ذات يوم وبعد القيام بالأعمال المنزلية المعتادة، جلست لآخذ قسطًا من الراحة في وقت مستقطع، تعد استراحة المحارب للانطلاق في جولة أخرى من العمل التي مثلما يقال عنه: (لا ينتهي)، في تلك اللحظات رمقت عيناي حقيبة السفر الفارغة والمغلفة بإحكام كي تحافظ على جمالها ونظافتها من أتربة تقادم الزمان، أخذت تعصف بي الأفكار، وتسحبني شبكة الخيال إلى أماكن متعددة، فيا ترى ما القيمة الفعلية لتلك الحقيبة ليتم تغليفها والاهتمام بها هكذا؟ ولماذا ارتسمت على محياي ابتسامة ممزوجة بحسرات، وشعور بنوع من الحزن؟
ربما من أجمل اللحظات التي تمر على العائلة هي التفكير بالذهاب في رحلة إلى مكان ما، ولا يهم إلى أين، بل المهم فكرة السفر، وكسر الروتين القاتل الذي يلقي بظلاله على الحياة، فيجعلها مملة، ويعلوها سحابة من الضجر والتذمر لأبسط الأسباب، وذلك بعد وصول الأفراد إلى مرحلة التخمة من اجترار الأمور ذاتها كل يوم، فتأتي نفحات السعادة عند أول كلمة تصدر من رب الأسرة والتي تحمل في طياتها نية السفر.
هنا نتحدث قليلًا عن حقيبة السفر، فنجدنا نملؤها بكل ما يخطر على بالنا أننا نحتاجه في لحظة ما، فنتفنن ونبدع في ترتيب الحاجيات كي تأخذ الحقيبة أكبر كمية ممكنة من المستلزمات، بل قد يستعين بعضنا بالمقاطع الفيديوية ليتعلم طريقة ترتيب حقيبة السفر، وهذا يحث فعلًا بلا مبالغة في الأمر، وبعد العودة من السفر نجد أن هناك العديد من الاحتياجات التي لم نقم باستخدامها، ولم تلمسها أيدينا، إنها فقط مشاعر الخوف من الفقد، أو الاحتياج المتكرر لغير المهم.
هذا كله يحدث في سفرة قصيرة اعتيادية، ولنبتعد قليلًا عن السفر الدنيوي، ولنتأمل ما حدث، لكن بصورة أخرى أكثر أهمية، فحياتنا كلها عبارة عن اختيار وترتيب وتنظيم لحقيبة السفر الكبيرة التي تتسع لكل أعمالنا وأفكارنا ونوايانا التي من الأولى والأجدر بنا أن نعيد تنظيمها بحسب سلم الأولويات الذي نعمل به في مفاصل الحياة ودروبها، كي نحظى برضا مسؤول العمل، أو الزوج، أو أي شخص له سلطة علينا.
تلك الحقيبة هي حقيبة الأهداف القابلة للإنجاز، والتي يجب علينا أن نضع فيها الأهم فالمهم بطريقة تسع لكل الأمور مهما كانت صغيرة، فلكل نقطة حرف يحتاجها ويكتمل بها، كذلك هي الحياة، لكل شخص قيمة ومكانة يتحرك عبرها؛ لينال رضا الله سبحانه وتعالى، ويضع نقطة في حياة المجتمع السعيد.