كان الشيعة ينتظرون ولادته بفارغ الصبر وباهتمام يفوق العادة، فقد ورد عن حبيب الله محمد (صلى الله عليه وآله) ذكر الإمام الباقر (عليه السلام) بالاسم، والنعت، والكنية، قبل ولادته بعشرات السنين، وأبلغ الخاصة بأنه سيكون على يديه ازدهار العلم والمعرفة.
ولد الإمام الباقر (سلام الله عليه) في المدينة المنورة التي لم يغادرها إلا مرغما، وأمه هي الأخرى من بيت الإمامة، وهي السيدة فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، واختلفت الروايات في مدة حياته مع جده الحسين (عليه السلام)، وقد شهد فيها واقعة الطف الأليمة.
كان لقبه (الباقر) إحدى معاجز رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث أخبر جابر بن عبد الله الأنصاري، قائلا: "يا جابر، إنك ستعيش حتى تدرك رجلا من أولادي، اسمه اسمي، يبقر العلم بقرا، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام"(1)؛ لذلك لابد لنا من العودة إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في إصلاح شؤون ديننا ودنيانا، فهي المدرسة الطاهرة المطهرة التي لا شائبة فيها، فعندما نقرأ عن سيرة الإمام الباقر (عليه السلام)، ونرى مقامه ومكانته عند الله تعالى، إلا أنه كثير الذكر والعبادة وهو الإمام المعصوم ابن رسول الله وابن الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)، نسأل أنفسنا: إلى أي مدى وصل تقصيرنا بحق أنفسنا؟ هل نؤدي ما علينا من عبادات وأعمال؟ فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إني كنت أمهد لأبي فراشه فانتظره حتى يأتي، فإذا أوى إلى فراشه ونام، قمت إلى فراشي، وقد أبطأ علي ذات ليلة، فأتيت المسجد في طلبه، وذلك بعد ما هدأ الناس، فإذا هو في المسجد ساجد، وليس في المسجد غيره، فسمعت حنينه وهو يقول: سبحانك اللهم، أنت ربي حقا حقا، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم"(2)، فالإمام الباقر (عليه السلام) لم يمنعه شيء عن ذكر الله تعالى والتعبد، يقضي ليله في التهجد والعبادة والصلاة، حتى يصلي في اليوم والليلة مئة وخمسين ركعة، ويكثر من ذكر الله تعالى أينما كان، وهو يمشي أو يتحدث أو يأكل، حتى التصق لسانه بلهاته من ذكر (لا إله إلا الله).
أليس من الحري بشيعته أن تسير على نهجه، وتقتدي بخلقه وسيرته (عليه السلام)؟!
..........................................
(1) الكافي : ج1، ص304.
(2) بحار الأنوار : ج46، ص301.