تأثير مقاطع الفيديو القصيرة في مستوى الذاكرة وتناثر الأفكار

2024/12/24

ازدادت تطبيقات الهواتف المتخصصة بنشر مقاطع قصيرة تتراوح مدتها بين (15ـ30) ثانية، إضافة إلى مقاطع الـ(ريلز) في تطبيق الـ(انستغرام) التي تجعل الشخص مجبرًا على مشاهدة (20) مقطعًا بشكل متواصل من دون توقف ومن دون السيطرة على نفسه حتى يسرقه الوقت، ويشعر بإحساس فوري بالسعادة المؤقتة، والتعطش المستمر لمشاهدة المزيد من هذه المقاطع، وهذا التعطش يسبب الإعتياد الذي بدوره يؤثر تأثيرًا بالغًا في الذاكرة القصيرة والطويلة، ويسبب تشتتًا ذهنيًا.

 في هذا السياق أجرت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) استطلاعًا للرأي:

شاركتنا المدرسة المساعدة سارة حسين/ تدريسية في جامعة كربلاء ـ قسم طب الأسنان رأيها قائلة: إن مشاهدة الكثير من المقاطع له تأثير سلبي كبير، ومن الناحية الطبية تسمى هذه الحالة بـ(عقلية القرد)، وتعرف على أنها تنقل سريع وعشوائي بين الأفكار المتناثرة نتيجة تأثيرات بصرية وسمعية خارجية، والبقاء في حالة هيجان وتعطش مستمر، وخوف غير مبرر، وتناقل بين الأفكار بطريقة مؤثرة في الدماغ، ويضعف التركيز، ومن ثم لا يجب الاستهانة بالوقت الذي يهدر على متابعة هذه المنصات، بخاصة الطلاب، فكلما يرتاد جيل جديد الجامعة، نلاحظ عليه ضعف الذاكرة عن الجيل الذي سبقه، وهذا يعني أن أجيالًا كاملةً متتاليةً تدمر ذاكرتها وقدرتها على الحفظ والاستيعاب بسبب ذلك؛ لذا لابد من الحذر من هذه المشاهدات، ومعرفة كيفية استخدامها بطريقة جيدة.

وقالت المدرسة ضمياء العوادي/ بكالوريس لغة عربية: ضعف التركيز بات أزمة بالنسبة إلى الكبار والصغار على السواء، فحين أقوم بتدريس الأطفال ألاحظ عليهم تشتتًا ذهنيًا كبيرًا، حتى حين أبدأ حوارات مع فئة المراهقين، لا يستطيعون الاستمرار بالحديث في الموضوع ذاته، بل يخوضون في موضوع آخر، وتستمر الدوامة الفكرية المتناثرة، والحلقات المفقودة من سلسلة الأفكار، أو بالأحرى لم يعد هناك سلسلة أفكار واضحة، بل ضبابية بحتة، وذلك يؤدي إلى هبوط المستوى العلمي، ومعاناة المدرسين بالتعامل مع هذه الأجيال الصاعدة، بخاصة طلاب المرحلة الابتدائية، المعتادين على الهواتف الذكية، ممن  يعيشون في بيئة مهملة من قبل الوالدين.

وأخبرتنا زهراء فاضل عباس/ طالبة في كلية الهندسة بشأن هذا الموضوع قائلةً: أعاني من تشتت فكري كبير عند الدراسة،  بخاصة أنني أدرس تخصصًا دقيقًا يحتاج إلى مجهود ذهني عال، علمًا أنني اعتدت مشاهدة المقاطع الفيديوية القصيرة بشكل مفرط، وحين سألت إحدى زميلاتي ذات المستوى العلمي الأفضل مني كيف تحافظ على تركيزها وقدرتها على الاستمرار في المحاضرة ومتابعة الدراسة على العكس مني، حيث أشعر بالملل سريعًا، وأجد صعوبة في تثبيت المعلومات في أثناء الدراسة، نصحتني بعمل صيام إلكتروني، وحذف التطبيقات المشتتة للانتباه كـ(تيك توك) و(انستغرام) لمدة من الزمن، بخاصة في أثناء الامتحانات، وبالفعل طبقت منهج الصيام الإلكتروني الجزئي مثلما قالت، ولاحظت أن دماغي قد استعاد نشاطه وحيويته بشكل جيد وملحوظ، حتى أن أدائي في الامتحانات ودرجاتي تحسنت، فاكتشفت مدى تأثير المقاطع السريعة لتجعل الدماغ يتقبل فقط الأشياء السريعة، إضافة إلى أن ذاكرتي تحسنت وزادت قدرتي على الدراسة لأكثر من ساعتين متواصلتين، وهذه طفرة نوعية في حياتي؛ لذلك أظن أن أنجع الحلول لاستعادة نشاط الذاكرة، هو الصيام الإلكتروني، والابتعاد كل البعد عن هذه التطبيقات التي تضيع الوقت وتتلف الدماغ، أو على الأقل في أثناء مدة الامتحانات.

وقالت وداد العكيلي/ طالبة علم نفس: إن مقاطع الفيديو القصيرة تؤثر بشكل كبير في مستوى الذاكرة وقدرة الدماغ على التركيز والتفكير المتسلسل، فهذا النمط السريع والمختصر من المحتوى الرقمي يسبب الانجراف وراء استهلاك المعلومات السطحية، مما يضعف من قدرة العقل على استيعاب الأفكار المعقدة وبناء الروابط المنطقية بينها، ومن ثم يجب التعامل مع هذه المقاطع بحذر، بخاصة مع تنامي الاعتماد عليها في حياتنا اليومية، فمن الضروري السعي لتحقيق التوازن بين استهلاك المحتوى السريع وممارسة الأنشطة التي تعزز من التفكير العميق والتركيز المستدام، كالقراءة، والتأمل، والمناقشات الفكرية، فهذه الأنشطة تساعد في تعزيز الذاكرة وترسيخ الأفكار في العقل، وتمنح الفرصة لإعادة تنظيم الأفكار بشكل أفضل، إضافة إلى ذلك فأن إدراك التأثيرات السلبية المحتملة لهذا النمط من الاستهلاك الرقمي يدفعنا إلى تبني سياسات شخصية تحد من الوقت المخصص لمقاطع الفيديو القصيرة، واستبداله بأنشطة تسهم في تحسين الأداء العقلي والنفسي على المدى الطويل.

أخترنا لك
فحيح الموت وبطاقات الحياة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة