بنيتي الحبيبة: وأنا على مشارف النهاية، أرقب لحظة اللقاء بالله تعالى الذي تفضل علي بالحياة والهداية، أشكر ربي إذ إنني لست خائفة؛ لا لثقة بعمل صالح قدمته، بل ليقيني بسعة رحمته وعظيم مغفرته، وحبه لعباده، وصفحه عنهم.
لقد عشت ما كتبه الله تعالى لي في هذا البيت الجميل، وها أنا ذا أحزم أمتعتي للسفر الطويل، لكنني أخشى عليك يا نور عيني..
أخاف عليك يا زهرة عمري؛ لذا سأترك بين يديك وصيتي الأخيرة قبل أن أذهب إلى قبري..
عزيزة أمك: أوصيك بالاستقامة، وأحذرك من الغفلة الموجبة للتردي والندامة..
كوني كالنهر الرقراق الذي يسير في مجراه، ولا يتأثر بالوحل على جانبيه..
تمسكي بدينك وقيمك، وكوني مؤمنة تقية، على الرغم من كل ما يموج في عالم اليوم من السوء، صالحةً نقية، وثابتة شجاعة قوية، لا تسمحي لأعاصير الدنيا أن تحرفك عن مسارك، أو تؤثر مغرياتها في صواب قرارك..
اجعلي الإيمان حصنك، والورع درعك، والذكر الكثير زادك، وعمري قلبك بحب خالقك، وطرزي صفحات أيامك بذكر ساداتك، وارتبطي بصدق بأمي وأمك، تلك المرأة الطاهرة التي اختارها الله تعالى؛ لتكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، أمنا الزهراء (عليها السلام).
واعلمي يا فلذة الكبد: أن الارتباط بالواحد الأحد، والتخلق بأخلاق بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) الصديقة البتول (عليها السلام) سر السعادة في دار الانتقال والتزود، فاحرصي على ذلك، ولتكن منارك في كل خطواتك، اجعليها ملهمتك ونبراسك في رسم مسيرة حياتك، تعلمي منها: كيف تكونين قوية في دينك، عظيمة بحكمتك، صبورة في محنتك، عفيفة في مشيتك، وقور في مصيبتك، مؤثرة بكلماتك، صامدة بوجه تحدياتك، ذائبة في نهج إمام زمانك، مستعدة للتضحية في سبيله بنفسك، وتذكريني في كل ذلك، وقولي: إن إرثي هو الذي تركته لي أمي، والتركة التي حبتني بها من دون غيري هي حب مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام).
تذكريني يا بنتي في مدرستك وجامعتك، وفي بيتك، وعند تربية أطفالك، تذكري كل كلماتي وهمساتي التي ما أعطيتك إياها إلا لأنني أحبك، وأرجو لك الخير.
وصيتي الأخيرة وأنا مسافرة نحو الآخرة: كوني مع الله تعالى، واجعلي عملك خالصًا له سبحانه، فالدنيا زائلة والأيام معدودة، ولا يبقى للمرء بعد الانتقال من عالم الزوال هذا إلا حبه لله تعالى ولمن جعلهم أمناء على دينه، فتمسكي بذلك ولا تفرطي به، واحرصي على التزود من العمل الصالح ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.