"الكتب بساتين العلماء"

2025/01/02

بالعلم تُكتسب المعرفة، وبالتعلّم، والقراءة، والمطالعة، والتحقيق، يعزّز الفرد من قدراته المعرفية، ويزيد من ثرائه العلمي والفكري، وقد أولى الإسلام عناية فائقة بالقراءة، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم على قلب الحبيب المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) هو قوله سبحانه وتعالى: (اقْرَأْ باسْم رَبّكَ الَّذي خَلَقَ) (العلق:1)، وقد أقسم سبحانه بالكتاب فقال: (وَكتَابٍ مَّسْطُورٍ* في رَقٍّ مَّنشُورٍ) (الطور:2ـ3)، فمثلما كانت نعمة الكتابة من نِعم الله تعالى على الإنسان؛ ليخرجه من ظلمات الجهل إلى نور العلم، فكذلك هي نعمة القراءة، فبالقراءة والبحث في بطون الكتب، يزداد الإنسان معرفةً، وتُفتح أمامه آفاق معرفية واسعة، وكانت الكتابة موردًا من موارد عناية رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وكذلك كانت القراءة من أوائل بعثته الشريفة مورد اهتمامه وعنايته.

وقد مرّ سابقًا أنّ من فوائد القراءة الاستزادة في العلم والمعرفة، لكن هل كلّ قراءة تثري عقل الإنسان وتزيده معرفة؟ فمثلًا هل القراءة العشوائية في صفحات وسائل التواصل يمينًا وشمالًا، تنمّي شخصية الإنسان وتوصله إلى غاية ما؟! قد يحصل الفرد منها على شيء بسيط من المعرفة، لكن لا تكون تلك المعرفة المطلوبة التي تحقّق الهدف المرجوّ؛ إذن نحتاج إلى القراءة الممنهجة، أو في نطاق تخصّص معيّن، حتى نحصل على الثمرة ونزداد علمًا، فالقراءة الواعية الممنهجة هي التي تنمّي وتصقل شخصية القارئ، وتوصله إلى الرشد العقلي، وتطوير الذات، واكتساب الخبرات، فكلّما قرأ أكثر، توسّعت مداركه، وزادت ثقافته، واكتسب خبرة بما حوله.

والكُتب المراد للإنسان السبر في أغوارها هي بمنزلة البساتين، مثلما عبّر عنها أمير المؤمنين (عليه السلام): "الكتب بساتين العلماء"(1)، فالشخص عندما يدخل بستانًا، يتخيّر وينتقي من طيّبات ثماره، ولا ينبغي له أن يقتصر على نوع واحد، بل يقطف أفضلها، وكذلك القارئ، عليه أن ينوّع من قراءاته وينتقي أفضلها الذي يقرّبه إلى الله تعالى، ويزيد من وعيه.

وللبحث والمطالعة متعة لا يستشعرها ويتذوّقها إلّا مَن خاض في بطون الكتب والعلم تحقيقًا، وتدقيقًا، ودراسةً، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَن تسلّى بالكتب، لم تفته سلوة"(2).

والإنسان بطبعه يحتاج إلى جليس يحدّثه ويستأنس به؛ لذا جاءت أهمّية انتقاء الجليس النافع ليستفيد منه، ويُعدّ الكتاب أفضل مُحدّث وجليس، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "نِعم المحدّث الكتاب"(3)، فالمهمّ أن ينتقي القارئ أفضل الكتب وأعلاها.

.......................................................

(1)     ميزان الحكمة: ج3، ص2662.

(2)     المصدر السابق نفسه.

(3)     المصدر السابق نفسه.

أخترنا لك
370 مشاركة في مسابقة المكتبة المصوّرة (فكّ رمز الصورة)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة