلفاز ولم أحتمل الاستماع أكثر، فقد اعتصر فؤادي في وقتها، وأيقنت كيف يكون الإيمان الحقيقي، وماذا تعني نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكيف يمكن للمرء أن يواسي السيدة زينب (عليها السلام) بمصابها، بأن يفكر مليا قبل أن يقدم على فعل شيء، وهل يقبل الإمام الحسين (عليه السلام) بهذا العمل؟

شعرت حينها بجرعة داعمة لإكمال مسيرة الحياة، فمسحت دموعي ولملمت شتاتي خجلا، فالسيدة زينب (عليها السلام) لا تجزع مثلما أنا أجزع، بل صبرت، ودعت الله كثيرا، وصلت، وكانت تعطف على الصغار.

وحين صارت مهنتي التعليم، قطعت عهدًا على نفسي أن أخبر طالباتي عن مولاتنا سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما كان دورها في تربية السيدة زينب (عليها السلام)، وكيف أنجبت جبلا من الصبر لا يهاب شيئا في سبيل الله سبحانه.

أخترنا لك
توعية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة