بهديه نهتدي

2025/01/05

نجم لمع في سماء الفكر والعطاء، ورمز تجمعت فيه شمائل الأنبياء، وخصال الأولياء، كوكب دري طلع من أفق المجد والعظمة؛ ليكمل الرسالة ويهدي الأمة، إنه إمامنا الهادي (عليه السلام).

بالرفق واللين قاد المؤمنين نحو مرافئ القرب من رب العالمين، وزرع في حدائق صدورهم أصول المودة لأهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، وغرس في عقولهم أشجار اليقين بانتصار الحق وأهله على الظلم والظالمين ولو بعد حين.

إمام يمشي بين الناس ويكلمهم بلغة تفيض بالمودة والرحمة، وتنبض بالمعرفة التي تضمن النجاة للأمة، يبصرهم بخفايا الأمور، ويدلهم على دروب الطهر، في كلماته نبرة تخلع على سامعها السكينة، وتدثره بالأمل والطمأنينة.

ظن طغاة عصره أنهم بعزله سيضعفون حضوره، فإذا به يحول منفاه إلى مملكة للمعرفة، ترتعش عند عتباتها السلاطين.

بدا صمته أكثر رعبا من ضجيج السيوف، وسكينته أعظم سلاح واجه به الألوف.

كان كالنجم كلما ادلهم الأفق وطغت عتمة الباطل، ازداد بريقه توهجا، وأثره اتساعا، فأنوار حكمته تأبى الأفول، وتسطع في دنيا الجهل فتحار في وصفها العقول، وتمسح الجراح عن أفئدة تترقب النور.

فحري بنا أن نتأمل سيرته، ونحلق في فضاءات عظمته، نتوقف عند بعض الدروس العطرة؛ لنتعلم ما ينفعنا في الدنيا والآخرة.

ولنا في موقفه مع المتوكل العباسي الذي امتلأ بالحقد والحسد، ولم يدخر أي جهد في سبيل التوهين من شخص الإمام، أكبر درس وأعظم عبرة، إذ دعاه ذات يوم إلى مجلس اللهو؛ كي ينتشر الخبر في كل مكان أن علي الهادي (عليه السلام) كان نديما للمتوكل، وقد جالسه في مجلس خمره ولهوه!

 لكن الإمام الهادي (عليه السلام) نظر إلى هذه القضية من زاوية أخرى، ووقف قبال هذه المؤامرة الدنيئة، فذهب إلى هناك واستطاع بحكمته أن يحول مجلس السكر والحرام إلى مجلس عابق بالمعنويات عبر بعض أبيات حافلة بالحقائق ومذكرة بالعواقب:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم        غلب الرجال فلم تنفعهم القلل(1)

 بهذه الكلمات وتلك الروح الطافحة بحب الله تعالى استطاع أن يؤثر في أكثر الناس انحرافا، وأن يخرج من البلاط بعد أن ترك هذا الدرس المبارك للتاريخ، ولنا جميعا.

لقد علمنا إمامنا الهادي (عليه السلام) أن نكون إيجابيين مهما كانت الظروف المحيطة بنا، وأن نفكر بذكاء وحكمة؛ لنغتنم الفرص ونحول الخسائر إلى أرباح، ولا ندع اليأس يسيطر علينا، ويكبل همتنا في أداء دورنا، وتغيير الفساد الذي نراه من حولنا.

.......................................

(1)     بحار الأنوار: ج50، ص211.

أخترنا لك
إيجَابِيّاتُ التَّعلِيم الإلكترُونِيّ

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة