فرع من الدوحة المحمدية، وغصن يانع من الآل الأطهار (عليهم السلام)، ولد في نواحي المدينة المنورة في قرية تسمى (صريا) محاطا بالعناية الإلهية والرعاية النبوية، مثلما قال تعالى: )في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال( (النور:36).
وقد بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بولادته فقال: "وأن الله تعالى ركب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية بارة مباركة طيبة طاهرة سماها عنده علي بن محمد، فألبسها السكينة والوقار وأودعها العلوم وكل سر مكتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذره من عدوه"(1)
مضى الإمام الهادي (عليه السلام) على البسيطة منهمكا في إعمارها باذلا مهجته من أجل إصلاح الأمة، ماضيا على سنة من سبقه من الآل الهاديين المهديين، فانقسمت حياته إلى حقبتين متميزتين: الحقبة الأولى أمضاها مع أبيه الهمام لأقل من عقد، فيما أمضى الحقبة الثانية التي زادت عن ثلاثة عقود، حكم فيها ستة من ملوك بني العباس.
نعم، عاش (عليه السلام) في زمن تكاثر واستبد فيه حكام الجور والظلم، لكنه في الوقت ذاته كان زمنا قريبا من عصر الغيبة المرتقب، زمنا شحت فيه الأخلاق الفاضلة والقيم العالية، لكن مع ذلك ظل الأمل يخفق في القلوب بظهور الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وينشر الأمان والسلام، وينشر البهجة والسرور في قلوب المحرومين.
لذا كان سعيه (عليه السلام) مبنيا على تهيئة الجماعة الصالحة التي ستقوم بأعبائها في زمن الغيبة، استقبالا للعصر الجديد المنتظر، حيث يتحقق الوعد الإلهي، فقد قال تعالى: )أن الأرض يرثها عبادي الصالحون( (الأنبياء:105)، وبهذا برز أمامنا العاشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، المعروف بالنقي والهادي، مؤسسا وممهدا لدولة الحق الموعودة في مهمةٍ تأسيسيةٍ صعبةٍ لازمت عصره؛ ولهذا صار لزاما اليوم على الشيعة والموالين النهوض بأدوارهم امتدادا لخط الإمام الهادي (عليه السلام) والسير على سيرته الشريفة، وصولا إلى حالة الإشراق الروحي المنتظر، وقد قال تعالى: )وأشرقت الأرض بنور ربها( (الزمر:69).
..........................
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2، ص64.