تعد العلاقات والروابط الاجتماعية التي تربط البشر ببعضهم علاقات مهمة، سواء كانت في العمل أو في غيره، فهي تصب في المصلحة العامة، كالعلاقة التي تربط الطبيب بمريضه، فالمريض يحتاج الطبيب بكل قواه العقلية وتركيزه الدافع إلى حل معضلته، وبطبيعة الحال لا يرضى أن يتعالج عند طبيب مشتت فكريا، يتنقل في صفحة جواله، وينظر إلى المريض نظرة غير مكترثة من فوق النظارة بين الفينة والأخرى، وقيسي على ذلك باقي المهن والتخصصات.
وكذلك هناك من العلاقات التي تمتاز بالتقديس في مفهومها الاجتماعي والديني، كالعلاقة بين الآباء والأبناء، أو بين الزوج والزوجة، أو المعلم وتلميذه، فنحن نحتاج إلى بعضنا بكل كياننا المادي والمعنوي، ولا يكفي أن نجلس جنبا إلى جنب بينما نسرح في عوالم افتراضية، تأخذنا بعيدا، وتلهينا عن مسؤولياتنا وواجباتنا، ومن الغريب أن يتشظى الإنسان حتى يتناثر إلى آلاف الأجزاء المتبعثرة على الرغم من وجوده في مكان واحد، وهذا بالضبط ما يحدث عندما يتنقل الإنسان في هاتفه من غير هدف موجه يسير نحوه، فالمهندس أو الطبيب أو العالم الذي يجب عليه أن يحضر اجتماعا علميا، المطلوب منه أن يكون هناك ويضيف ما يضيف من أفكار، وتطلعات، ومقترحات، تنتهي بالمجتمع إلى النتائج المرجوة، لا أن يراسل أهله وأصدقاءه من أجل الاستعداد لقضاء عطلة نهاية الأسبوع!
إن السطحية والعدمية التي نعاني منها بسبب الانشغال بعوالمنا المجازية، غالبا ما تهدم واقعنا شيئا فشيئا، وتحوله إلى لون باهت خالٍ من الشغف والتميز، وينعكس هذا الأمر حتى على الأطفال الصغار، فمثلا بالنسبة إلى الطفل الذي يمارس نوعا من النشاط الاجتماعي، كزيارة بعض الأقرباء، أو حضور حفلة ما، أو الذهاب إلى نزهة، ما معنى أن ينغمس في صفحة هاتفه، ويغرق هناك بعيدا عن واقعه الذي يرجى أن يضيف له شيئا من التحول والمعرفة الممزوجة بالفرح والمرح؟!
في الحقيقة ليس المراد التخلص من هواتفنا المحمولة، أو حذفها تماما، فهذا أمر شبه مستحيل في زمن الثورة التكنولوجية التي نعيشها، لكنر المطلوب هو ترتيب أولوياتنا، والوعي بالآثار الخطيرة لهذه الأجهزة، وعدم الاستسلام لعوامل الإدمان التي تتقن شركات التكنولوجيا وضعها في طريقنا، وذلك عبر التدريب المستمر على عدم استخدام الهاتف إلا عندما نحتاج إليه حقا، بدلا من أن يصبح جزءا لا يتجزأ من جوارحنا.