إن الإنسان خلق مختارا بما زوده الله تعالى من فطرة لتمييز الخير والشر، وأرفده من إراءة للطريق ببعثة الأنبياء (عليهم السلام)، مثلما ذكر في كتابه الكريم: (وهديناه النجدين) (البلد:10)، فالإنسان يمتلك الاختيار في الطاعة أو المعصية من دون الخروج عن قدرة الله تعالى وسلطانه، إلا أن هناك آيات وروايات عن المعصومين (عليهم السلام) تثبت أن للإنسان مساحة اختيار أخرى، إذ إن بإمكانه تغيير مصيره وقدره، مما يرجع أثره في حياته الدنيوية أيضا.
يقول العلامة المجلسي (قدس): (اعلم أن الآيات والأخبار تدل على أن الله تعالى خلق لوحين، أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات، أحدهما اللوح المحفوظ الذي لا تغير فيه أصلا، وهو مطابق لعلمه تعالى، والآخر لوح المحو والإثبات، فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب)(1). فقوله تعالى: (وما تحمل من أنثىٰ ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذٰلك على الله يسير) (فاطر:11) تشير إلى وجود تقديرين لعمر الإنسان، والله سبحانه مثلما هو المقدر للمصير الأول، هو المقدر للمصير الثاني، فهو كل يوم في شأن، يزيد في الرزق وينقص، كل ذلك بحسب مشيئته الحكيمة والمصالح الكامنة، وهو عالم بالتقدير الأول، وفي الوقت نفسه عالم بأنه سوف يزول ويخلفه تقديرآخر(2)، وهذا التغيير إنما يحصل بسبب اختيارات الإنسان، فهو بيده يستطيع أن يغير مصيره بصالح أعماله أو طالحها، والتقدير الأول الذي كتبه الله سبحانه على العبد ليس تقديرا قطعيا، بل هو تقدير معلق سيتغير إن تغير سببه، ففي الآية الآتية تصريح بهذا الاعتقاد، يقول تعالى: (ولو أن أهل القرىٰ آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولٰكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) (الأعراف:96) ففي هذه الآية وغيرها من الآيات إشارة واضحة إلى أن الأعمال الصالحة مؤثرة في مصير الإنسان، وأنه يقدر بعمله الصالح على تغيير التقدير وتبديل القضاء غير المبرم؛ لأنه ليس في أفعال الإنسان الاختيارية مقدر محتوم ليقف الإنسان عاجزا عن تغييره وتبديله، وفي الروايات أيضا هناك العديد من الأخبار التي تشير إلى هذا المعنى، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: "يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيره الله ثلاثين سنة، ويفعل ما يشاء"(3)، وهكذا فإن كل ما قدر الله في حق الإنسان من الحياة والموت، والصحة والمرض، والغنى والفقر، يمكنه تغييره بالدعاء، والصدقة، وصلة الرحم، وبر الوالدين.
......................
(1) بحار الأنوار : ج٤، ص١٣٠.
(2) البداء: ص١٥.
(3) الكافي: ج٢، ص٤٧٠.